أكمل العراك بالأيدي بين أعضاء في مجلس النواب الأردني، يوم الثلاثاء الماضي، الصورة السلبية والمشوهة لهذا المجلس في عيون الأردنيين، بعد فشله منذ انتخابه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في استعادة ثقتهم بمؤسسة السلطة التشريعية.
وجاء العراك الثلاثاء، ليهزّ أكثر هذه الثقة المفقودة منذ أن أطلق بعض أعضاء المجلس النار للاحتفال بفوزهم بمقعد نيابي، ثم التداعيات المرتبطة بفصل النائب أسامة العجارمة، وعجز المجلس عن إحداث تغييرات حقيقية في ملفات الحريات وتحسين أحوال المواطنين المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، بالإضافة إلى غياب فاعليته السياسية.
وليس تراجع ثقة المواطنين بالبرلمان في الأردن، انطباعا عابرا، بل هو حقيقة دامغة. فوفق استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ونشرت نتائجه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن 15 في المائة من الأردنيين فقط يثقون بمجلس نوابهم.
وقعت المشاجرة داخل المجلس خلال جلسة لمناقشة التعديلات الدستورية
والمجلس الحالي ليس استثناء، إذ إن غالبية أعضاء المجلس، البالغ عددهم 130 نائباً، والذين حملتهم إلى البرلمان أدنى نسبة اقتراع في تاريخ الانتخابات التشريعية في البلاد (29.90 في المائة)، ومنهم نحو 100 وجه جديد، محكومون بصوت العشيرة والخدمات المناطقية وسطوة المال والمصالح الشخصية.
عراك البرلمان الأردني: مستوى متدنٍ من النقاش
وتبدو الصورة اليوم أكثر قتامة. فمشاجرة يوم الثلاثاء الماضي، التي وقعت خلال جلسة لمناقشة التعديلات الدستورية، وإضافة كلمة "الأردنيات" للمادة الأولى من الدستور، أشعلتها طريقة إدارة الجلسة، وتلاسن رئيس المجلس عبد الكريم الدغمي مع نواب، إضافة إلى التلاسن الذي حصل حين طلب رئيس اللجنة القانونية عبد المنعم العودات (الرئيس السابق لمجلس النواب) من زميل له الجلوس بعدما قاطعه عن الحديث، لتتطور الأمور بعد ذلك إلى عراك بالأيدي وشتائم متبادلة بين عدد من النواب، من بينهم سليمان أبو يحيى، أندريه العزوني، شادي فريج، حسن الرياطي، وغيرهم.
وتوّج ذلك بمشهد اللكمات بين النائب حسن الرياطي ونواب آخرين. وقال الرياطي إن سبب تدخله في المشادات والعراك، هو قيام أحد النواب بشتم الذات الإلهية والتلفظ بألفاظ نابية.
ودان النائب موسى أبو هنطش، في حديث لـ"العربي الجديد"، الإساءات والاعتداءات اللفظية والبدنية التي وقعت تحت قبّة البرلمان، مشدداً على أنها "غير منطقية ومؤسفة ومزعجة، ولا يجوز أن تحدث داخل البرلمان". واعتبر أن ما حدث "خطير جداً"، لافتاً إلى أن "المستوى المتدني من النقاش وردود الفعل والتجاوزات اللفظية والاعتداءات البدنية، ساهمت كلّها بتشويه صورة المجلس".
وأكد أبو هنطش، أن جميع من ساهموا في هذا المشهد منذ بدايته حتى النهاية "مدانون"، معتبراً أن ما حصل "جاء نتيجة للأجواء المشحونة، والتي لعب فيها رئيس المجلس دوراً كبيراً، إضافة إلى رئيس اللجنة القانونية والرئيس السابق للمجلس، عبد المنعم العودات".
وقال النائب المستنكر للأحداث الأخيرة داخل المجلس، إنه "قبل إدانة النواب الشباب لجهة الإساءة لصورة المجلس والعمل البرلماني، يجب أيضاً إدانة النواب أصحاب الخبرة والتجربة"، داعياً إلى رفع سنّ الترشح للانتخابات ليكون فوق الـ40 عاماً، لاختيار أعضاء من ذوي التجربة، والقادرين على احتواء الأمور، من وجهة نظره، وإجراء تعديلات على النظام الداخلي للمجلس.
من جهته، أعرب الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، عن أسفه الشديد للعراك الذي وقع داخل المجلس النيابي، وللتطاول بالكلام والعراك بالأيدي الذي لا يليق بأعضاء المجلس، بحسب قوله، واصفاً ذلك، واصفاً المشهد الذي طغى بأنه "متخلف".
وقال الطعاني في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الجلسة منذ بدايتها كان يجب أن تعقد بأجواء رقيّ سياسي، خصوصاً أنها كانت مخصصة لمناقشة تعديلات دستورية هدفها تأسيس مرحلة جديدة من التحديث السياسي، لكن ما حدث تسبب بخيبة لدى الأردنيين، وتشويه لصورة الأردن في الخارج.
نضال الطعاني: تعديل النظام الداخلي للمجلس سيكون واردا جداً
وشدّد الطعاني على ضرورة مناقشة التعديلات الدستورية من منطلق سياسي، وعدم سيطرة الجهوية والعصبية على الأداء البرلمانيين، واستهجن اللجوء إلى العنف في وقت يحاول المجلس تحديث منظومة الحياة السياسية والارتقاء بالأداء. وتوقع وفق ذلك، أن يكون لهذا الحادث أثر سلبي على انخراط الناس في العملية الانتخابية والمشاركة بها في المستقبل.
وأعرب الطعاني عن أمله في إيجاد حلول لهذه المشكلة لإدارة العملية التشريعية، مشيراً إلى أن تعديل النظام الداخلي للمجلس سيكون واردا جداً. وبرأيه، فإن الأحزاب يجب أن تكون هي الفاعل السياسي الأساسي في المجلس، مشدداً على وجوب تحول النائب من شخص يلهث وراء الوزراء لتحقيق مطالب خدمية لدائرته الانتخابية، إلى سياسي يراقب ويشرّع للصالح العام.
مصير التعديلات الدستورية
ولا يختلف رأي الطعاني عن رأي النائب الأردني السابق نبيل غيشان، الذي اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "صورة المجلس هي في الأصل سيئة، وسمعته في هبوط منذ ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، وهذا يدل على أن المجلس الذي شارك في انتخابه 29 في المائة من الأردنيين فقط، لم يحظَ بثقة المواطنين نتيجة عاملين: التدخل الحكومي المسبق في نتائج الانتخابات، والسماح باستخدام المال السياسي".
ووصف غيشان مشاهد العراك بـ"المؤلمة"، والتي "أضرت بسمعة المؤسسات الدستورية بشكل عام"، متوقعاً اتخاذ قرارات حاسمة تجاه بعض النواب الذين شاركوا في الشجار. ولفت في السياق، إلى ضرورة "عدم سلق" التعديلات الدستورية التي كانت عنوان جلسة المشاجرة، داعياً إلى "مناقشتها بشكل مستفيض".
ورأى غيشان أن رئيس المجلس فشل في ضبط أعصابه وإدارة الجلسة بالشكل الذي يحافظ على الهدوء خلال المناقشات. لكنه رأى أن ما حدث سيسرع من إقرار التعديلات الدستورية، وأن السلطات ممثلة بالحكومة، ستحاول الإسراع بتمرير التعديلات من دون أي تغيير يذكر على مضمونها، معتبراً أن ما حدث أضّر بالتعديلات نفسها.
وتعليقاً على صخب جلسة الثلاثاء الماضي للبرلمان الأردني، أوضح الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، أن مشهد العراك تحت قبّة البرلمان ليس الأول من نوعه، إذ حدث سابقاً مرات عدة.
ولفت شنيكات في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "غياب التقاليد البرلمانية المؤسسية في الأردن، والتي تؤطر الحوار والنقاش"، مذكراً بـ"حالات ضرب سابقة بين النواب تحت القبة البرلمانية، واقتحام نائب جلسة للمجلس ببندقية كلاشنكوف، لينهي برصاصتين خلافاً مع زميل، وحالات أخرى عديدة حصلت فيها اعتداءات لفظية أو جسدية".
وألقى الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية باللوم في ذلك على "قانون الانتخاب الذي أوصل هؤلاء النواب، وشجّع الكوتات والمحاصصة، فالقانون عاجز عن إفراز نواب على أساس حزبي أو برامجي". وذكّر بأن القانون الانتخابي الحالي هو "من مخلفات قانون الصوت الواحد الذي ترتبط مخرجاته بالبعد العشائري والعصبيات الأخرى".
واعتبر شنيكات أن فقدان جزء كبير من النواب قدرة التأثير على صنّاع القرار، يعزز رغبتهم بجذب الانتباه، لاسيما في ظلّ عدم إعارتهم أي اهتمام من قبل الحكومة في قرارات مهمة، وآخرها اتفاقية نوايا "الماء مقابل الكهرباء" مع الاحتلال الإسرائيلي. وبرأيه، فإن ذلك يدفع النائب إلى محاولة تبرئة ذمّته أمام ناخبيه، ولو بخطاب وسلوك ناري.
وبحسب شنيكات، فإن الغياب الواضح لمشاركة مجلس النواب في صناعة القرار، أدّى إلى تراجع نظرة الرأي العام له، إذ بات ينظر إليه على أنه طرف ضعيف في العملية السياسية. وأوضح مثال على ذلك، كما ذكّر شنيكات، هو حين وصف رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي قبل فترة قريبة مجلس النواب بأنه مجرد ديكور لا يؤثر في صنع القرار، ما يعكس اليأس داخل السلطة التشريعية.
وحول أثر العراك على إقرار التعديلات الدستورية الذي يحتاج إلى موافقة أغلبية الثلثين، رجّح شنيكات إقرارها من قبل البرلمان، مذّكراً بأن جميع التعديلات الدستورية التي كانت عرضت سابقا على البرلمان الأردني، جرى إقرارها، مؤكداً أن التعديلات الحالية لن تكون استثناء.