يندرج الاقتتال الفصائلي الداخلي الذي تفجّر مجدداً في الشمال السوري، بين فصيلي "الجبهة الشامية" و"أحرار الشام"، ضمن حالة الفوضى الأمنية والعسكرية التي تحكم هذا الشمال، المزدحم بعشرات الفصائل والتشكيلات العسكرية المتباينة في الرؤى والأهداف، ليزيد كلّ ذلك الشكوك في نجاح تجربة "الجيش الوطني" المعارض، والتي كانت تهدف إلى تجاوز الحالة الفصائلية وهي حالة كما يبدو باتت متجذرة في المشهد السوري العسكري المعارض.
"هيئة تحرير الشام" تتدخل بين "الجبهة الشامية" و"أحرار الشام"
وعادت أمس الأحد، الاشتباكات بين فصيلي "الجبهة الشامية" و"أحرار الشام"، في ريف مدينة الباب، بريف حلب الشمالي الشرقي، بعد يوم دامٍ أول من أمس السبت أدى إلى مقتل 3 مدنيين ونحو 20 عنصراً من الفصيلين المتناحرين.
وذكر مصدر محلي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن "الجبهة الشامية" اضطرت للانسحاب من مقار لـ"أحرار الشام" كانت قد سيطرت عليها السبت، بعدما وصلت أرتال من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من إدلب إلى مشارف مدينة عفرين، لنصرة فصيل "أحرار الشام".
تولّدت خشية لدى سكان ريف حلب الشمالي من استغلال "تحرير الشام" للاقتتال للتقدم شرقاً
وبيّن المصدر أنه بعد الضغط الذي مارسته "الهيئة" بتدخلها لصالح "أحرار الشام"، تم التوصل إلى اتفاق يقضي بانسحاب أرتال "تحرير الشام" من القرى والبلدات في ريف منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، مقابل تسليم "الجبهة الشامية" المناطق التي استولت عليها لوسيط هو فرقة "السلطان مراد"، ومن ثم إعادتها لاحقاً إلى حركة "أحرار الشام".
وتولّدت خشية لدى سكان ريف حلب الشمالي مساء السبت من استغلال "تحرير الشام" للاقتتال الحاصل للتقدم شرقاً والسيطرة على هذا الريف، ما يعني الدخول في احتراب داخلي قد يفضي إلى تغيير كل معادلات السيطرة في شمالي سورية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتقاتل فيها فصيلا "الجبهة الشامية" و"أحرار الشام"، إذ سبق أن خاضا نزاعاً مسلحاً في إبريل/نيسان الماضي بسبب الصراع على النفوذ، وعلى الموارد الاقتصادية المحدودة في المنطقة.
ولا يكاد الشمال السوري الخاضع لفصائل المعارضة، سواء غرب الفرات أو شرقه، يهدأ، حتى تتفجر النزاعات الدامية بين الفصائل، لأسباب كثيرة لعل في مقدمتها الصراع على النفوذ والسلطة.
ويزدحم الشمال السوري بعشرات الفصائل غير المتجانسة التي كان "الجيش الوطني" التابع للحكومة السورية المؤقتة يريد دمجها في تشكيل عسكري واحد، إلا أن الوقائع تشي بأنه فشل في ذلك.
"الجيش الوطني" ودمج الفصائل: استمرار التعثر
وتشكلت عدة تشكيلات عسكرية فصائلية تحت راية "الجيش الوطني" لتحقيق اندماج فصائلي فعلي، أبرزها "جبهة التحرير والبناء" التي أعلن عن ولادتها منتصف فبراير/شباط الماضي. وضمّت الجبهة كلاً من: جيش الشرقية، فرقة أحرار الشرقية، الفرقة 20، صقور الشام (قطاع الشرقية). ويتزعم "جبهة التحرير والبناء" الرائد حسين حمادي (أبو علي شرقية)، ونائبه أحمد الهايس (أبو حاتم شقرا).
وأواخر العام الماضي، أعلنت مجموعة من الفصائل الانضواء ضمن تشكيل عسكري واحد حمل اسم "ثائرون"، ضم كلاً من: فرقة السلطان مراد، فيلق الشام - قطاع الشمال، ثوار الشام وفرقة المنتصر بالله، بالإضافة إلى الفرقة الأولى بمكوناتها: لواء الشمال والفرقة التاسعة واللواء 112.
وكانت خمسة من أكبر فصائل "الجيش الوطني" قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي، الاندماج ضمن تشكيل جديد، حمل اسم "الجبهة السورية للتحرير". وسبق أن شكّلت فصائل تابعة لـ"الجيش الوطني"، في منتصف أغسطس/آب الماضي، ما سمّي بـ"غرفة عمليات عزم"، التي ضمّت: فيلق الشام ـ قطاع الشمال، لواء السلام، الفرقة الثانية المشكّلة من جيش النخبة، اللواء 113، فيلق المجد، الفرقة 13 المشكّلة من فرقة السلطان محمد الفاتح، لواء سمرقند، ولواء الوقاص.
البنية الفصائلية الشعبوية البعيدة عن المأسسة العسكرية تبقى الطاغية على تشكيلات الجيش الوطني
وفي الشمال الغربي من سورية، هناك "الجبهة الوطنية للتحرير"، وتضم العديد من الفصائل التي ترابط على خطوط التماس مع قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية في ريف إدلب الجنوبي.
وشرح الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أسباب تعثر تجربة "الجيش الوطني" بالقول إنها "بالتأكيد تجربة غير نموذجية، لان المأسسة بقيت حبراً على ورق إلى حد ما، فبقيت الفصائلية مستحكمة".
وبيّن علوان أن "فكرة الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني لم تنفذ على أرض الواقع"، مشيراً إلى "أن التشكيلات ظهرت لتكون هي الشكل الأقرب للمنطق لتقارب الفصائل". وأوضح أن الفصائل "التي شكلت هذه التشكيلات (عزم، ثائرون، والتحرير البناء)، التقت على أساس المصالح المشتركة"، معرباً عن اعتقاده بأن هذه التشكيلات "تمر بمرحلة مؤقتة وغير مستقرة". ورأى أن "البنية الفصائلية الشعبوية البعيدة عن المأسسة العسكرية تبقى هي الطاغية على هذه التشكيلات".
وتؤكد الأحداث المتلاحقة في الشمال السوري أن وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة عاجزة تماماً عن ضبط البنادق والفصائل، وتكتفي بإصدار البيانات التي تدعو إلى "التوقف الفوري عن الاحتكام للسلاح".
ودعت هذه الوزارة في بيان لها أمس الأحد "التشكيلات العسكرية المتخاصمة" في ريف حلب الشمالي إلى التوقف عن "الاستعانة بأطراف خارج المؤسسة العسكرية من أجل تنفيذ أجندات غير ثورية"، في إشارة إلى استعانة مجموعات من فصيل "أحرار الشام" بـ"هيئة تحرير الشام"، والتي هددت فجر أمس الأحد منطقتي "غصن الزيتون" (عفرين وريفها)، و"درع الفرات" (ريف حلب الشمالي).
وتنعكس العلاقات المتشنجة بين الفصائل على حياة المدنيين في مناطق سيطرة هذه الفصائل "إذ يندرج الاقتتال المتكرر بين هذه الفصائل ضمن الفوضى التي تستحكم في الشمال السوري المحرر"، وفق الناشط السياسي والمدوّن معتز ناصر، الموجود في مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي.
وأشار ناصر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الناس "ترفض هذا الاقتتال غير المبرر، والذي لا يستفيد منه إلا أعداء الثورة المتربصين بها". ويُرجع الناشط السوري سبب الاقتتال المتكرر إلى "عدم وجود رغبة تركية في ضبط مكونات الجيش الوطني السوري"، مضيفاً أن "تركيا توظّف هذه الخلافات لخدمة مصالحها".
وأعرب ناصر عن اعتقاده بأن "العداوات الشخصية تلعب دوراً رئيسياً في "إذكاء الخلافات بين الفصائل في الشمال السوري المحرر"، مضيفاً أن "هناك صراعاً على المعابر وبقايا الموارد وهو ما يلعب دوراً أيضاً في استمرار حالة الفوضى الأمنية والعسكرية والاقتتال المستمر".