عائلة صالح العاروري تستقبل المعزين باستشهاده: نال ما تمنّاه

03 يناير 2024
عائلة صالح العاروري تستقبل المعزين باستشهاده (العربي الجديد)
+ الخط -

تجلس الحاجة عائشة العاروري، والدة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، في غرفة متواضعة في منزلها في قرية عارورة شمال غربي رام الله وسط الضفة الغربية، تستقبل عدداً من المعزين باستشهاد ابنها، فهي لا تستطيع السير على قدميها لتشارك في بيت العزاء الذي يقام له في إحدى قاعات القرية.

رغم أنها في حديثها مع "العربي الجديد"، كانت كأي أم، تتحدث عن سنوات من قلقها عليه بعد تهديدات الاحتلال باغتياله، إذ توقف عن الاتصال بها وبالعائلة، وتقول: "بقي يا ولدي مشتتاً هنا وهناك"، إلا أن استقبالها لنبأ استشهاده واغتياله كان مغايراً.

تقول الحاجة عائشة إنها حين علمت بنبأ اغتيال ابنها صالح العاروري، وعند قدوم النساء لمواساتها وهنّ يبكين، طلبت منهنّ التوقف عن البكاء، فهو كما قالت طلب الشهادة، وطلبت منهنّ توزيع الحلوى بدلاً من ذلك، وهو ما تم بالفعل، وأتبعت هذا القول بالحديث عنه كرجل محبوب، "يحبه الله، ويحبه الناس".

وتشير إلى أنها رأت ابنها آخر مرة منذ زمن بعيد، قبل أكثر من عشرين عاماً، وإن كانت الحقيقة أنها استقبلته أسيراً محرراً عام 2007؛ أي قبل 16 عاماً، إلا أن ذكرها للرقم عشرين، كما تقول ابنتها أم قتيبة لـ"العربي الجديد" يعود إلى الظروف التي مرّ بها، فهي بحسب ابنتها لم تعش معه سوى 3 أشهر بعد الإفراج عنه، وهي كانت أشهراً مليئة بالزائرين والمهنئين، وتزوج كذلك خلالها، قبل أن يعيد الاحتلال اعتقاله.

"كان اغتياله متوقعاً"، تقول أم قتيبة لـ"العربي الجديد"، وهو شيء عظيم بالنسبة للعائلة، فهذا ما كان يتمناه هو ويدعو الله في صلاته ليناله، وتتابع: "حين يتمنى الإنسان شيئاً ويحصل عليه لا نحزن، بل إن ذلك يعزينا".

وفي تكرار لبعض من كلمات صالح العاروري، تقول شقيقته: "الحمد لله رب العالمين، دماؤه ليست أغلى من دماء أهل غزة وأطفالها، وكلهم على هذا الطريق".

وحول توقع اغتياله، تروي أم قتيبة تهديداً وجهه إليها مباشرة أحد ضباط مخابرات الاحتلال العام الماضي، وهي في طريق عودتها من مناسك الحج، حيث التقت بشقيقها هناك لأول مرة منذ إبعاده، فاحتجزتها مخابرات الاحتلال وهي في طريق العودة، وحققت معها، وسألها الضابط عن شقيقها لتجيبه أنه بخير، وليشير إليها بإصبعين تاركاً بينهما فراغاً لا يتجاوز سنتمتراً واحداً، ويقول إن "هذا القدر فقط ما تبقى له، وسيأتيه الصاروخ إلى بابه"، لترد عليه بأن شقيقها يتمنى الشهادة، وهو أكثر حاجة إليها من حاجة الاحتلال لاغتياله.

فلسطين قضيته منذ الطفولة

"منذ كنا في المدرسة كان لا يفارق الراديو ليستمع إلى الأخبار"، تقول أم قتيبة، مؤكدة أنه كان يهتم بقراءة الكتب ليتثقف، أكثر مما كان يهتم بكتب المدرسة، وتشير إلى مكتبة كبيرة امتلكها صالح العاروري منذ الصغر، حيث اهتم بالقراءة عن فلسطين وعن الإخوان المسلمين، ووضع فلسطين في عقله، حسب تعبيرها، حتى إنه قال لخطيبته قبل إتمام الخطبة إن طريقه واضحة، وخيّرها بين الاستمرار معه أو تركه، فاختارت أن تكون معه.

وتضيف: "هو اتخذ قراره، وأمي كانت تقول له إنه حين يتزوج سيعقل وسيهدأ، لكنه رد عليها بالقول إن "حكومة إسرائيل لم تستطع تربيته، فهل سيربيه الزواج؟".

لم يعش صالح العاروري كثيراً مع عائلته، فهو بقي في كنفها حتى أنهى الثانوية العامة، ثم انتقل للدراسة في جامعة الخليل، وأصبح يغيب عن العائلة ما بين أسبوع إلى ثلاثة أشهر، ويأتي فقط للزيارة، وبعد عام 1990، أصبح يتردد إلى سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث اعتُقل أول مرة لمدة ستة أشهر، ثم اعتقل عام 1992 وحُكم بالسجن 15 عاماً، ليخرج فقط لثلاثة أشهر ويُعاد اعتقاله، ويبعده الاحتلال عن فلسطين عام 2010.

كانت العائلة تحاول كلّما استطاعت التواصل مع صالح العاروري عبر الهاتف إن أمكن الأمر، وكان الاتصال الأخير في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين وصلت إلى العائلة شائعات تتعلق بعملية "طوفان الأقصى" قبل الإعلان عنها رسمياً.

خشيت شقيقته على حياته، قبل أن تتواصل معه ويردّ عليها ويطمئن بالقول إنه بخير، قبل أن يتوقف الاتصال منذ ذلك الحين، إلى أن حاولت الاتصال به لحظة وصول معلومات عن انفجار في بيروت مساء الثلاثاء، دون أن تتلقى رداً، قبل أن يتم لاحقاً الإعلان عن استشهاده.

ومنذ استشهاده تحتفي عارورة بابنها الشيخ صالح، كما يناديه أهلها، بالخروج بمسيرات حاشدة تجوب شوارع القرية، وتهتف باسمه، وكذلك تدعو للسير على طريقه، خصوصاً أنه يُعتبر من مؤسسي "كتائب القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس" في الضفة الغربية، وأحد مهندسي عملية "طوفان الأقصى"، كما أعلنت حركة حماس.

ومما يهتف أهالي عارورة به في مسيراتهم: "يا ضفة ثوري ثوري هي استشهد العاروري، ثوري يا أمة ثوري هيك وصّى العاروري، الطوفان هيو اجتاح، قولوا لكلاب الشاباك الشيخ سيطر عالغلاف، يرحم روح الأسطورة".