قدم حقوقيون شهاداتهم خلال مؤتمر صحافي عقدوه في رام الله، ليلة أمس الإثنين، على ما حصل أمام مركز الشرطة الفلسطينية في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة، مؤكدين قيام عناصر الأمن بالاعتداء على المتظاهرين وسحلهم ورشهم بغاز فلفل وملاحقة المعتصمين، ليتم نقل عدد منهم إلى المستشفى.
وكانت الشرطة قد منعت إقامة تظاهرة ضد قمع الحريات وللمطالبة بمحاسبة المتسببين بمقتل المعارض السياسي والمرشح السابق للمجلس التشريعي نزار بنات، بدوار المنارة وسط مدينة رام الله، واعتقلت عدداً من النشطاء، لتقوم عائلاتهم بإقامة اعتصام أمام مركز الشرطة في مدينة البيرة. ولجأ الأمن إلى فض الاعتصام بالقوة وقام باعتقال عدد من المشاركين فيه إضافة إلى ثلاثة صحافيين، قبل أن يصدر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قراراً بالإفراج عن المعتقلين لدى الشرطة، وتم الإفراج عن عدد منهم ليلاً فيما بقي آخرون رهن الاعتقال.
وقال مدير "مؤسسة الحق"، شعوان جبارين، إنّ ما رآه "مؤلم ومخزٍ جداً"، مضيفاً "يجب أن تشعر السلطة الفلسطينية والشرطة والجميع بالخزي لما جرى من هجوم وجر للناس وسحل وسحب لهم".
وقال إنه شاهد سحب نساء من شعورهن ومنهم "زوجة المعتقل أبي العابودي حيث سحبت وضربت، وكذلك والد المعتقل أبي العابودي وهو يبلغ 77 عاماً وتم رش الفلفل في وجهه وكاد أن يختنق، إضافة إلى ركل وضرب بالعصي وسحب لكل من تم اعتقالهم"، بشكل وصفه بـ"المرعب".
وأوضح جبارين أنه حاول حماية بعض المعتقلين والحيلولة دون اعتقالهم لكنه لم يتمكن، مشيراً إلى أنّ أحد أفراد الأمن حذره من القيام بذلك.
وأكد جبارين أنه كان قد تواصل مع رئيس الوزراء محمد اشتية لاستفساره عن الاعتقالات بميدان المنارة، ليجيبه بأنه قد فوجئ بالأمر، ويغلق هاتفه بعد ذلك. كما أكد تواصله مع قيادات في الشرطة.
ورأى جبارين أنّ "الشرطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية أصرّتا على أن يكون هناك سلوك وحشي واعتداء على مطالبين بإطلاق حرية معتقلين تعسفياً ومعتقلين سياسيين"، مضيفاً أنّ هؤلاء لم يرددوا سوى عبارة واحدة هي "يا دولة الحريات لا للاعتقال السياسي".
وأضاف جبارين: "هذا موضوع يعكس تماماً مضمون هذه السلطة ومضمون هذه القيادة التي لا تعرف معنى للحقوق، ولا للحريات ولا للقانون ولا لسيادة القانون ولا لمّ الوطن ولا النسيج الاجتماعي"، محذراً من أن هذا سلوك قد يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها. وتابع قائلاً "أنا أشعر بالأسى ومن يقول إنه غير مسؤول، لا أنت مسؤول من رأس الهرم".
وفي معرض رده على سؤال لـ"العربي الجديد"، قال جبارين إنه "يعتقد أنّ ما حصل غير مرتبط بردة فعل بل متعلق بقرار ليس ميدانياً أو محلياً، وطريقة التعامل مع الأهالي تشير إلى غل قد يؤدي إلى قتل وموت".
ولفت إلى أنه حذر ونبّه مسبقاً من مخاطر ما يمكن أن يحصل باتصاله مع مسؤولين في الشرطة، رافضاً تبرير منع التظاهرات بكون التجمعات ممنوعة بدون إذن من المحافظين. وقال إنّ "أي تجمع لا يحتاج إلى إذن قانوني بل يحتاج فقط إلى إشعار".
بدوره، قال الحقوقي ممدوح العكر، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك اعتراضاً من المؤسسات الحقوقية على قانون الطوارئ من بداية جائحة كورونا، مضيفاً "لسنا بحاجة لإعلان الطوارئ، لدينا قانون الصحة العامة والدفاع المدني". وتابع أنّ الخشية كانت من إساءة استعمال الطوارئ ومن وجود نوايا خلف إعلانها، معتبراً أنّ ما حصل خلال الأيام الماضية يؤكد صحة ذلك.
وخلال كلمته في المؤتمر الصحافي، أوضح العكر أنّ "ما تم خلال الأيام الأخيرة يشير إلى أنّ النظام أصبح يتصرف كنظام بوليسي بكل معنى الكلمة"، مطالباً القيادة الفلسطينية بالاختيار بين النظام الديمقراطي أو البوليسي "لأن قواعد التعامل معه تختلف"، بحسب تعبيره.
ورجّح العكر أنّ مقتل المعارض بنات كان يهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة، قائلاً: "هذا شيء يبعث على القلق ويدق ناقوس الخطر".
وقدّم مدير "مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية" (حريات)، حلمي الأعرج، شهادته على ما حصل بالقول إنه رأى هجوماً من الشرطة وأشخاصاً بلباس مدني يعتدون بشكل فج وقوي على الموجودين، من بينهم مدير تلفزيون "وطن"، معمر عرابي، ومنهم أوس ابن المعتقل عمر عساف، إذ تم سحبه بقوة وتم الاعتداء عليه. وقال إنه سمع صراخ النساء والأطفال ورأى ملاحقة أشخاص حاولوا الانسحاب من المكان.
وأضاف الأعرج أنه شعر بوجود حالة اعتقال جماعية لم يسلم منها سوى من استطاع الانسحاب، واصفاً المشهد بـ"المحزن والمفجع". وعزا ما حصل إلى التحريض الذي قال إنه "على أشده ومصدره متعدد الجوانب، لكن طرفاً يريد حسم الأمور"، حسب تعبيره، وذلك بعد أن وصل إلى مأزق بفعل مقتل بنات وتحرك الشارع بعده. وشدد بالقول "بدلاً من معالجة الأسباب تتم ملاحقة النتائج".
ودعا الأعرج المستوى السياسي، وخاصة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى تحمّل المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة، وقال إنّ ما كان مطلوباً منذ مقتل بنات الإشارة إلى المسؤولين بالبنان وتحميلهم المسؤولية. كما طالب بإعطاء ضمانات كاملة لحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والدعوة لانتخابات عامة، معتبراً أنّ ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية كان بسبب خطأ السلطة الفلسطينية بإلغاء الانتخابات التي كانت مقررة في مايو/ أيار الماضي.
وتساءل مدير "مركز القدس للمساعدة القانونية"، عصام العاروري؛ "كم نزار بنات نحتاج حتى تصحو القيادة، هل نريد نزار بنات آخر؟". وقال إنّ اثنين من المعتقلين خلال الأيام الماضية نقلا إلى الخدمات الطبية العسكرية، كما أكد خروج مركبات إسعاف من مركز الشرطة حيث تم احتجاز المتظاهرين.
وطالب العاروري بإطلاق سراح كل المعتقلين وليس فقط من اعتقلوا ليلة أمس، معتبراً أنّ ما جرى يعتبر تخطياً لخطوط حمراء باعتقال أسرى محررين وقادة سياسيين ومناضلين، وصحافيين مهنيين بارزين. وختم بالقول: "ليس هذا الحلم وليس هذا الوطن الذي ناضل ملايين الفلسطينيين من أجله".
في سياق متصل، أعرب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فلسطين، اليوم الثلاثاء، عن قلقه العميق إزاء استمرار القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية التجمع من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
وقال المكتب، في بيان صحافي، إنه "خلال عطلة نهاية الأسبوع تم اعتقال صحافي ونشطاء ومحامٍ، وفي 5 يوليو/ تموز الجاري، عندما حاول المتظاهرون التجمع في مدينة رام الله، اعتقلت الشرطة الفلسطينية حوالي 20 شخصاً، صحافي وعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، ومحامٍ وأفراد عائلاتهم، وكثير منهم تم اعتقالهم بعنف، ولا يزال 10 أشخاص على الأقل رهن الاعتقال".
وجدد المكتب دعوته لجميع السلطات الفلسطينية المختصة وقوات الأمن إلى احترام وضمان حرية التعبير والتجمع والإفراج عن أي شخص معتقل لممارسته هذه الحريات المحمية.
Human rights experts express serious concerns about a number of attacks by security forces against critics of the #Palestinian 🇵🇸 Authority, incl. the death in custody, reportedly as a result of beatings, of a well-known commentator & opposition candidate. https://t.co/RdczThYMww pic.twitter.com/3vflAA89Cb
— UN Geneva (@UNGeneva) July 6, 2021