عراقيل أمام تفاوض السويداء ودرعا: شروط متبادلة وتدخل النظام

30 أكتوبر 2020
شجعت روسيا الذهاب للتفاوض بأسرع وقت (محمد يوسف/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة الفاصلة بين محافظتي درعا والسويداء، جنوب سورية، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، ترخي بظلالها، لا سيما على السويداء، التي حملت الجانب الأكبر من الخسارة في المواجهات بين مسلحين من الطرفين بالنسبة لعدد القتلى. وبات وجهاء هذه المحافظة، اليوم، يحاولون ترتيب شروط التفاوض مع قائد "اللواء الثامن" في "الفيلق الخامس" أحمد العودة، الطرف الآخر في المواجهة، والمحسوب على روسيا بعد إبرام المصالحات في درعا. ويبدي الوجهاء حذرهم من ارتكاب الأخطاء في أيّ مسعى، خشية تجدد المواجهات، وأخذها طابعاً مذهبياً.  

وكانت المواجهات قد اندلعت بعدما اتهم مسلحو السويداء مجموعات تتبع لـ"اللواء الثامن" الذي يقوده العودة، بالتقدم والسيطرة على أراض داخل بلدة القريا في ريف السويداء الجنوبي الغربي، الأمر الذي ردّ عليه عناصر "الدفاع الوطني" في السويداء بهجوم على نقاط متقدمة لـ"اللواء" بين القريا ومدينة بصرى الشام، شرقي درعا من جهة الجنوب، شاركهم فيه عناصر "حركة رجال الكرامة". إلا أن الهجوم أوقع 17 قتيلاً من مسلحي السويداء، وقتيلاً واحداً من عناصر "اللواء الثامن"، بالإضافة إلى عشرات الجرحى بين الطرفين. وعلى أثره، تقدمت قوات العودة أكثر في أراضي القريا، الأمر الذي لا يقبله أهالي البلدة وأهالي السويداء بالعموم. وسبق هذا الهجوم حالات خطف متبادلة بين السويداء ودرعا، اتهم نشطاء من المحافظتين الأفرع الأمنية للنظام بالتحريض عليها أو الوقوف وراءها بهدف تغذية صراع مذهبي بين المحافظتين، يكون من خلاله طرفاً رابحاً هناك.  


يسعى النظام إلى تغذية صراع مذهبي بين المحافظتين، يكون من خلاله طرفاً رابحاً هناك

والسبت الماضي، عقد في "دار الإمارة" في بلدة عرى بريف السويداء اجتماعٌ بدعوة من الأمير لؤي الأطرش، حضره وجهاء محليون من القريا وعدد من أهالي قتلى المواجهات الأخيرة، بالإضافة لممثلين عن "حركة رجال الكرامة". وهدف الاجتماع إلى التباحث في آلية التفاوض مع أحمد العودة، الذي دعا للمفاوضات في كلمة مصورة أعقبت المواجهات الدامية، وتحدث فيها عن العلاقة التاريخية بين جبل العرب في السويداء وسهل حوران في درعا. وحمّل العودة مسؤولية تأجج النزاعات بين درعا والسويداء إلى من وصفها بالأيادي السوداء وعصابات الخطف والسلب التي عكرت الصفو بين المحافظتين الجارتين من خلال عمليات عدة، من ضمنها خطف مدنيين من مدينة بصرى الشام بريف درعا في مارس/آذار الماضي.

وقالت مصادر في السويداء لـ"العربي الجديد"، إن نتيجة الاجتماع خلصت إلى عدم الجلوس إلى طاولة التفاوض قبل الانسحاب الكامل لعناصر العودة من بلدة القريا، كما حمّل الحاضرون في الاجتماع أحمد العودة مسؤولية تأجيج الصراع بين المحافظتين، مؤكدين عدم مسؤولية أهالي درعا عن التوترات مع السويداء، بالإشارة إلى أن المسؤولين عن ذلك هم المعتدون على السويداء فقط. كذلك فوّض المجتمعون لؤي الأطرش للتباحث مع أي جهة من محافظة درعا تبدي استعدادها للدخول على خط إنهاء التوترات والدفع باتجاه انسحاب قوات العودة من القريا. 

وأشار مصدر مطلع من السويداء على سير تطور الأحداث الأخيرة، إلى أنه مع إصرار أهالي بلدة القريا على انسحاب عناصر "الفيلق الخامس" من أراضي البلدة قبل الدخول في المفاوضات، فإن العودة يُصّر كذلك على أن لا انسحاب بلا مفاوضات لتحديد آلية لحماية المنطقة الفاصلة بين محافظتي درعا والسويداء، وتحديداً تلك الفاصلة بين القريا بريف السويداء الجنوبي الغربي وبصرى الشام في الريف الشرقي الجنوبي من درعا. 

ويطالب العودة كذلك، بحسب المصدر، بأن يشاركه فصيل محلي من السويداء، في إنشاء نقاط مشتركة وتسيير دوريات مشتركة في حماية المنطقة بين الحدود الإدارية للمحافظتين من عمليات التهريب والتسلل لمجموعات محسوبة على إيران. ولفت المصدر، إلى أن هذا المطلب يصطدم بعدم قدرة السويداء على التلبية، نظراً لعدم وجود فصيل محلي متفرغ لحلّ السلاح. وتتشكل الفصائل المحلية في السويداء من متطوعين تستدعيهم الحاجة للاجتماع والتلبية، وليس من متفرغين، كحال عناصر "الدفاع الوطني" على سبيل المثال. وأشار المصدر إلى أن العودة يرفض مشاركة "الدفاع الوطني" في السويداء في آلية حماية المنطقة، كونه مدعوماً من إيران وحزب الله اللبناني.

ونوه المصدر إلى أن إشراك "الأمن العسكري" التابع للنظام والمنتشر في مناطق المصالحات في درعا، لم يطرح كبديل عن مشاركة فصائل محلية من السويداء في حماية الحدود بين المحافظتين. وربما يعود ذلك لعدم ثقة العودة بالأمن العسكري والنظام، وعدم رغبة النظام من الأساس بتبريد الأجواء بين المحافظتين، كما أن "الأمن العسكري" كان عاملاً مؤججاً للخلافات منذ أحداث مارس الماضي.  


يصر أحمد العودة على أن لا انسحاب بلا تفاوض لتحديد آلية حماية المنطقة الفاصلة بين المحافظتين 
 

وأكد المصدر، أن عناصر "الدفاع الوطني" في السويداء، وبالترتيب مع الأمانة العامة لمليشيا "الدفاع الوطني" في دمشق، هم وراء الهجوم الأخير على نقاط العودة وتأجيج الصراع مجدداً، وورطوا معهم شبابا من أهالي القريا الذين تم تسليحهم من قبل "حزب الله". كما تورط في الهجوم، بحسب المصدر، عناصر الفصائل المحلية، أهمها "حركة رجال الكرامة"، بتغذية من دافع استعادة الأرض لديهم.

ويدفع النظام حالياً لعدم تهدئة الأجواء بين كل من درعا والسويداء، لا سيما مع عدم السيطرة الكاملة له على المحافظتين. ولا تزال السويداء تمنع سحب أبنائها رغماً عنهم إلى الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام، في حين لا تزال الفصائل في درعا تملك الكثير من حرية الحركة رغم إبرام اتفاق المصالحة برعاية روسية في 2018. وتشير المعلومات إلى دخول فرع "حزب البعث" في السويداء على خطّ عرقلة جهود المفاوضات بين الطرفين، لاسيما بعد الأحداث الأخيرة، كون أمين الفرع فوزات شقير، يتحدر من بلدة القريا ويقوم بدور سلبي في تعطيل أي جهد للحل بدفع من النظام. كما دخلت روسيا على طريق الحل بتشجيع عقد المفاوضات بأسرع وقت، إلا أن الجلوس على الطاولة كمرحلة أولى لا يزال صعباً بسبب تعنت الطرفين، بشروط ما قبل الجلوس.

وتعد السويداء المعقل الرئيسي للدروز في سورية، في حين تعد درعا ذات غالبية سنية. ومع تطور مسيرة الاحتجاجات التي اندلعت في سورية عام 2011 وشاركت السويداء فيها بشكل خجول، حاولت المحافظة النأي بنفسها عما يحصل، لا سيما مع ازدياد العنف المسلح من قبل النظام والمواجهة من قبل المعارضة. وتم تشكيل مجموعات محلية مسلحة لحماية المحافظة ضمن تقاليد عائلية مذهبية كان في ظاهرها حماية المحافظة من الأطراف، إلا أنها سعت بشكل أو بآخر لدفع الناس للثورة على النظام. ولعل أهم هذه الفصائل "حركة رجال الكرامة" التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس عام 2014، والذي اغتيل في أيلول/ سبتمبر 2015، إلا أن حركته لا تزال مستمرة، لكن بفاعلية أقل عما قبل اغتياله. 

وحاول النظام كثيراً دفع السويداء والدروز لشراكته في عمليات مواجهة الثورة ولم ينجح، ليعمد لإشعال الفتنة المذهبية بين أهالي السويداء ودرعا، ليصار له السيطرة على الطرفين. وفي ظلّ ذلك، لعب النظام على وتر تخويف أهالي السويداء بالتلويح بورقة الفصائل المتشددة. وحمل هجوم "داعش" الدامي على المحافظة في يوليو/تموز 2018، والذي أودى بحياة أكثر من 250 شخصاً من أبنائها، أكبر الرسائل التي أراد النظام إرسالها لأهالي المحافظة، في لعبة كان مكشوفة لهم، بعدما سبقها نقل النظام لعناصر من "داعش" من جنوب دمشق إلى محيط السويداء، لفسح المجال لهم لتنفيذ هجومهم الوحشي.