عدوان جنين... استعراض قوة جيش الاحتلال واختبار أسلحة جديدة

06 يوليو 2023
دمار كبير في جنين جراء العدوان (جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -

شكّل العدوان الإسرائيلي الأخير على مخيّم جنين يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، فرصة ليستخدم جيش الاحتلال تكنولوجيات عسكرية جديدة، وليزج بجيل جديد من قوات الكوماندوس في أول تجربة حقيقية. ووفق ما جاء في قراءات إسرائيلية، شكّل العدوان أيضاً فرصة "لتلقين" الجيل الفلسطيني الجديد في مخيم جنين، درساً بتعريفه على مدى "قوة" جيش الاحتلال وإمكانياته العسكرية.

هذه خلاصات ما كتبه محللون وباحثون إسرائيليون بعد انتهاء العدوان، من بينهم البروفيسور ياغيل ليفي، المحاضر في الجامعة المفتوحة، والباحث في علاقات الجيش والمجتمع الإسرائيلي، الذي اعتبر أن العملية العسكرية الأخيرة التي استهدفت مخيم جنين، تعكس رؤية قائد هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، ما يعني أن الجيش كان معنياً بها أيضاً، وليس كما روّج الكثير من المحللين والكتّاب، وكأن العملية العسكرية فُرضت على الجيش من قبل المستوى السياسي فقط، من دون التقليل من الضغوطات التي مارستها الحكومة أيضاً. كما أشار إلى أن عمليات من هذا النوع تشكّل فرصة لتجربة أسلحة جديدة.

ولفت ليفي، في موقع "هآرتس" اليوم الخميس، إلى أقوال هليفي خلال خطابه في "مؤتمر هرتسليا" الأمني قبل نحو شهرين، والذي عزا جزءاً من دوافع العمليات ضد الاحتلال والأهداف الإسرائيلية، إلى وجود جيل شاب في الضفة الغربية، لم يعش الحملة العسكرية التي شنها جيش الاحتلال على الضفة عام 2002 وأطلق عليها اسم "عملية الدرع الواقي". وعليه "يخطئ (أي الجيل الفلسطيني الجديد) حين يعتقد أنه بواسطة الإرهاب سيحقق إنجازات كبيرة"، ما يخلق حالة من عدم الردع، برأي الباحث.

محاولة لـ"كي الوعي"

وأضاف أن لدى هليفي مفهوماً عسكرياً تقليدياً، يعتمد على "كي الوعي" من خلال القوة. وتابع الباحث أن هليفي لم يشر إلى حدود استخدام القوة العسكرية، في خطابه في هرتسليا، واستعرض مكوّنات قوة جيش الاحتلال، التي تكمن في "المعرفة والدقة والقوة". وأضاف (أي قائد أركان جيش الاحتلال) أنه "يوجد في ساحة المعركة أيضاً الكثير من العلوم النفسية. يجب على العدو الشعور بأن ما تفعله له أكبر من قدرته على التحمّل ويجب التعبير عن ذلك بواسطة القوة".

ليفي: لدى هليفي مفهوم عسكري تقليدي، يعتمد على "كي الوعي" من خلال القوة

وعليه، رأى ليفي أن العملية العسكرية في جنين، عكست توجهات قائد هيئة أركان جيش الاحتلال وذلك "من خلال استخدام القوة، التي ستساهم في أن يعيش الجيل الفلسطيني الشاب مجدداً تأثير "الدرع الواقي". وليس من قبيل الصدفة أن العنصر النفسي سيطر على العملية من خلال ضربة الافتتاحية للهجوم الجوي الدقيق والموجّه من قبل طائرات بدون طيار".

واعتبر الكاتب أنه بالإضافة إلى أن الحملة العسكرية عكست توجهات جيش الاحتلال، فإنه أيضاً جنى ثماراً بحيث سمحت الحملة للجيش فرصة لإثبات قوته. ولم يكن عبثاً، برأي ليفي، أن أتاح جيش الاحتلال تغطية مكثّفة لنظام التحكّم بالعملية، والتي وُصفت بأنها واحدة من أكثر العمليات العسكرية في الضفة الغربية اعتماداً على التكنولوجيا، بالتعاون الوثيق بين جهاز الاستخبارات ومشغّلي القوة الجوية والجنود على الأرض، الذين تم تجهيز معظمهم بأجهزة لوحية (تابليت).

كما أشار إلى أن العملية العسكرية كانت أول تجربة حربية لوحدة الكوماندوس البرية، التي أقيمت عام 2015 ويعمل الجيش على تأكيد هيبتها ومكانتها كوحدة نخبة. ولفت إلى أن "تطوير تكنولوجيات عسكرية يشجّع على استخدامها"، مستشهداً بما قاله الباحث في العلاقات الدولية زئيف عوز، بأن "الجيش يتأثر بتقديس التكنولوجيا، ويدفعه لاستخدام تكنولوجيا متطوّرة ضد الفلسطينيين، بعيداً عن أي منطق سياسي". وقد منحت عملية جنين الأخيرة فرصة للجيش لأول تدريب عملي وتكتيكي مهم وواسع وعلني، في إطار التعاون بين أذرع الاستخبارات، والقوات الجوية والقوات على الأرض بطريقة غير متاحة في غزة، وبالتأكيد ليس في لبنان. وخلص إلى أن الموارد التي تتيح ذلك، تبرر زيادة ميزانية الأمن.

محاولة لاستعادة حرية الحركة

ويلتقي الباحث الكبير في معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي، عضو الكنيست السابق عوفر شيلح، مع الباحث ليفي في بعض النقاط. واعتبر شيلح في موقع "يديعوت أحرونوت" اليوم الخميس، أن العملية العسكرية في جنين حققت نجاحاً، من المنظور التكتيكي العملياتي، لكنه لفت إلى أن الأمور يجب ألا تلتبس على الجيش، وذلك أن "العدو الذي هرب من مخيم جنين للاجئين، لا يشبه أي قوة محاربة مستقبلية يمكن أن يواجهها الجيش الإسرائيلي في غزة أو لبنان".

وأضاف شيلح أن المشكلة التي دفعت باتجاه العملية العسكرية "لم تكن قوة وجودة عصابات الإرهاب (على حد تعبيره) وإنما الحرية المطلقة التي تمتعت بها (المقاومة)، والتي صعّبت جداً العمليات التي تنفذها قوات الأمن (الإسرائيلية ضد الفلسطينيين)".

ولفت شيلح إلى أن الهدف المحدود والتكتيكي للعدوان، تمثّل في استعادة حرية عمل الجيش وجهاز الشاباك. ولفت إلى أنه في الأشهر الأخيرة، أجبرت الوحدات، التي وصلت للقيام باعتقالات أو لإحباط عمليات، القيام بذلك في وضح النهار، أو بقوات كبيرة جداً، لأن المقاومين تمكّنوا من تشكيل دائرة أمنية، من خلال كاميرات ووسائل أخرى.

وأضاف أن للعمليات الكبيرة خلال النهار، ثمناً، ليس فقط باحتمال تعقّدها، وإنما أيضاً باحتمال تسبّبها بإصابات لدى الطرف الآخر، وهو الأمر الذي قد يشعل الوضع في أماكن أخرى في الضفة الغربية وحتى التورط في جبهات إضافية. ومما خلص إليه الكاتب، أن حكومة الاحتلال معنية بإضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية حركة حماس، لأنها غير معنية بحل للصراع.

من جهته، قال رئيس معهد ميسغاف لشؤون الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، مئير بن شبات، إن "العملية العسكرية في جنين حققت أهدافها ولكن ليس من المتوقع أن الواقع الأمني في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) سيتغير في أعقابها".

بن شبات: العملية العسكرية في جنين حققت أهدافها ولكن ليس من المتوقع أن الواقع الأمني في الضفة الغربية سيتغير في أعقابها

وتابع في مقال بموقع القناة 12، أن "العملية كانت ضرورية لوقف تعاظم قدرات التنظيمات الإرهابية الفلسطينية في جنين الذي شكل تهديدا على حرية عمل الجيش الإسرائيلي وأيضا مثالا يحتذى به بالنسبة "لإرهابيين" فلسطينيين بمناطق أخرى" في الضفة. وتابع: "كان يتوجب شن هذه العملية من أجل إحباط المحاولة لنسخ الأنماط الإرهابية التي تطورت في غزة، مثل إطلاق صواريخ على بلدات جبل جلبوع".

واعتبر أن "من يعلّق الآمال على السلطة الفلسطينية يتجاهل حقيقة تحملها اللوم عن الواقع الذي تبلور في شمال السامرة (الضفة)". وقال إن "إسرائيل من جانبها ستضطر للاستمرار في إحباط البنى التحتية الإرهابية بقواها الذاتية، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأنه سيتم تنفيذ عمليات إرهابية فلسطينية انتقامية أخرى، ستنطلق سواء من منطقة جنين أو من مناطق أخرى".