ضغوط لاستحداث محافظات عراقية جديدة: مكاسب انتخابية ومالية

06 ابريل 2023
مواطنة تتحضر للتصويت بالانتخابات النيابية، حلبجة، 2021 (فارق فرج محمود/الأناضول)
+ الخط -

بعد موافقة مجلس الوزراء العراقي، منتصف مارس/آذار الماضي، على تحويل مدينة حلبجة ضمن إقليم كردستان، شمالي البلاد، من قضاء إداري إلى محافظة، لتكون المحافظة الـ19 في العراق، خرجت طلبات جديدة من قبل أطراف سياسية عدة في البلاد، باستحداث محافظات جديدة في مناطق أخرى. وفسّر مراقبون هذه المطالب بأنها تحمل دوافع عديدة، من بينها انتخابية، بعد إقرار قانون الانتخابات الجديد الشهر الماضي، والذي جعل المحافظة الواحدة دائرة انتخابية مستقلة.

وإضافة إلى الدافع الانتخابي، فإن من بين دوافع المطالبة باستحداث محافظات جديدة، تحقيق مكاسب حزبية وسياسية لتعزيز نفوذ بعض القوى السياسية في تلك المناطق، خصوصاً أن تحويل أي قضاء إداري إلى محافظة، يعني استحداث مئات الوظائف والمناصب الإدارية، التي تبدأ من المحافظ ونائبيه ومجلس المحافظة مروراً باستحداث قائممقاميات، ومديريات نَواح، ودوائر خدمية مختلفة يوجب الدستور توفرها في المحافظة، إضافة إلى تخصيص موازنة مالية سنوية لها.

"محافظات مستحدثة" في أدراج البرلمان

وسبق لمجلس الوزراء العراقي أن وافق في يناير/كانون الثاني 2014 على مشروع قانون تحويل قضاء تلعفر بمحافظة نينوى، ذات الأغلبية التركمانية، إلى محافظة، وإحالته إلى مجلس النواب العراقي حينها. كما وافق على تحويل قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار، وقضاء الطوز في صلاح الدين، وسهل نينوى في محافظة نينوى إلى محافظات، بعد استكمال بعض المتطلبات الإدارية، إلا أن الأحداث الأمنية واحتلال تنظيم "داعش" لمناطق واسعة من البلاد، حالا دون المضي بهذا المشروع، خصوصاً في ما يتعلق بتصويت البرلمان على تلك القرارات.

كما كشفت وزارة التخطيط العراقية في يوليو/تموز 2019 عن شروعها في درس إمكان استحداث محافظتين جديدتين في العراق، مبينة أن المحافظتين الجديدتين المقترح استحداثهما هما: محافظة الشامية، وهي قضاء تابع لمحافظة الديوانية، ومحافظة الصويرة، وهي قضاء تابع لمحافظة واسط.

تحويل أي قضاء إداري إلى محافظة يتطلب تخصيص ميزانية مالية للمحافظة الجديدة

وتضغط الأحزاب الكبيرة في العراق، وعدد من الفصائل المسلحة، منذ أيام، لتحويل عدد من الأقضية إلى محافظات، بعد خطوة الحكومة بتحويل مدينة حلبجة الى محافظة.

وتتصدر المطالبات بتحويلها إلى محافظات، مناطق تلعفر وسهل نينوى في محافظة نينوى شمالي البلاد، والفلوجة في الأنبار، وفي ذي قار مدينة الشطرة، وفي البصرة مدينة الفاو على الخليج العربي في البصرة، وفي صلاح الدين مدينة الطوز.

وأنهى البرلمان العراقي، في جلسة عُقدت يوم الأحد الماضي، القراءة الأولى لمشروع قانون استحداث محافظة حلبجة (حلبجة تتبع حالياً إدارة محافظة السليمانية في إقليم كردستان). وخلال الجلسة، أكدت النائبة حنان الفتلاوي، عن تحالف "الإطار التنسيقي"، أنه "إذا كان توجه الدولة تفتيت المحافظات، فأنا مع أن تصبح حلبچة محافظة لأنها مدينة ظُلمت من النظام السابق، لكن بشرط أن تكون كل من تلعفر وسوق الشيوخ والفلوجة والكوفة وطويريج وسنجار وسهل نينوى وغيرها، محافظات، إلى أن نصل إلى 50 محافظة"، وفقاً لقولها.

من جهتها، طالبت كتلة "بدر" عبر بيان لرئيس الكتلة في البرلمان، مهدي تقي، بإدراج قانون لتحويل ثلاثة أقضية في العراق إلى محافظات، أسوة بقرار تحويل حلبجة إلى محافظة. وقال تقي في بيان رسمي صدر عن الكتلة البرلمانية المنضوية ضمن تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم، إن "الكثير من الأقضية تستحق أن تكون محافظات لتعدادها السكاني ومواردها وخصوصيتها التي تمكنها من أن تكون محافظات لا أقضية، ومنها قضاء الطوز في صلاح الدين وقضاء تلعفر في محافظة نينوى وقضاء الفاو في محافظة البصرة وغيرها من الأقضية".

وأضاف تقي: "إننا في مجلس النواب، نطالب بإدراج الأقضية المذكورة ضمن مشروع القانون (التحول إلى محافظات)، وأتمنى من رئاسة المجلس التأني في التصويت على قضاء حلبجة وتحويله إلى محافظة إلى حين إدراج الأقضية المذكورة وغيرها لنكون قد حققنا العدالة المجتمعية".  

بين تسهيلات الدستور والمخاوف المشروعة

السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية، وعضو البرلمان، يونادم كنا، أشار من جهته، إلى أن "المطالبات بتحويل الأقضية الكبيرة والنوعية في العراق إلى محافظات، أمر طبيعي وقانوني، ولا يخرج عن روح الدستور العراقي، لكن الظروف الأمنية والسياسية حالت دون إعلان تشكيل المحافظات الجديدة، كما أن بعض الخلافات الحزبية وتحديداً بشأن المحافظات المتنازع عليها كانت سبباً أيضاً".

واعتبر كنا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سهل نينوى يستحق أن يكون محافظة منفصلة بالنظر إلى حاجته الماسة إلى ذلك وتفرده، وهذا لا يعني أن هذا المطلب يحمل مكاسب سياسية أو اقتصادية، بل هو ضرورة نظراً لتغير الأوضاع في تلك المناطق، إضافة إلى الحاجة إلى مزيدٍ من الأموال لإعمارها عبر قرارات محلية من أهلها وليس انتظار جدولة القرارات الخاصة من قبل الحكومات المحلية".

من جهته، بيّن وزير شؤون المحافظات السابق، وائل عبد اللطيف، أن "القانون والدستور العراقيان يسمحان بتقرير المصير من قبل الحكومة المحلية في الأقضية وخيارات الأهالي في ذلك، وذلك وفقاً لقانون المحافظات لسنة 2008، الذي يسمح باستحداث المحافظة بتأييد رؤساء الوحدات الإدارية (الأقضية والنواحي) المراد انضمامها إلى المحافظة المقترحة، وتأييد ممثلي المحافظتين من أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة، وتأييد عام من وجهاء وشيوخ العشائر في المدن والقرى التي ستنضم إلى المحافظة". لكن عبد اللطيف لفت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى "وجود عقبات مالية تقف بوجه تحويل بعض الأقضية إلى محافظات، إضافة إلى احتمال وقوع بعض الخلافات السياسية على المناصب في المحافظات الجديدة".

أحمد النعيمي: الدستور لم يعالج فكرة تحول مدينة ذات أكثرية مذهبية أو عرقية داخل محافظة إلى محافظة جديدة

رغم ذلك، أشار الوزير السابق إلى أن "تحويل الأقضية إلى محافظات سيسهم بتمثيل هذه المحافظات تمثيلاً نيابياً وسياسياً جيداً"، معتبراً هذا التوجه "ضرورياً، خصوصاً مع الأقضية التي تجاوز عدد سكّانها مليون نسمة وأكثر، ومنها قضاء الزبير في البصرة، حيث إن القياسات العالمية تفيد بأن كل مدينة تحتوي على 750 ألف نسمة يمكنها أن تكون مستقلة، لأنها بحاجة إلى عقلية خاصة لحكم المدينة، ومنها تلبية الحاجات والخدمات".

لكن عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، أحمد الهركي، رأى أن "المطالبات السياسية الجديدة، ومنها من قبل كتلة "بدر"، بشأن استحداث محافظات جديدة، توقيتها غير مناسب"، متوقعاً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذه المطالبات ربما تندرج في سبيل مقايضة السلطات والنواب الأكراد في البرلمان العراقي، بتحويل الأقضية العراقية إلى محافظات مقابل تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة".

بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي، أن "جانباً من مطالب تحويل بعض الأقضية إلى محافظات يحمل دوافع سياسية واضحة بعد إقرار قانون الانتخابات الذي جعل كل محافظة دائرة انتخابية، بمعنى أن أصوات مدن مثل تلعفر أو الطوز أو الشامية، لم تعد ضائعة أمام شقيقاتها من المدن الأخرى بنفس المحافظة، بسبب قلة أصوات واختيارات السكان في كل انتخابات". ورأى أن "هذا ما يدفع أحزاباً ونواباً إلى محاولة فصل هذه المدن للحصول على مقاعد برلمانية وأصوات مضمونة، لا تتلاشى ضمن معادلة سانت ليغو المعتمدة في الانتخابات المقبلة وفقاً للقانون الجديد". وتعتمد معادلة "سانت ليغو" بالعراق على تقسيم أصوات القوائم الانتخابية في الدائرة الانتخابية الواحدة على قاسم الانتخابي (1.7) ثم يتم اختيار الأرقام الأكبر الناتجة من حاصل القسمة لجميع القوائم لتكون بذلك المقاعد البرلمانية للكتل.

وتابع النعيمي، أن هناك سبباً آخر وراء المطالبة باستحداث محافظات جديدة، وهو أن معظم أحزاب الأقليات ترى أن في ذلك غبناً لحقوقها الانتخابية واستحقاقاتها في المناصب، وتوجهت إلى ذلك للحصول على مناطق جغرافية سياسية، وهناك مطالبات أخرى تندرج ضمن العزل الطائفي والانزواء وراء التجمعات المذهبية، وفي ذلك مكاسب سياسية أيضاً لبعض الأحزاب، لا سيما قوى "الإطار التنسيقي"، وممثلي الأقليات.

واعتبر الباحث السياسي أن الدستور العراقي كان واضحاً في ما يتعلق باستحداث الأقاليم بإشارته إلى منع استحداث إقليم بناءً على أسس طائفية داخل العراق، لكنه لم يعالج فكرة تحول مدينة ذات أكثرية مذهبية أو عرقية داخل محافظة إلى محافظة جديدة.

وحذّر النعيمي من أن هذا التوجه "سيؤدي إلى مزيد من العزل المجتمعي بدوافع طائفية، خصوصاً إذا ما كانت خطوة التحول إلى محافظة، لا تضمن حصول أي تطور بالخدمات وحياة السكّان، إذ رأينا تحول نواح إدارية إلى أقضية، لكن تلك الأقضية ما زالت تعتمد على الأقضية السابقة التي انسلخت منها في كل شيء".