- الأسباب الرئيسية لهذا الغياب تشمل: الطبيعة الزمنية المسبقة للانتخابات دون تغييرات سياسية أو تقنية، استسلام الفاعل السياسي لسردية السلطة التي تربط الثابت الانتخابي بالمتغير الإقليمي، وقناعة المجتمع بعدم جاهزية الظروف لتغيير هرم السلطة.
- الخوف من الصدام مع السلطة واستغلالها لأي فرصة للتنكيل المعنوي والسياسي بالمعارضين، يُعد سبباً هامشياً نسبياً لكنه مؤثر في تقليل الرغبة بالتفاعل مع الانتخابات.
لماذا لم يشكل قرار تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة في الجزائر حدثاً سياسياً وجدلياً، إذ استغنى المجتمع السياسي والمدني واستنكف عن التفاعل مع الحدث بما يليق باستحقاق يفترض أنه حاسم ومصيري بالنسبة لأي بلد؟ قبل ذكر الأسباب، من المهم التأكيد أن غياب التفاعل السياسي مع قرار مصيري، هو وضع غير صحي وينبئ بمؤشرات غير سليمة بالنسبة للبيئة السياسية في الجزائر. وهو نتيجة طبيعية لما قامت به السلطة في الحقل السياسي منذ ما قبل 2019، وإقدامها على إضعاف روافد التفكير ومرتكزات الممارسة السياسية في البلاد. مع الوقت لن يخدم ذلك لا مصلحة الدولة ولا صالح البلاد.
على الأقل هناك ثلاثة أسباب يمكن أن تفسّر غياب التفاعل السياسي مع قرار الانتخابات المسبقة: السبب الأول أن هذه الانتخابات مسبقة من حيث الزمن فقط (94 يوماً)، وتجري من دون أي متغير سياسي. يرتبط ذلك برغبة الرئيس عبد المجيد تبون في الاستمرار لولاية رئاسية ثانية، وهو لم يخف ذلك صراحة عن بعض قادة الأحزاب الذين استقبلهم.
ومع وجود الرئيس مرشّحاً ضمن التوافقات التي تحكم طبيعة البيئة السياسية الجزائرية، تصبح المنافسة غير ممكنة، والإمكانية غير متوازنة، كما يجعل من باقي المرشّحين "مشاركين"، وليسوا منافسين. وهي انتخاباتُ تجرى أيضاً من دون أي متغير تقني، أي بالترتيبات الإجرائية والقانونية نفسها التي لا تغير من الأمر شيئاً. السبب الثاني وجود استسلام لافت لدى الفاعل السياسي في الجزائر، بشكل كامل، لسردية السلطة التي ربطت الثابت الانتخابي بالمتغير الإقليمي، سواء عن مواربة أو عن اقتناع. الرئاسة الجزائرية أعلنت بوضوح أن قرار الانتخابات المقبلة ذو صلة "باضطرابات مبرمجة" في المنطقة، ما يفرض على الرهان الدولي أن يسبق الرهان الوطني. ومع ذلك، لا ترى السلطة ضرورة لوضع هذه المخاوف بين يدي المنتظم السياسي الوطني، كما لم يطالب المجتمع السياسي بحقه في الاطلاع الوافي على العناوين الكبرى، على الأقل لهذه المتغيرات.
هناك سبب ثالث، قد لا يقر به الكثيرون، لكنه عنوان أساسي للأغلبية الصامتة، ويتمثل بأن كلاً من المجتمع السياسي والشعبي مقتنع تماماً بأن الحالة الجزائرية بمعطياتها القائمة غير مهيأة لإحداث التغيير في هرم السلطة، وأن الظرفية الراهنة غير مناسبة، وحدوث ذلك في الوقت الحالي غير مضمون. وقد يكسر هذا التغيير مساراً لم يحقق نتائج كبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لكنه فتح نوافذ مهمة وأطلق خطوات ومشاريع يمكن أن يُبنى عليها، بعد تصحيحها وتسديدها.
سبب آخر قد يكون هامشياً نسبياً، وهو الخوف السياسي من صدام الرأي مع السلطة، خصوصاً أن الأخيرة لا تتأخر في استغلال أي فرصة لـ"التنكيل" المعنوي والسياسي بكل من يفكر في التمركز في قلب المشهد، لا سيما ممن يمتلكون تنظيماً وقدرة على تفكيك سردية السلطة، لمجرّد نياتهم في الترشح، من قبيل ذلك منع الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، العام الماضي، من السفر، قبل رفع الحظر عنه لاحقاً، والقصة تفسّر نفسها.