عدوان الاحتلال على مخيمات الضفة.. رسائل اقتراب الضم وعدم الرضا عن أداء السلطة في جنين

25 ديسمبر 2024
قوات الاحتلال أثناء اقتحامها مخيم الأمعري، 25 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية: شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية جديدة في الضفة الغربية، مستهدفة مخيمات طولكرم ونور شمس ومناطق أخرى، مما أدى إلى استشهاد تسعة فلسطينيين خلال يومين، مع تصاعد في استخدام القصف الجوي.

- أبعاد سياسية واستراتيجية: تعكس العمليات سياسة "جز العشب" للقضاء على المقاومة في شمال الضفة، مستغلة هدوء الجبهات الأخرى وتوقعات بعودة ترامب، مما يشجع على تسريع الضم والتوسع الاستيطاني.

- تأثير على السلطة الفلسطينية: تتزامن العمليات مع جهود السلطة لفرض الأمن في جنين، مما يضعها تحت ضغط لإثبات قدرتها على إدارة الأمن، وسط استمرار العمليات الإسرائيلية وتحديات سياسية محتملة.

منذ فجر الثلاثاء بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية جديدة وعنيفة طاولت بشكل خاص مخيمي طولكرم ونور شمس في طولكرم، شمال الضفة الغربية، وامتدت إلى مناطق أخرى كبلدة طمون في طوباس ومخيم العين وبلاطة في نابلس، شمال الضفة، والأمعري في البيرة، وسطها، لكن اللافت أيضا اقتحام مخيم بلاطة خلال الأسبوع الجاري عدة مرات خلال اليوم الواحد. وخلال العدوان، استشهد تسعة فلسطينيين في يومين، معظمهم جراء عمليات قصف من طائرات مسيرة أو طيران حربي، ثمانية منهم في مخيمي طولكرم ونور شمس، والتاسع من طمون في طوباس.

وتعيد العمليات العسكرية المتواصلة وبشكل خاص في طولكرم مشهد ما سماه الاحتلال في أغسطس /آب الماضي، عملية "مخيمات صيفية"، وكأنه تجديد لها، لكن هذه المرة بأبعاد مختلفة، وفقا لمختصين في الشأن السياسي ومتابعين للمشهد، بعد ما يمكن وصفه بـ"التفرغ" للضفة الغربية إثر الهدوء على الجبهة اللبنانية، والاستثمار في عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الشهر القادم، فضلا عن تزامنها مع عملية الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في مخيم جنين، بما يحمله ذلك من رسائل للسلطة الفلسطينية أيضا.

استمرار للعمليات العدوانية السابقة

يقول مدير نادي الأسير الفلسطيني في طولكرم إبراهيم النمر، وهو واحد من الشخصيات الناشطة في اللجان الشعبية في مخيم نور شمس، لـ"العربي الجديد"، إن الاقتحامات التي طاولت مخيمي طولكرم ونور شمس هي "استمرار للعمليات العدوانية السابقة، التي لم تتوقف منذ عامين ونصف، أي بعد ظهور المجموعات المقاومة فيهما، ولكن هذه المرة بشكل أكبر حدة، من حيث الدمار خلال فترة قصيرة، خاصة مع استخدام القصف الجوي من المسيرات والطيران الحربي في المخيمين لأربع مرات خلال يوم ونصف فقط".

وقد تزامن الاقتحام مع تخريب للممتلكات في المخيمين، وتدمير للبنية التحتية، والتي لم تكن الجهات المسؤولة قد استطاعت إعادتها إلى طبيعتها إثر عمليات الاقتحام والتدمير السابقة. بخصوص أسباب استمرار مثل هذه العمليات، يرى النمر أن "الاحتلال الإسرائيلي لا يريد فقط صد المقاومة وإنهاءها، بل كسر حاجز الإرادة لدى الناس في المخيمات وتهجيرهم منها، مقدمةً لإلغاء حق العودة، خصوصا مع تزامن هذه العمليات العدوانية مع قرارات إسرائيلية صادق عليها الكنيست بما يتعلق بوكالة الأونروا، وتنفذ عملية التهجير وفقا للنمر عبر إعدام كل مناحي الحياة في المخيمات عبر التدمير وتخريب المؤسسات والبنية التحتية لتصبح الحياة شبه معدومة بداخلها".

التفرغ لاستهداف الضفة

من جانبه، أكد المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جيش الاحتلال لم يعلن عن عمليته الأخيرة في شمال الضفة باعتبارها عملية عسكرية جديدة ومنفصلة كما حصل في أغسطس /آب الماضي، من إعلان عملية "مخيمات صيفية"، لكن العملية الحالية تشبه إلى حد ما العديد من الاقتحامات التي استمرت لأيام دون إطلاق مسميات خاصة عليها، ما يعطي الانطباع بأنها ضمن ما يسميه الاحتلال سياسة "جز العشب"، لكنها هذه المرة بشكل أكثر شراسة، بحكم أن جيش الاحتلال أصبح لديه المجال الأكبر في الضفة بعدما هدأت جبهات أخرى.

وأضاف البرغوثي: "هناك حالة نشوة إسرائيلية بعد هدوء الجبهة اللبنانية ومعها الجبهة الإيرانية، وهذا أزاح عبئاً كبيراً عن الاحتلال، وأدى إلى التفرغ للضفة الغربية التي يعتبرها أخطر جبهة، وحتى خلال الحروب كانت تعتبر الأخطر، لأنها تشكل أكبر مساحة، وأكبر عدد من الفلسطينيين في احتكاك دائم مع الاحتلال والمستوطنين وتحتاج إلى جهد كبير". وكما يرى البرغوثي، فإن العمليات الأخيرة التي تأتي في إطار محاولة القضاء على مجموعات المقاومة في شمال الضفة الغربية، جاءت متوافقة مع سياسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو بفرض البرنامج السياسي الخاص باليمين المتطرف الذي يمثله وزيرا المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن الداخلي إيتمار بن غفير، ومن ضمنه ضم الأراضي في الضفة الغربية، في ظل الفرحة بعودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية، وإمكانية العودة للضم وصفقة القرن، دون أي حل سياسي للقضية الفلسطينية.

الرأي نفسه ذهب إليه مدير البحوث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات- مسارات، خليل شاهين، بعدما أشار إلى أن "رهان حكومة الاحتلال على دخول ترامب للبيت الأبيض من أسباب التشجيع على تسارع العمليات في الضفة. وقال شاهين لـ"العربي الجديد"، إن "هذه العمليات تأتي على وقع توقعات أوساط الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بسماح ترامب بالحد الأدنى بضم أجزاء من الضفة، ما يعني أن العمليات التي تستهدف كتائب المقاومة في المخيمات تهدف لخلق بيئة مستقرة للنشاط الاستيطاني والتوسع وشبكة الطرق والمواصلات وشرعنة العديد من البؤر الاستيطانية، فبيئة مستقرة توقف عمليات إطلاق النار على الطرق والمستوطنين ومواقع الجيش، ستسرع التوسع الاستيطاني".

رسائل إلى السلطة الفلسطينية

وتطرق شاهين إلى جانب آخر، وهو تزامن العدوان الإسرائيلي في شمال الضفة، مع العملية الأمنية التي تقوم بها أجهزة الأمن الفلسطينية في مخيم جنين. ويبدو لشاهين أن التقديرات الإسرائيلية على الأقل كانت تتوقع استغراق عملية الأجهزة الأمنية وقتاً محدوداً من الزمن، ومن ثم انتقالها إلى مناطق أخرى، وبشكل خاص طولكرم وطوباس وربما أوسع من ذلك، في محاولة لإثبات السلطة الفلسطينية جدارتها في فرض الأمن وإنهاء حالة المقاومة، بالتالي التهيئة لأن تتعامل معها إدارة ترامب المقبلة باعتبارها طرفاً قادراً على إدارة شؤون قطاع غزة أيضاً، وفرض الأمن فيه.

وأضاف شاهين: "يبدو أن هذه العملية في جنين استغرقت وقتاً أطول مما كان يُعتقد، بل إن السلطة لا تستطيع وفقا لمعظم التقديرات أن تحسم إنهاء حالة المقاومة في جنين خلال أيام، في حين أن إسرائيل لا تزال تحاول إنهاء المقاومة منذ أربع سنوات ولم تتمكن رغم امتلاكها عتاداً وأسلحة وقوات أكبر وبشكل خاص المسيرات باعتبارها أحد أساليب اغتيال المقاومين". ويعتقد شاهين أن إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية ترسل رسالة واضحة للأجهزة الأمنية الفلسطينية بأنها غير راضية عن النتائج التي حققتها حتى الآن، وأيضا غير راضية بشكل أساسي عن الجهود التي تبذل من أجل وقف العملية الأمنية والتعامل مع المقاومة بمقاربة غير أمنية من خلال الحوار وحقن الدم وصون المقاومة، وحق الشعب الفلسطيني بممارسة كافة أشكال مقاومة الاحتلال.

حسابات السلطة الفلسطينية

يعني ذلك أن الاحتلال يتدخل عملياً وبشكل مباشر من خلال ما يقوم به في مخيمات طولكرم ونور شمس والعين وغيرها، وإظهار أن السلطة غير قادرة على القيام بالمهام الأمنية، وفق شاهين، الذي يرى أن توقيت عملية السلطة الفلسطينية الأمنية يتعلق بحساباتها في ما يتعلق بإدارة قطاع غزة، ومحاولة إثبات أنها جديرة بها، من خلال عملية أمنية في جنين قد تمتد لاحقا إلى مناطق أخرى في شمال الضفة، إضافة إلى جانب آخر هو الرهانات على إدارة ترامب.

فرغم أخذ السلطة مواقف صدامية إلى حد ما في الفترة الرئاسية السابقة لترامب، ورفض صفقة القرن وقطع العلاقات معه، فإنها هذه المرة لا تريد إعادة الكرة، بل تريد استمرار العلاقات بأمل أن يحسن ذلك مواقفه وسياساته في ولايته الثانية، وهو أمل مبني، حسب شاهين، على اتصالات أجرتها السلطة ولا تزال مع مقربين من ترامب، الذين نصحوا السلطة الفلسطينية بألا تتخذ مواقف صدامية، وأن تنتظر احتمال تعديل ترامب مواقفه، وهو ما يعني، وفقا لشاهين، محاولة للانحناء أمام العاصفة القادمة من ترامب، لكنه برأيه "رهان خائب".