قد لا يختلف إثنان على وصف عام 2021 بعام المقاومة الشعبية بجميع أشكالها الممتدة في كل فلسطين، التي فضحت مجمل جرائم الاحتلال الصهيوني بحق شعب وأرض فلسطين، كالعنصرية والترحيل القسري والتطهير العرقي. كما يمكن اعتباره عام التشبث بالوهم السلطوي أيضاً، فقد كشفت أحداث هذا العام عن عجز الحركتين؛ "فتح" و"حماس"، من ناحية، وعن أولوية السلطة لديهما، حتى لو كان الثمن إعاقة مسار التحرر الفلسطيني والمقاومة الشعبية، إذ فشلت كلتا السلطتين في أداء واجباتهما السياسية والاجتماعية، وبكل تأكيد الاقتصادية على الصعيد الخدمي، كما فشلتا في تنسيق وتطوير وتنظيم المقاومة الشعبية.
إذ بات من أولويات السلطتين انتزاع اعتراف خارجي بسيطرتهما على مناطقهما، وذلك عبر مظاهر التفاوض المباشر والمنفرد، وترفض حركة حماس أي شكل من أشكال تدخل "فتح" في حيزها السلطوي في غزة، وكذلك تعمل "فتح" في الضفة، كما تسعى كلتا الحركتين إما إلى نسج علاقات ديبلوماسية مباشرة مع الخارج، أو استمرارها في حالة فتح.
طبعاً لا يعني تشابه سلوك الحركتين بما يخص السلطة، غياب الفروقات الجوهرية بينهما، لا سيما بما يخص دورهما خارج إطار المنظومة السلطوية، وبالتحديد بما يخص المساهمة النضالية الوطنية. حيث تماهت "فتح" كلياً مع الدور السلطوي الوظيفي فباتت حزب السلطة لا أكثر ولا أقل (باستثناء الكوادر الوطنية المخلصة للحركة الوطنية ولتاريخ الحركة النضالي)، فتقلّص دورها الوطني حتى كاد يختفي، وانحسر دورها في الأطر المنسجمة مع دور ووظيفة السلطة الوظيفية، وغالبا عبر دوائرها ومؤسساتها خصوصاً في الضفة.
في المقابل، حافظت "حماس" حتى اللحظة على دورها النضالي بمعزل عن دورها السلطوي، وإن كانت مظاهر التداخل بينهما بينة على جميع الأصعدة، الأمر الذي مكنها من لعب دور نضالي واضح، وإن كان متقطعاً وشبه محصور في شكل نضالي وحيد وفي منطقة جغرافية محددة، لكنه دور محدد بضوابط صارمة تخضعه غالباً وربما دائماً في خدمة طموحها السلطوي.
فمن التدقيق في سلوك حماس الداخلي والخارجي في 2021، نجد إصرار حركة حماس على تفرّدها في إدارة شؤون قطاع غزة، رغم عجزها عن إدارته أصلاً، ورغم أسباب هذا العجز الخارجة عن إرادة الحركة، فالقطاع محتل كغيره من أراضي فلسطين، يتحكم الاحتلال الصهيوني بجميع مفاصله وتفاصيله الصغيرة والكبيرة، وبالتالي فمصطلح السلطة خادع ومضلل، وأقصى ما يمكن للحركة ولغيرها من القوى الاجتماعية والسياسية فعله ينحصر في تنظيم شؤون الناس اليومية، من ضبط الأمن الداخلي والسجلات المدنية وبعض النواحي الإدارية الخدمية التي تندرج غالبيتها في سياق عمل المجالس البلدية.
كما نجد كذلك هرولة حمساوية تجاه أي ملمح يوحي بقدرتها على انتزاع شرعية دولية وإقليمية، كما في زيارات الحركة المكوكية لأنظمة المنطقة الإقليمية، بغض النظر عن دورها وسلوكها الإقليمي، التطبيعي أو في الاعتداء على شعوب المنطقة، فهدف الحركة واضح وصريح يعطي الأولوية لفرض ذاتها كلاعب رئيسي في المنطقة، متوهمة بأنها تمهد الطريق بذلك لتصبح لاعباً رسمياً معترفاً به إقليمياً وربما دولياً(!) وهنا مكمن الخطر والتخوف الأكبر، فهذا سلوك غارق بالوهم بأحسن الأحوال، فكما نعلم من تجربة حركة فتح، ومن شروط الاحتلال الصهيوني، ومن الخطاب الدولي والإقليمي التي تسعى الحركة لكسب شرعيتها ضمنه، يتوقف الاعتراف بشرعية "حماس" على دورها كسلطة وظيفية في قطاع غزة، وبالتحديد دورها الوظيفي الأمني، تماماً كذات الدور الذي تلعبه نظيرتها في الضفة الآن، وبالتالي لا علاقة له بعدد اللقاءات الخارجية وتواترها.
لذا وانطلاقاً من تمسك كلتا الحركتين بالوهم السلطوي، ومن فهم طبيعة الدور السلطوي المطلوب منهما، واستناداً إلى ممارسات الاحتلال الصهيوني العنصرية، وطرده للفلسطينيين قسرياً، وتطهيرهم عرقياً حتى اللحظة، نجد أنّ وهم كلتا الحركتين السلطوي قائم على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حقه في التحرر والمقاومة. وعليه، يقع على عاتق كوادر الحركتين ضبط ميول قياداتهم السلطوية سريعاً، وإلا فعليهم الاختيار بين الانخراط والانتفاع من سلطتهم الوظيفية المحتملة أو مغادرة المركب السلطوي سريعا والتبرؤ منه بالحد الأدنى.