كيف أضعفت واشنطن قرار مجلس الأمن الدولي بشأن إدخال المساعدات إلى غزة؟

22 ديسمبر 2023
ينص القرار على "خلق ظروف مؤاتية لوقف مستدام للأعمال العدائية" (رويترز)
+ الخط -

اعتمد مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يهدف إلى توسيع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ومراقبتها، دون الدعوة إلى هدنة لوقف إطلاق النار، في صيغة تعد ضعيفة مقارنة بالمسودات السابقة للمشروع.

وحظي القرار بتأييد 13 دولة وامتناع دولتين عن التصويت، وهما روسيا والولايات المتحدة.

وعزت واشنطن امتناعها عن التصويت إلى أن القرار لا يدين حركة حماس، فيما لاحظت روسيا أن القرار ضعيف ولا يقدم مطلباً أساسياً للأمم المتحدة، وهو وقف الأعمال العدائية. فيما ينص القرار الذي اعتمد على "خلق ظروف مؤاتية لوقف مستدام للأعمال العدائية".  

واستخدمت الولايات المتحدة الفيتو، قبل التصويت على المسودة، ضد تعديل شفوي طلبته روسيا على النص يطالب بـ"التعليق العاجل للأعمال العدائية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، وإلى اتخاذ خطوات عاجلة نحو وقف مستدام للأعمال العدائية".

وحال استخدام الولايات المتحدة الفيتو ضد التعديل دون تبنيه.

ويدعو القرار الذي تم تبنيه إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة من شأنها أن تسمح على الفور بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، وخلق ظروف مواتية لوقف مستدام للأعمال العدائية". 

وجاء التصويت بعدما كان مجلس الأمن قد أرجأ التصويت لخمسة أيام وثماني مرات على الأقل، في محاولة من الإمارات، التي صاغت مشروع القرار، إلى التوصل لصيغة توافق عليها الولايات المتحدة، لكن الصياغة "التوافقية" أضعفت نص القرار وأغضبت عدداً من الدول الأعضاء في المجلس، وخاصة روسيا، لأن الصياغة الحالية تفرغ المشروع من أهم ثلاث نقاط كانت تحتوي عليها مسودات سابقة وافقت عليها أغلب الدول الأعضاء في المجلس.

يُشار كذلك إلى أن مطلب وقف الأعمال العدائية لأسباب إنسانية هو مطلب لأغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث صوّتت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة (153 دولة)، لصالح قرار يدعو لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.

يُشير النص إلى قرار مجلس الأمن 2712 حول غزة، والذي جرى تبنيه قبل أسابيع، ويدعو إلى "إقامة هدن وممرات إنسانية عاجلة لفترات ممددة في جميع أنحاء قطاع غزة لعدد كاف من الأيام لتمكين الوكالات الإنسانية"، كما يطلب بأن يقدم الأمين العام تقريراً حول تنفيذه في غضون خمسة أيام.

وتتعلق النقطة الثانية، التي أضعفت المسودة، بثلاثة بنود حول آلية المساعدات، إذ إنه في مسودات سابقة كان الحديث عن آلية مساعدات مستقلة تحت قيادة الأمم المتحدة ترصد تعامل جميع الأطراف مع المساعدات وتوزيعها، أي ليس "حماس" فقط، بل الجانب الإسرائيلي، ولكن النص أُضعف، ليكون الحديث عن تعيين منسق خاص يقوم بدوره بإنشاء الآلية الضرورية لمراقبة دخول المساعدات.

ويعتبر هذا التعديل جوهريا، إذ إن تعيين منسق أمر مرهون بالأهواء السياسية للدول الأعضاء، وأهمها الولايات المتحدة، والتي لن تقبل بتعيين الأمين العام للأمم المتحدة لمنسق لا يروق لإسرائيل والولايات المتحدة.

وفي حين أن النسخة السابقة كانت تعطي الاستقلالية والقدرة على تقديم المساعدات والتحرك بشكل مستقل، وألا تبقى المساعدات الإنسانية رهينة لموافقة ومزاج إسرائيل، فإن هذه الخطوة تزيد بيروقراطية الأمم المتحدة وتفرغ الهدف من الآلية من محتواه. 

أما النقطة الثالثة التي عملت على إضعاف هذا القرار، مقارنة بنسخ سابقة كانت أغلبية الدول موافقة عليها، كانت تنص على إدانة مجلس الأمن لـ"جميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جميع الهجمات العشوائية ضد المدنيين والأهداف المدنية، وجميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، وجميع أعمال الإرهاب"، لكن في النسخة الجديدة تم استبدال كلمة "إدانة" بكلمة "شجب".

وطالب المجلس في قراره الجديد "جميع أطراف النزاع بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني"، كما طالب "أطراف النزاع بالسماح وتسهيل استخدام جميع الطرق البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى قطاع غزة بأكمله، بما في ذلك المعابر الحدودية".

ودعا القرار إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الطبية لجميع الرهائن"، كما طالب بـ"توفير الوقود لغزة بمستويات تلبي الاحتياجات الإنسانية المطلوبة".

وأكد القرار "من جديد التزامات جميع الأطراف بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك ما يتعلق باحترام وحماية المدنيين، والحرص المستمر على تجنب الأهداف المدنية". وكرر التزام المجلس "برؤية حل الدولتين، حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنبًا إلى جنب في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، ويشدد في هذا الصدد على أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية".

حماس: القرار لا يلبي متطلبات الوضع الكارثي بغزة

وفي بيان لها عقب إعلان مجلس الأمن عن قراره، قالت حركة حماس إنّ "القرار يمثل خطوة غير كافية ولا يلبي متطلبات الوضع الكارثي في قطاع غزة".

وجاء في البيان: "هذا القرار لا يلبي متطلبات الحالة الكارثية التي صنعتها آلة الإرهاب العسكري الصهيونية في قطاع غزة، خاصة أنه لم يتضمّن قراراً دولياً بوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها كيان الاحتلال الإرهابي على شعبنا الفلسطيني".

وتابعت الحركة في بيانها: "لقد عملت الإدارة الأميركية خلال الخمسة أيام الماضية جاهدةً على تفريغ هذا القرار من جوهره، وإخراجه بهذه الصيغة الهزيلة، التي تسمح للاحتلال الفاشي باستكمال مهمة التدمير والقتل والإرهاب في قطاع غزة، متحدّيةً إرادة المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف هذا العدوان على شعبنا الفلسطيني الأعزل".

وأكد البيان أن "من واجب مجلس الأمن الدولي إلزام الاحتلال بإدخال المساعدات بكميات كافية إلى جميع مناطق قطاع غزة، خصوصاً مناطق شمال قطاع غزة، الذي يتعرَّض، إلى جانب المجازر اليومية، لحصار فاشي وسياسة تجويع مستمرة".

إسرائيل: سنواصل فحص المساعدات الإنسانية

وفي السياق، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أن إسرائيل ستواصل فحص المساعدات الإنسانية القادمة إلى قطاع غزة.

وقال كوهين، في تغريدة على "إكس": "ستواصل إسرائيل التصرف وفقًا للقانون الدولي، لكنها ستواصل لأسباب أمنية فحص كافة المساعدات في جميع المساعدات الإنسانية المقدمة لغزة".

غوتيريس: الهجوم الإسرائيلي هو المشكلة الحقيقية

إلى ذلك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عقب إقرار مجلس الأمن، أن الهجوم الإسرائيلي هو "المشكلة الحقيقية... وتوجِد عقبات كبرى" أمام توصيل المساعدات في غزة.

وقال غوتيريس: "كثير من الناس يقيسون فعالية العمليات الإنسانية في غزة على أساس عدد الشاحنات من الهلال الأحمر المصري والأمم المتحدة وشركائنا المسموح لها بعبور الحدود. وهذا خطأ". وأضاف "المشكلة الحقيقية تكمن في أن الطريقة التي تشن بها إسرائيل هذا الهجوم توجد عقبات كبرى أمام توزيع المساعدات الإنسانية في غزة"، مؤكدا أن "وقفا لإطلاق النار لأسباب إنسانية هو السبيل الوحيد لتلبية الاحتياجات الماسة للسكان في غزة ووضع حد لكابوسهم المستمر".

وأوضح أنه "كان يأمل" في المزيد من مجلس الأمن الدولي بعد إصداره قرارا لا يدعو إلى وقف إطلاق النار.

وتابع الأمين العام للأمم المتحدة: "آمل أن يجعل قرار اليوم الناس يفهمون أن وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية ضروري بالفعل إذا أردنا مساعدة إنسانية فعالة".

كما أعرب عن "خيبة أمل شديدة إزاء تصريحات مسؤولين إسرائيليين كبار تشكك في حل الدولتين". وقال: "رغم الصعوبة التي يبدو عليها اليوم، فإن حل الدولتين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات السابقة، هو السبيل الوحيد للسلام الدائم".