على الرغم من مرور نحو سبعة أشهر على استيلاء المجلس العسكري في ميانمار على الحكم بعد إطاحته في الأول من فبراير/شباط الماضي، حكومة أونغ سان سو تشي المنتخبة، إلا أنه فشل إلى حد اليوم في تطويع السكان والسيطرة على البلاد، التي باتت تنتظم فيها مجموعات بعضها مسلح لمواجهته. فقد شكّل انقلاب الأول من فبراير، نقطة لإعادة إحياء الكثير من الجماعات العرقية المتمردة، التي بدأت تستقطب في الأشهر الأخيرة العديد من الشبان الذين شرع العديد منهم بالفعل بترك ساحات الاحتجاج السلمية والتوجه نحو معسكرات التدريب في الجبال والتي تقيمها هذه المجموعات المتمردة، بعدما لم تثمر مواجهتهم السلمية عن أي تراجع من قبل العسكر. أمام هذا الوضع، يبدو أن المجلس العسكري بدأ يفكر بتكتيك جديد لمواجهة هؤلاء من خارج إطار قوات الجيش، إذ يعتزم تشكيل مليشيات مكلفة ملاحقة معارضيه في البلاد، في خطوة لن تؤدي إلا إلى زيادة الفوضى المنتشرة بالفعل، ودفع البلاد نحو صراع مسلح واقتتال داخلي بوضع السكان في مواجهة بعضهم البعض، خصوصاً أن مخاوف من انزلاق ميانمار نحو حرب أهلية وصراع طويل الأمد كانت عبّرت عنها جهات كثيرة في الأشهر الماضية.
ترغب السلطات في مكافأة الأشخاص الذين يسلمونها معلومات عن المناهضين للمجلس العسكري
وذكرت صحيفة "غلوبال نيو لايت أوف ميانمار"، إحدى وسائل إعلام الدولة، اليوم الثلاثاء، أنّ المجلس العسكري يفكر في "تشكيل منهجي لمليشيات" في القرى بهدف محاربة أعدائه. كذلك ترغب السلطات في "مكافأة الأشخاص الذين يسلمونها معلومات عن المناهضين للمجلس العسكري"، ولا سيما عن الجماعات المتمردة على أطراف ميانمار التي تقدم الأسلحة والتدريب للمناهضين للعسكر.
وتشن قوات الدفاع الشعبي، وهي مليشيات من المواطنين شكلها معارضو الجيش، حرب عصابات خصوصاً في الأرياف. وحملت فصائل إثنية متمردة أيضاً السلاح مجدداً ضد المجلس العسكري في شمال ميانمار وشرقها بسبب القمع الدموي الذي يقوم به الانقلابيون. وقتلت قوات الأمن في الأشهر الماضية أكثر من ألف مدني بينهم عشرات القصر فضلاً عن اعتقال نحو ستة آلاف شخص، بحسب أحدث الأرقام التي أعلن عنها المقرر الأممي الخاص بقضايا حقوق الإنسان في ميانمار توم أندروز قبل أيام. من جهتها، تتحدث منظمات غير حكومية عن أعمال تعذيب واغتصاب وإعدامات خارج إطار القضاء. كما أفادت الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، بأنّ أكثر من 210 آلاف شخص نزحوا في ميانمار منذ الانقلاب العسكري.
وفي تقرير عن الحرب الأهلية الناشئة في ميانمار نُشر في نهاية يونيو/حزيران الماضي، اتهمت مجموعة الأزمات الدولية، الجيش باعتماد استراتيجية تستهدف المدنيين لتقويض دعمهم للمجموعات المتمردة. وحذرت المجموعة من احتمال ظهور جماعات مسلحة جديدة ومستدامة، خصوصاً أن ميانمار عرفت على مدى عقود العديد من حركات التمرد في أجزاء مختلفة من البلاد.
وعلى الرغم من المخاطر التي يعززها قرار المجلس العسكري في إنشاء مليشيات تابعة له، بحال المضي به، إلا أنه قد لا يلقى أساساً الكثير من الدعم. وفي السياق، قال الخبير في شؤون ميانمار، ديفيد ماثييسون، في حديث لوكالة "فرانس برس": "نشهد غضباً معمماً حيال العسكريين، وبالتالي من غير المرجح أن يساهم الكثير من السكان في ميانمار في ذلك طوعاً". من جانب آخر، إذا قام الجيش "بتدريب وتسليح مدنيين، فهم قد يرتدون عليه"، كما أضاف. وتساءل ما إذا كانوا سيجازفون بذلك.
رغبة العسكر بإنشاء مليشيات قد لا تلقى الكثير من الدعم
وبرر المجلس العسكري استيلاءه على السلطة، منهياً فترة من الديمقراطية استمرت عشر سنوات، بزعم وجود عمليات تزوير كثيفة شابت الانتخابات التشريعية عام 2020، والتي حقق فيها حزب أونغ سان سو تشي "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" فوزاً ساحقاً. وقام الجيش بإلغاء نتائج هذه الانتخابات ووعد بإجراء اقتراع جديد في 2023. في حين وُضعت أونغ سان سو تشي (76 عاماً) قيد الإقامة الجبرية في العاصمة نايبيداو، ووجهت إليها اتهامات عدة ما جعلها عرضة لاحتمال البقاء لسنوات طويلة في الحجز.
ولا تزال الإدانات الدولية متواصلة لانتهاكات المجلس العسكري. ونددت الأمم المتحدة بشدة، أمس الإثنين، بانتهاكات جيش ميانمار المتواصلة بحق المناهضين للانقلاب، ودعت إلى توفير الحماية للمدنيين. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك: "نواصل دعوة قوات الأمن في ميانمار إلى ضمان حماية المدنيين"، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي، أن "عدد القتلى في أعمال العنف السياسي في البلاد تجاوز ألف شخص، وأصيب آلاف آخرون، كثير منهم من النساء والأطفال". وتابع: "فريق الأمم المتحدة في ميانمار يدين بشدة الاستخدام الواسع النطاق للقوة المميتة، والانتهاكات الجسيمة الأخرى لحقوق الإنسان، وبينها القتل خارج نطاق القضاء والاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة والإخفاء القسري".
(العربي الجديد، فرانس برس)