عام مر على خطف "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، 38 عسكرياً وشرطياً لبنانياً، بعد دخول مقاتلي هذين التنظيمين إلى بلدة عرسال والسيطرة على مخفر الشرطة فيها، وعلى النقاط العسكرية التابعة للجيش اللبناني في الثالث من شهر أغسطس/آب من العام 2014.
منذ الساعات الأولى للمعارك في البلدة، جهدت قوى مختلفة وعلى رأسها هيئة العلماء المسلمين، للتدخل ووقف الاشتباك العسكري، لما فيه من خطر على ما يربو على 120 ألف مدني لبناني ولاجئ سوري يعيشون في البلدة ومخيماتها، كما قالت هيئة العلماء حينها. وبدا منذ اللحظة الأولى لوساطة الهيئة، أن هناك من لا يُريدها شريكة في عمليّة التفاوض، فأطلق النار على وفدها التفاوضي الأول وأًصيب رئيسها في ذلك الحين الشيخ سالم الرافعي في الخامس من أغسطس/آب. استمرت وساطة هيئة العلماء حتى 28 أغسطس/آب، ونجحت في إطلاق سراح ثمانية من العسكريين المخطوفين، جلّهم لدى "جبهة النصرة".
في المبدأ، كانت هذه الوساطة الوحيدة الجدية، أو التي أثمرت نتيجة جدية، وهي إطلاق سراح عدد من المخطوفين. بعد انسحاب هيئة العلماء المسلمين، تولّى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم التفاوض، ودخل الوزير وائل أبو فاعور (ممثلاً النائب وليد جنبلاط) إلى الملف أيضاً، ومن وسطائه نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي والشيخ ومحمد الحجيري (المعروف بأبو طاقية). كما نشطت وفود قطرية بالتنسيق مع إبراهيم خصوصاً بعد زيارة رئيس الحكومة اللبنانيّة تمام سلام إلى الدوحة في منتصف أغسطس/آب الماضي. وفي ذلك الحين رفضت تركيا الاستجابة لطلب سلام، لكن ما لبثت أن تحوّلت الأراضي التركيّة إلى مقر المفاوضين.
وروّج "حزب الله" إلى أنه سيُطلق سراح المخطوفين خلال عمليته العسكرية للسيطرة على جرود القلمون الغربي. لكن كلّ هذه الوساطات فشلت في تحقيق تقدّم جدي في الملف، عبر إطلاق مخطوف إضافي، لا بل جرى إعدام خمسة من المخطوفين هم: علي السيد، عباس مدلج، محمد حمية، علي علي، وعلي البزال.
اقرأ أيضاً: لبنان: أهالي العسكريين المخطوفين يُحيون ذكرى الخطف بمبادرة إنسانية
بعد عام من عمليّة الخطف، لا يبدو أن هناك أفقاً لأهالي المخطوفين، خصوصاً بعد زيارة أهالي المخطوفين الأخيرة إلى جرود عرسال ولقائهم أبناءهم وأمير "جبهة النصرة" في القلمون أبو مالك التلي، خصوصاً أن هذه الزيارة، تأتي بعد فشل الوساطة الأخيرة، التي كان أحمد الفليطي وسيطها، وتدخلت فيها دول إقليميّة، وقد نصّت هذه الوساطة على إطلاق سراح جميع المخطوفين لدى "جبهة النصرة" مقابل إطلاق سراح خمس نساء موقوفات لدى السلطات اللبنانيّة، ومنهن جمانة حميد وسجى الدليمي، على أن تدفع إحدى الدول مبلغ 30 مليون دولار للجبهة. وقد تمت عرقلة هذا الاتفاق داخل الحكومة اللبنانيّة، إذ لم يصدر عنها جواب واضح، كما تُشير مصادر معنيّة بالتفاوض، لكن لم يُعلن وفاة هذه الوساطة بعد.
وجاءت هذه المبادرة، بعد رفض مزدوج لمبادرة 16-16-16، أي إطلاق سراح 16 مخطوفاً لدى "النصرة" (جميع المخطوفين)، مقابل 16 موقوفاً لدى السلطات اللبنانية ودفع مبلغ 16 مليون دولار. جاء الرفض المزدوج لهذه المبادرة من الحكومة التي رفضت إطلاق سراح هذا العدد من الموقوفين، كما رفضت بعض الأسماء المدرجة؛ كما رُفض من قِبل بعض من أدرجت أسماؤهم على لائحة التبادل من موقوفي رومية، إذ اعتبر هؤلاء أن إطلاق سراحهم خلال هذه المبادرة يعني لجوءهم إلى جرود القلمون، بينما سيتم إطلاق سراحهم بشكلٍ طبيعي بعد فترة ليست ببعيدة نتيجة انتهاء محكوميتهم.
أمّا بالنسبة للمخطوفين التسعة لدى "داعش"، فلا يملك أحد جواباً واضحاً حول مصيرهم، كما أن الوساطات حول ملفهم مجمّدة حالياً، وهو ما دفع أهاليهم إلى التحرك اعتراضاً على تجاهلهم، وقد طالب الأهالي الحكومة اللبنانية بتأمين شريط فيديو يؤكّد أن أولادهم على قيد الحياة لكن هذا الشريط لم يؤمّن.
إذاً، هذا هو واقع الحالي للعسكريين المخطوفين، لكن تُسجل عدّة ملاحظات على أداء الحكومة اللبنانيّة في ملف التفاوض كما يذكرها أحد الوزراء المعنيين في هذا الملف:
1 ــ لم تملك الحكومة منذ اليوم الأول تصوراً داخلياً لما هو مقبول وما هو مرفوض فيما يخصّ التفاوض. فقد رفضت بعض مكوّنات الحكومة أي عمليّة تبادل انطلاقاً من رفضها لمبدأ التبادل مع "الإرهابيين"، حين كان التبادل لا يزال ممكناً بكلفة غير عالية، أي قبل ترتيب إقامة المخطوفين. ثم عادت وقبلت بمبدأ التفاوض لاحقاً.
2 ــ غياب المرجع القادر على اتخاذ القرار في ما يخص عمليّة التفاوض. فاللجنة الوزارية التي تم إنشاؤها لهذا الغرض، هي عبارة عن ائتلاف أحزاب، يحتاج كلّ وزير فيها لمراجعة فريقه السياسي.
3 ــ الصراع بين الأجهزة والشخصيات التي تولّت عمليّة التفاوض. فعدد المفاوضين اللبنانيين المرتفع، أدى إلى الصراع في ما بينهم، وإفشال عمل بعضهم البعض إن لدى أهالي المخطوفين أو لدى الخاطفين.
4 ــ كاد ملف الخطف أن يتحوّل إلى فتنة سنّية ــ شيعيّة، بعد قتل الخاطفين للمخطوف عباس مدلج، وما تلاه من أعمال عنف ذات بُعد مذهبي، لكن جميع القوى السياسيّة لم ترغب في توسيع دائرة العنف، وهو ما أدى إلى ضبطها، كما يقول الوزير.
5 ــ كانت هناك أطراف سياسيّة لبنانيّة لا ترغب بانتهاء الملف لإبقائه ورقة يجري استخدامها في الصراع في لبنان وعند الحدود اللبنانيّة-السورية.
اقرأ أيضاً: "النصرة" تتيح زيارة العسكريين اللبنانيين.. والأهالي يلتقون زعيمها التلي