بعد عامين على اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، لا تزال الدعوات الدولية متواصلة لإجراء تحقيق دولي شفاف في القضية، بعدما بدا أن الأحكام النهائية التي أصدرتها محكمة سعودية قبل نحو شهر، واقتصرت على أحكام مخففة بسجن ثمانية مدانين، بعد محاكمة جرت بعيداً عن الإعلام ومن دون كشف أسماء المتهمين، لم تقنع الرأي العام الدولي، وذلك بموازاة استمرار المحاكمة بالقضية داخل الأراضي التركية.
وفي الذكرى الثانية لاغتيال خاشقجي، جدّدت منظمة العفو الدولية، أمس الخميس، مطالبتها بإجراء "تحقيق دولي شفاف ومستقل" في القضية. وقالت في تغريدة عبر حسابها على "تويتر": "غداً الذكرى الثانية لجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. وما زلنا نطالب بتحقيق دولي شفاف ومستقل".
وأرفقت المنظمة تغريدتها ببث صوتي، تضمن 3 حلقات، تضمنت مقاطع صوتية لخاشقجي قال في أحدها "أنا لا أقطع حبال الود مع دولتي ومع حكومتي". ثم مقطع آخر لخاشقجي قال فيه: "اخترت البقاء هنا في واشنطن، لكي أكون كاتباً حراً".
غدًا الذكرى الثانية لجريمة قتل الصحافي السعودي #جمال_خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. وما زلنا نطالب بتحقيقٍ دولي شفافٍ ومستقل.
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) October 1, 2020
استمعوا إلى بودكاست #السعودية_العظمى لمعرفة المزيد عن مقتله. من إعداد مدافعين عن #حقوق_الإنسان في #السعودية وتقديم @ghariba33 https://t.co/DgBK5hj5P3
في غضون ذلك، تواصل محكمة الجنايات في إسطنبول مسار محاكمة مسؤولين سعوديين غيابياً بتهمة قتل خاشقجي، بعدما قبلت في 11 إبريل/نيسان لائحة اتهام بحق عشرين متهماً لضلوعهم في الجريمة. وطالبت اللائحة بالحكم المؤبد بحق سعود القحطاني الذي كان مستشاراً في الديوان الملكي، وأحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق، بتهمة "التحريض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي". كما طالبت اللائحة بالحكم المؤبد بحق الأشخاص الـ18 الآخرين، بتهمة "القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي".
وتعقد المحكمة جلسة المحاكمة الثانية للمتهمين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وفي هذا السياق، نقلت قناة "الجزيرة"، أمس، عن مكتب مدعي عام الجمهورية في إسطنبول، أن المكتب أعدّ لائحة اتهام ثانية في القضية بحق ستة مواطنين سعوديين جدد مشتبه فيهم بالضلوع في جريمة القتل.
وتتهم لائحة الاتهام الثانية موظفين اثنين في القنصلية السعودية في إسطنبول، وهما مساعد القنصل سلطان يحيى عبد الباري والملحق في القنصلية ياسر خالد بن سلمان، بالتخطيط المسبق لجريمة خاشقجي والمشاركة فيها وتنفيذها بمشاعر وحشية مع التعذيب. أما الأربعة الآخرون الذين طاولتهم لائحة الاتهام فهم أربعة مواطنين سعوديين قدموا من السعودية إلى إسطنبول بتاريخ 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أي بعد نحو أسبوع من الجريمة، لطمس الأدلة.
ووصفت لائحة الاتهام السعوديين الستة بأنهم فارون من وجه العدالة. وكانت محكمة في الرياض قد أصدرت في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، أحكاماً نهائية بسجن ثمانية مدانين لفترات تتراوح بين سبع و20 سنة، بعد محاكمة جرت بعيداً عن الإعلام. وقالت النيابة العامة السعودية إن المحكمة الجزائية في الرياض أصدرت أحكاماً بحق ثمانية أشخاص مدانين، واكتسبت الصفة القطعية، موضحة أن هذه الأحكام وفقاً لمنطوقها بعد إنهاء الحق الخاص بالتنازل الشرعي لذوي القتيل.
وقضت الأحكام بالسجن 20 عاماً على خمسة من المدانين حيال كل فرد منهم، وثلاثة من المدانين بأحكام تقضي بالسجن عشر سنوات لكل واحد منهم وسبع سنوات لاثنين منهم. وأضاف المتحدث أن هذه الأحكام أصبحت نهائيةً واجبة النفاذ.
وجاء هذا القرار بعدما كانت محكمة سعودية قد أصدرت في ديسمبر/كانون الأول 2019، حكماً أولياً بإعدام 5 أشخاص (لم تسمهم) من بين 11 متهماً، كما عاقبت 3 مدانين منهم بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاماً، وتبرئة 3 آخرين لعدم ثبوت إدانتهم. تبع ذلك إعلان أبناء خاشقجي في مايو/أيار الماضي "العفو" عن قتلة والدهم، ما مهّد الطريق لتخفيف الأحكام القضائية السعودية الصادرة بحق المدانين.
وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامار، قد وصفت الأحكام الصادرة عن محكمة الرياض في 7 سبتمبر/أيلول الماضي بأنها تأتي في إطار "محاكاة ساخرة للعدالة"، و"لا تحمل أي شرعية قانونية أو أخلاقية، وجاءت في نهاية عملية لم تكن عادلة أو شفافة". وأشارت إلى أن "المسؤولين رفيعي المستوى الذين نظّموا عملية إعدام خاشقجي أفلتوا من البداية وبالكاد تأثروا بالتحقيق والمحاكمة". ورحبت في المقابل بتخفيف عقوبة الإعدام، معتبرة أنه "لو نُفِّذت مثل هذه الأحكام، كانت قد ترقى إلى مرتبة القتل التعسفي وإسكات الشهود الرئيسيين على الإعدام بشكل دائم".
كما قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، في مؤتمر صحافي في جنيف حينها، إن المحاكمة التي جرت في السعودية كانت بعيدة عن الشفافية والأحكام الصادرة لا تتناسب مع حجم الجريمة.
وفي السياق، اعتبرت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، أن أحكام السعودية "أفلتت المسؤولين الفعليين عن الجريمة"، واصفة إياها بأنها "استهزاء بالعدالة".