عاد الحديث مجدداً عن المجازر التي ارتكبها نظام بشار الأسد بالسلاح الكيميائي المحرّم دولياً، ولكن هذه المرة من بوابة منظمات المجتمع المدني السورية، والناجين والشهود على تلك المجازر، والتي قتل خلالها النظام أكثر من 1500 مدني، وأصاب أكثر من 12 ألفاً آخرين.
اليوم، تطرح منظمات فكرة إنشاء محكمة دولية خاصة بالجرائم المرتكبة باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، بعدما مُنعت المحكمة الجنائية الدولية من التصرف إزاء مجازر السلاح الكيميائي، الأمر الذي خلق فجوة سمحت بالإفلات من العقاب ومنع المساءلة على المستوى الدولي لهذه الجرائم. بالتالي، فإن فكرة إنشاء هذه المحكمة باتت حلاً لإنصاف الضحايا، والبت في آلاف الأدلة التي جرى جمعها، ومحاسبة الجناة، مرتكبي تلك المجازر، الذين لا يزالون بلا محاسبة حتى اللحظة.
لكن على الرغم من تأكيد القائمين على هذه المبادرة أنهم درسوها مع خبراء في القانون الدولي على مدار سنتين، وأن مبادرتهم لاقت ترحيباً دولياً واسعاً، وأنهم ناقشوا فكرة إنشاء هذه المحكمة مع دبلوماسيين من 44 دولة من مختلف القارات، أغلبهم أبدى اهتماماً بالفكرة وبالحاجة لإنشاء مثل هذه المحكمة، إلا أن فكرة إنشائها لا تزال في إطار المبادرة. وهو ما يتطلب وقتاً قد يطول لتتحول إلى واقع عملي يمكن الحديث عن مخرجاته ونتائجه في إنصاف الضحايا.
كما أن اهتمام الدول بهذه المبادرة والقبول بنقاشها لا يعني الموافقة النهائية عليها وتبني تطبيقها. كذلك فإن الحصول على إجماع دولي على صيغة معينة لتلك المبادرة قد يستغرق سنوات، في حال ظلت أغلب الدول على الاهتمام ذاته الذي أبدته إزاء هذه المبادرة.
طبعاً هذا عدا عن أن المجتمع الدولي يمتلك أدوات ردع أقوى من فكرة هذه المحكمة، لعل أبرزها التدخل العسكري بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لردع مرتكبي مثل هذه المجازر. ولكنه لم يستخدم أياً من الأدوات التي يمتلكها، وبالتالي ليس هناك ما يضمن عدم تعطيل عمل هذه المحكمة حتى ولو جرى إنشاؤها.
في المقابل، ومهما استغرقت تلك المبادرة من وقت لاكتمالها، إلا أن فكرة إنشاء مثل هذه المحكمة تبعث الأمل في نفوس الضحايا وذويهم بتحقيق جزء من العدالة التي ينشدونها. كما من شأن ذلك أن يسبّب الذعر لدى الجناة بأن هناك جهة دولية يمكن أن تحاسبهم ولو بعد حين.
وإنشاء مثل هذه المحكمة سيكمل دور منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تتمتع بسلطة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية، وتحديد الجناة من دون ملاحقتهم قضائياً، كما أنها تكمل عمل منظمات توثيق الانتهاكات الكيميائية، التي تعمل على جمع الأدلة والوثائق على تلك الجرائم، لتقوم تلك المحكمة بدورها في المحاسبة وعقاب المجرمين.