عائلات المعتقلين السياسيين في تونس تروي تفاصيل زيارة ذويهم في عيد الأضحى: معاناة مضاعفة

16 يونيو 2024
وقفة في تونس للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين 25 فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في تونس، تعيش عائلات المعتقلين السياسيين أجواء مختلفة خلال عيد الأضحى، حيث يحضرون "القفة" المليئة بالمأكولات لزيارة ذويهم في السجون، في ظل غياب المحاكمات العادلة واتهامات مثل "التآمر على أمن الدولة".
- رحمة العبيدي، زوجة رئيس حركة النهضة بالنيابة، تعبر عن الصعوبات والألم الناتج عن الفراق وتأثير الوضع على نفسية الأطفال والحياة الأسرية، مؤكدة على الحزن الذي يخيم على العيد.
- الناشطون والقياديون السياسيون وعائلاتهم يشاركون تجاربهم من الزيارات الصعبة والظروف القاسية داخل السجون، معبرين عن معاناتهم وكيف يحاولون الحفاظ على بعض التقاليد العيدية رغم الفراق، مسلطين الضوء على تأثير الاضطرابات السياسية على الحياة الاجتماعية والأسرية.

في الوقت الذي تحتفل فيه الأسر التونسية بقضاء عيد الأضحى، تنكب عائلات المعتقلين السياسيين على التحضير لزيارة ذويهم، وإعداد "القفة" التي يوضع فيها بعض المأكولات؛ التي قد يرغب فيها السجناء، إثر حرمانهم منها داخل أسوار السجن. وهذا هو العيد الثاني لمعظم المعتقلين السياسيين بعيداً عن أسرهم، حيث يقبعون في السجن منذ فبراير/ شباط 2023، من دون محاكمات إلى غاية اليوم، ودون توجيه تهم واضحة للكثير منهم، وكذلك دون التحقيق معهم إلى الآن. وتحتل تهمة "التآمر على أمن الدولة" صدارة القضايا والملاحقات التي طاولت رموز المعارضة والنشطاء السياسيين في تونس، ليبلغ عدد المعتقلين والمطلوبين العشرات، بعد أن تحولت إلى سلاح يتربص بالمعارضين.

وتقول رحمة العبيدي، زوجة رئيس حركة النهضة بالنيابة منذر الونيسي، بينما تقوم بإعداد أكلات يحبذها زوجها، إنها تحرص على تجهيز القفة قبل يومين من العيد، فهي مجبرة على ذلك، لأن توقيت يوم المعايدة قصير جداً ولا يكفي لإعداد أي طعام أو أكلة، وهي تضطر إلى الانتظار عدة ساعات لرؤية زوجها السجين، فالاكتظاظ كبير والمعاناة مضاعفة.

يوم العيد تحمل رحمة طفليها، ابنتها وابنها، 10 و11 سنة معها لرؤية أبيهما، مبينة لـ"العربي الجديد"، أنهما "يعودان إلى البيت منهكين، فالمعاناة تنتقل إلى الأطفال أيضاً، شعور الحزن وفقدان الأب لا يمكن إخفاؤه"، مشيرة إلى أن طفلتها تبكي في غرفتها أحياناً لعدة ساعات.

وتبين المتحدثة أنّ زوجها تعوّد شراء أضحية العيد في عيد الأضحى برفقة طفله وطفلته، والتقاط صور تذكارية لهما، مشيرة إلى أن زوجها السجين قد يكون السياسي الوحيد الذي لا يزال طفلاه صغيرين مقارنة بالآخرين، وقد حرص على أن تقتني عائلته الخروف لذبحه يوم العيد.

وعن عيد الأضحى هذا العام، قالت العبيدي إنه لا أجواء خاصة لديهم في مثل هذه المناسبة الدينية التي يفتقد زوجها أطفاله فيها، مضيفة: "صحيح أنه أول عيد أضحى لزوجي يقضيه وهو بعيد عنهم، ولكنهم قضوا تجربة سيئة في عيد الفطر بحكم ذهابهم باكراً إلى السجن، ومضى أغلب الوقت في الانتظار".  

وتلفت زوجة الونيسي إلى أنها تتألم عند رؤية الناس وهم يعدّون تحضيرات العيد، مضيفة أنها لم تتمكّن من العودة إلى منطقتها بين الأهل ككل عام، فهي تشعر بالحزن، لأن لديها أمانة وواجباً وهو زيارة زوجها وعدم تركه وحيداً يوم العيد، مشيرة إلى أنهم مسجونون أيضاً في بيوتهم.

وبحسب العبيدي، فإنّ "معنويات زوجي متردية للغاية، وكذلك صحته في تدهور مستمر ويتطلب وضعه الصحي تحاليل خاصة"، متابعة أنّ نفسية ابنها تدهورت للغاية بعد سجن والده.

وحول التهم الموجهة إلى زوجها، ردت أنه "يواجه تهمتين؛ التستر على جرائم إرهابية، والتخابر مع جهات أجنبية للإضرار بتونس دبلوماسياً، كما أُثيرت أخيراً تهمة القتل العمد لرئيس بلدية سابق وهو الجيلاني الدبوسي، رغم أنه لم يكن طبيبه الخاص، وتوفي بعد سنة ونصف في بيته، أي لا علاقة لزوجي بالرجل"، حسبما تقول. وأوضحت أنّ المعتقلين السياسيين، "وخلافاً لما يشاع، هم وطنيون، وقد اختار زوجي العيش في تونس ورفض مغادرة بلده رغم العروض المغرية بحكم عمله طبيباً".

فرحة غائبة في عيد الأضحى

أما القيادي في جبهة الخلاص الوطني والناشط السياسي، عز الدين الحزقي، فيقول إنّ "الوضع العام ككل يؤثر بمزاج الناس، إذ نلمس أنّ هناك حاجة ملحّة إلى الفرحة، ولكنها غائبة، وهذه الحاجة تبرز أكثر لدى عائلات المعتقلين السياسيين". وأضاف الحزقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "ظروف السجن والزيارة بائسة، وابني المعتقل جوهر في وضع صحي سيئ خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، فالحرارة في الزنزانة مرتفعة".

ويؤكد المتحدث أنّ "جوهر لديه ابنان، حرما من رؤية والدهما، ولا يمكنهما زيارته في العيد ولا حتى الأيام العادية، لأنّ الظروف هناك متردية وللأسف جرى توارثها منذ عهد الاستعمار الفرنسي"، موضحاً أنه يأمل أن يزور الأطفال أولياءهم ضمن إجراءات خاصة تحفظ كرامتهم، ويتمكنون من معانقتهم مباشرة، ولم لا في مكاتب خاصة داخل السجون وليس خلف الحواجز البلورية.

ويؤكد الحزقي أنهم حرموا من إيصال أبسط الأكلات لابنه، كالبازين وهو نوع من "العصيدة" يعدّ أساساً من الدقيق، وتعرف به جهة صفاقس، مبيناً أنه اكتفى بشراء كيلوغرام واحد من اللحم لإعداد القلاية "فهذا كل ما تمكّنا من إيصاله لابني السجين بمناسبة العيد". ويشير إلى أنّ "ابني جوهر يعاني في زنزانته ولا عيد لنا، لن نشتري الأضحية كحال العديد من التونسيين، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار والأجواء العامة ككل". ويلفت الحزقي إلى أنه "اخترت عدم زيارة ابني في عيد الأضحى فقد طلب منه ابني ذلك، لأن المعاناة كبيرة وساعات الانتظار مضنية"، مضيفاً أنّ النظام أراد ذلك.

عيد الأضحى هذا العام: الحزن يخيم

وفي السياق، تصف زينب المرايحي، زوجة القيادي في حركة النهضة، الصحبي عتيق، أجواء عيد الأضحى هذا العام وظروف اعتقال زوجها. وتقول المرايحي لـ"العربي الجديد" إنه "لا عيد بالنسبة لعائلات المعتقلين السياسيين، فالحزن يخيّم على أغلب البيوت، وهناك شعور بالقهر وإحساس بالظلم، ولكن ما باليد حيلة"، مشددة على أنه إحساس سيئ للغاية.

وتؤكد المرايحي أنه "العيد الثاني لزوجي خلف القضبان، ففي العيد الماضي لم أحمل له القفة بسبب إضرابه عن الطعام، ولكن هذا العام سأجهز القفة من جميع الأطباق الخاصة بالعيد، من مشاوي وأكلات و"عصبان" المعد خصيصاً باللحوم وكبد الخروف".

وتأسف أنه "بدل قضاء مثل هذه المناسبة بين الأهل، نقضيها في الزيارات إلى السجن"، مضيفة أنّ العيد في السجن مختلف جداً عن البيوت، إذ يتحوّل إلى معاناة، مؤكدة أن لا أحد بإمكانه الإحساس بمدى مرارة هذا الشعور.

من جانبها، تفضل منية براهم، زوجة الناشط السياسي، عبد الحميد الجلاصي، عدم تكرار تجربة العام الماضي، حيث قضت العيد وحيدة في البيت، وأغلقت هاتفها، ولم تقبل أي زيارة أو معايدة، وقالت: "هذا العام فضلت زيارة ابنتي التي تدرس في تركيا ولم أرها منذ سنتين". وتضيف أنها لم تخبر زوجها السجين بسفرها، لأنها لم تكن متأكدة من السماح لها بالسفر، ولكنه وبمجرد أن أبلغها المحامي بذلك سعد زوجها للغاية.