استمع إلى الملخص
- **تحديات داخلية وانخفاض شعبية الأحزاب المؤيدة لأوكرانيا:** شولتز يواجه تحديات مع انخفاض شعبية الأحزاب المؤيدة لدعم أوكرانيا، مما يعكس تزايد التكلفة المالية التي دفعتها برلين لدعم أوكرانيا، والتي بلغت حوالي 14.7 مليار يورو.
- **ردود الفعل والتغيرات في السياسة الألمانية:** تصريحات شولتز حول اتفاق سلام أوكراني-روسي جاءت في ظل التحديات الداخلية، وقوبلت بانتقادات داخلية، مما يعكس قلق الإدارة السياسية الألمانية من تقدم الأحزاب اليمينية والشعبوية.
ألقت نتائج انتخابات ولايتي ساكسونيا وتورينغن (شرقيّ ألمانيا) في الأول من الشهر الحالي بظلالها وبشكل سريع على سياسات المستشار الألماني أولاف شولتز. وبدا تأثيرها واضحاً بتصريحه بأنه حان الوقت لمناقشة كيفية تحقيق السلام ووقف هذه الحرب (في أوكرانيا) "بصورة أسرع". موقف شولتز الجديد هو بالضبط ما ذهب إليه الحزبان الفائزان في انتخابات الولايتين، "حزب البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف، وتحالف "سارا فاغنكنشت" المصنَّف يسارياً شعبوياً. فالحزبان المنتقدان لاستمرار دعم برلين لأوكرانيا، والداعيان إلى فتح حوار مع روسيا، حققا معاً فوزاً بنسبة نحو 42.4% في تورينغن و48.6% في ساكسونيا. أما "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" العريق (يسار الوسط) الذي ينتمي إليه شولتز في الحكومة الائتلافية مع اليسار والليبراليين، فلم يحقق أكثر من نحو 6% و7% على التوالي.
إذاً، تحرك شولتز "السلمي" يُقرأ داخلياً على أنه أحد الانعكاسات التي تفرضها نتائج الاستطلاعات وانتخابات الولايات، قبل نحو عام على الانتخابات التشريعية العامة وأقل من أسبوعين على انتخابات ولاية براندنبورغ المهمة. وفي ذلك مؤشر على انخفاض شعبية الأحزاب المؤيدة لاستمرار جهود ألمانيا في دعم أوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية المتواصلة منذ فبراير/شباط 2022. ويثير هذا الانخراط الألماني حفيظة المزيد من التيارات اليمينية القومية والشعبوية المتشددة، في ضوء تزايد التكلفة المالية التي دفعتها برلين منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي لا تقلّ عن 14.7 مليار يورو، جزء كبير منها أسلحة.
وفي السياق تأتي تصريحات شولتز أخيراً عن ضرورة التوقيع على اتفاق سلام أوكراني-روسي، مع ارتفاع مؤشرات التحدي الذي يواجهه داخلياً. وعادة، كما يعتقد متابعو تقدم معسكر اليمين القومي المتشدد، فإن السلطات الأوروبية القائمة تهرع إلى تبني مواقف ذلك المعسكر في عدد من القضايا، وذلك على أمل فرملة شعبيته. وهنا لا يختلف الأمر كثيراً، حيث اقتنص البديل لأجل ألمانيا فرصة تزحزح شولتز عن نهجه السابق، من خلال إبداء القيادي فيه في البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) تينو شروبالا، تفاخره بدور حزبه في هذا الانزياح، معبّراً عن سعادة لتصريحات المستشار بالقول: "هذا هو الطريق الصحيح. لقد دعونا منذ فترة طويلة إلى إجراء محادثات سلام تضم الأطراف المتحاربة كافة، بما في ذلك روسيا. ومن الجيد أن المستشار يستجيب الآن لمطالبنا".
شولتز يعلن نية ألمانيا خفض المساعدات
بالطبع فإن هذا التغير في تفكير رأس السلطة السياسية في برلين ليس فجائياً. فمقدماته كانت واضحة ومترافقة مع الاستطلاعات قبل ثلاثة أسابيع، حيث أعلنت وزارة خارجية ألمانيا، بقيادة أنالينا بيربوك من اليسار، أنها لا ترى اهتماماً روسياً بالتفاوض على إنهاء الحرب. تصريح ترافق مع مؤشر آخر حين أعلن شولتز بنفسه أن ألمانيا تخطط لخفض المساعدات لأوكرانيا بمقدار النصف، أي من نحو 8 مليارات إلى حوالى 4 مليارات يورو. وعلى ما يبدو، لم تساهم التصريحات تلك بوقف تقدم اليمين المتشدد والشعبويين اليساريين، لتأتي تصريحات شولتز الاضطرارية الأخيرة عن أنه "سيكون هناك بالتأكيد مؤتمر سلام"، في محاولة يائسة أخرى للتأثير في تراجع معسكره "الاجتماعي الديمقراطي". فقد شدد شولتز في مقابلة مع محطة زد دي إف الألمانية الأحد الماضي أنه والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريدان مشاركة روسيا.
صحيح أن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أبدى دهشة من تصريحات شولتز، بقوله: "لا يوجد أي علامات على حل محتمل في ما يتعلق بالنهاية السلمية للصراع في أوكرانيا"، إلا أنها تصريحات قوبلت بانتقادات داخلية، اتهمته باتباع سياسات استرضاء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فعلى مستوى يمين الوسط في "الحزب المسيحي الديمقراطي"، حذر المتحدث باسمه للشؤون الخارجية في البرلمان رودريش كيسويتر على حسابه على منصة "إكس"، من عواقب ترك أوكرانيا تواجه مأزقاً بقوله إن "السلام هو في الحرية وتقرير المصير". وأضاف: "نموذجنا ومصداقيتنا الأوروبية في خطر إذا أصبح دعم ألمانيا لأوكرانيا متباطئاً". وشدد كيسويتر على أن شولتز "يعرّض أمننا للخطر"، داعياً إلى تقديم المزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، لا خفضها. وربط الرجل بين تعزيز قدرات أوكرانيا وواقعية المفاوضات "التي ستصبح حينها ذات معنى". وذهب كيسويتر على صفحات صحيفة بيلد إلى القول إن ما يجري هو محاولة الضغط على أوكرانيا من أجل ما سمّاه "سلاماً زائفاً"، محذراً في الوقت نفسه من أن حديث المستشار شولتز عن المفاوضات "يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى أوكرانيا".
عموماً، من الواضح أن الإدارة السياسية الألمانية أصبحت تنظر بقلق إلى تقدم حزبي البديل لأجل ألمانيا وتحالف سارا فاغنكنشت، خصوصاً بعد أن صمدت وصحّت الاستطلاعات التي منحتهما تقدماً على الأحزاب التقليدية الراسخة في انتخابات ولايتي ساكسونيا وتورينغن. وربما انسحب ذات الأمر يوم 22 من الشهر الحالي على نتائج ولاية براندنبورغ، ما يعزز تراجع الأحزاب العريقة. برغم أن تلك الانتخابات تعتبر محلية، إلا أنّ من الواضح أن لها انعكاساً على المستوى الفيدرالي الألماني، سواء بالنسبة إلى السياسات الداخلية أو الخارجية، وهي أمور لا يمكن للطبقة السياسية-الحزبية تجاهلها. ويبدو أن المستشار أولاف شولتز، كبقية ساسة أوروبا الذين يواجهون مأزق تقدم اليمين المتشدد والشعبويين، يختار، باعتباره يساراً وسطاً الانحياز خطوة إضافية إلى اليمين، للظهور بأنه حريص على ألمانيا أكثر من معسكر التشدد القومي. وقد تقدم نتائج ولاية براندنبورغ القادمة مؤشراً إضافياً على معضلة مواجهة الأحزاب السياسية للصعود المتزايد لحزب البديل من أجل ألمانيا والشعبويين، ما يضطرها إلى البحث عن أدوات أخرى لتخفيف وطأة تلك المعضلة.