بعد إخفاق مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن خلال الشهور الماضية في إيجاد حل لإحياء الاتفاق النووي، وتوقفها منذ يونيو/حزيران الماضي بطلب من إيران، بحجة انتقال السلطة فيها من الرئيس السابق حسن روحاني، إلى خلفه إبراهيم رئيسي، من دون استئنافها حتى اليوم، تبرز ضغوط وتحركات دبلوماسية لإعادة الحياة إلى هذه المفاوضات واستئنافها للحيلولة دون تصعيد الوضع وبلوغه مرحلة تجهز على العملية الدبلوماسية برمتها، التي بدأت منذ إبريل/نيسان عبر إطلاق مفاوضات فيينا.
وأجرى وزراء خارجية أوروبيون، لا سيما ألمانيا وفرنسا، ومفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اتصالات منفصلة مع وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبداللهيان، فضلاً عن اتصالين لافتين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيسي في أقل من شهر. كما أكد رئيسي خلال مكالمة هاتفية مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أمس الأربعاء، أن بلاده تبدي "شفافية" في أنشطتها النووية. وقال إن "التعاون الجدي من جانب الجمهورية الإسلامية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو نموذج واضح على إرادة إيران إبداء شفافية في أنشطتها النووية". واعتبر أن التعامل غير البناء في إطار الوكالة الدولية مخلّ بمسار المفاوضات. وأكد أن بلاده "لم ولن تنقض الاتفاق النووي اطلاقاً، بل الأميركيون هم الذين انسحبوا من الاتفاق وانتكهوا بنوده".
فيما أعلن ميشال، عبر "تويتر"، أنه ناقش مع الرئيس الإيراني أهمية استئناف المفاوضات بسرعة لإعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) إلى مسارها الصحيح. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل مع جميع المشاركين والولايات المتحدة لضمان التنفيذ الكامل للاتفاق النووي. وأكد أن لدى الاتحاد وإيران مصلحة مشتركة في العمل معاً في القضايا الإقليمية والعالمية، بما في ذلك أفغانستان.
الجانب الإيراني يصر على الحصول مسبقاً على تعهد بعدم طرح أي مسألة سوى الملف النووي في المفاوضات
وعن تلك التحركات والاتصالات الدبلوماسية بين طهران وعواصم أوروبية، تحدثت مصادر إيرانية مطلعة لـ"العربي الجديد" عن شروط إيرانية لاستئناف المفاوضات، مشيرة إلى أن "إيران أبلغت الأطراف الأوروبية بشكل صريح أنها لن تدخل المفاوضات بالأجندة الغربية والأميركية"، و"طالبت بضرورة أن يقتصر موضوع المفاوضات على إحياء الاتفاق النووي فقط، وتخلّي الطرف الآخر عن ربط إحياء الاتفاق النووي باستمرار المفاوضات حول الملفات الأخرى". وأوضحت هذه المصادر أن "الجانب الإيراني يصر على الحصول مسبقاً على تعهد بعدم طرح أي مسألة سوى الملف النووي في المفاوضات قبل استئنافها"، لافتة إلى أن ماكرون وخلال الاتصالين مع رئيسي "تلقى رداً حاسماً بأن الجمهورية الإسلامية ترفض بشكل قاطع أي تفاوض حول برنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية".
أما عن الشرط الثاني، فكشفت المصادر عن مطالبة إيران الولايات المتحدة عبر الأوروبيين بـ"ضرورة الإفراج عن أموال إيرانية مجمّدة في الخارج قبل استئناف المفاوضات"، موضحة أن الأطراف الغربية بالأساس أكدت "وجود استعداد أميركي للسماح بالإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة كتحفيزات لدفع إيران إلى استئناف المفاوضات". وأضافت أن ماكرون هو الذي يتوسط بين طهران وواشنطن "بطلب من الرئيس الأميركي جو بايدن، ويتابع مسألة الإفراج عن أموال إيرانية، وهو نقل إلى إيران تطمينات بوجود استعداد أميركي لذلك"، مشيرة إلى أن إيران "تطالب بالإفراج عن 20 مليار دولار من أموالها المجمدة، في اليابان وكوريا الجنوبية ودول أوروبية".
وتابعت المصادر أن طهران، وبعد ثلاثة أيام من تنصيب رئيسي رئيساً للبلاد (في 5 أغسطس/آب الماضي)، "أبلغت الأطراف الأوروبية استعدادها لاستئناف المفاوضات بأجندة لا تتجاوز الملف النووي، واتخاذ الطرف الآخر خطوات عملية تظهر حسن نواياه". وأكدت أن الولايات المتحدة ومعها الأطراف الأوروبية "ما زالت متمسكة بربط مفاوضات فيينا بمناقشة الملفات الصاروخية والإقليمية لاحقاً، وتتهرب من تقديم ضمانات بعدم طرحها"، لافتة إلى أن الحكومة الإيرانية الجديدة "أبلغت هذه الأطراف بعدم رضاها على المسار الذي سلكته المفاوضات حتى الآن وتطالب بتغييره".
الإفراج عن أموال إيرانية مجمّدة في الخارج قبل استئناف المفاوضات، شرط مسبق
وفي السياق، أوضحت المصادر أن الحكومة الإيرانية "ستدخل المفاوضات بأجندة وتوجّه جديدين في إطار تنفيذ قانون الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، كاشفة عن "توجّه جاد لنقل ملف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي، وسيقود هذه المفاوضات فريق تفاوضي إيراني جديد تحت إشراف المجلس"، لتتفرغ الخارجية الإيرانية لـ"توسيع العلاقات الخارجية والدبلوماسية الاقتصادية، خصوصاً مع القوى والدول الآسيوية". وكان البرلمان الإيراني قد أقر قانوناً جديداً مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي ينص على اتخاذ خطوات نووية بغية إجبار الأطراف الأخرى على إلغاء العقوبات. ونفذت من هذه الخطوات حتى الآن رفع نسبة اليورانيوم المخصب إلى 20 في المائة ثم 60 في المائة، وتعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي وخطوات أخرى، لكنْ ثمة بنود أخرى لم تنفذ بعد على الرغم من أن مواعيدها حلت، منها إنشاء مصنع اليورانيوم المعدني، الذي ينصّ عليه البند الرابع في القانون، إذ يؤكد "تدشين مصنع إنتاج اليورانيوم المعدني في أصفهان في غضون 5 أشهر من إقرار القانون".
وظلت أوساط محافظة، لا سيما في البرلمان الإيراني، تتهم الحكومة السابقة خلال الشهور الماضية بعدم تنفيذ هذا القانون بحذافيره، ما أبطل مفاعيله ومنعه من أن يحقق النتيجة المرجوة، حسب قولها، غير أن روحاني وحكومته اعتبرا أن القانون كان قد عرقل التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا.
وعما إذا كانت المفاوضات ستستأنف قريباً في فيينا، استبعدت المصادر ذلك، قائلة إن "ذلك مرتبط بنتائج الاتصالات الجارية وتحقيق الشروط الإيرانية"، مشددة على أن "إيران ليست مستعجلة لاستئناف المفاوضات في حال استمرار المسار السابق وليس لديها ما تخسره، وبين استمرار المفاوضات سواء دخلتها أو لم تدخلها، فإنها باتت تفضّل أن تبقى خارج مفاوضات لا تؤدي إلى إلغائها، لجعل ذلك ورقة ضغط للحصول على تنازلات".
وعلى صعيد العلاقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كشفت المصادر الإيرانية لـ"العربي الجديد" عن "تجاهل مقصود" من قبل طهران لطلب المدير العام للوكالة رافايل غروسي زيارة إيران لإجراء مباحثات حول وصول مفتشي الوكالة إلى المنشآت النووية الإيرانية ومحتويات كاميرات المراقبة المركبة فيها، بعد وقف التفتيشات "المفاجئة" إثر وقف طهران خلال فبراير/شباط الماضي تنفيذ البروتوكول الإضافي الذي تعهدت به في الاتفاق النووي. وأضافت أن "إيران رفضت طلب الزيارة عبر تجاهله وعدم الرد عليه"، قائلة إنها "أبلغت الوكالة الدولية بشكل صريح أنه "لن تجري أي مفاوضات معها حول استئناف التفتيشات التي تعهدت بها في الاتفاق النووي حسب البروتوكول الإضافي وأن ذلك مرتبط بمفاوضات فيينا وإحياء الاتفاق".
توجّه لنقل ملف المفاوضات النووية من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي
وفي السياق، قال المندوب الإيراني الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كاظم غريب آبادي، الثلاثاء، إنه لا يحق لأحد المطالبة بوقف النشاطات النووية لبلاده. جاء ذلك بحسب وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، نقلا عن آبادي، تعليقاً على نشر تقريرين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الاتفاق النووي ومعاهدة الضمان. وقال آبادي إن جميع نشاطات بلاده النووية، بما فيها إنتاج معدن اليورانيوم وتخصيبه على مختلف المستويات، "تتم في إطار الحقوق النووية لإيران، بل وتحت معاهدة حظر الانتشار النووي"، مؤكداً أن تلك الحقوق تنفذ، تماماً، في إطار التزامات بلاده بمعاهدة الضمان. وأشار إلى أن "الأطراف الأخرى لم تنفذ التزاماتها بالاتفاق النووي بشأن رفع الحظر، وكذلك استمرار السياسة الأميركية في فرض الحظر الأحادي على طهران"، مضيفاً "ومن ثم فإنه لا يحق لأحد مطالبة إيران بوقف هذه النشاطات في سياق هذا الاتفاق". ونصح آبادي، الوكالة الدولية بـ"وجوب الحفاظ على استقلاليتها وحيادها ومهنيتها في آن واحد".
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد نددت بشدة بعدم تعاون إيران على صعيد حسن تنفيذ مهمتها لمراقبة البرنامج النووي لطهران. وكتبت الوكالة في تقريرين جديدين لها، كُشف عنهما الثلاثاء، "منذ فبراير/شباط 2021، تعرضت أنشطة التحقق والمراقبة لعرقلة جدية في ضوء قرار إيران وقف تنفيذ التزاماتها النووية" الواردة في الاتفاق النووي. وأضافت أن إيران عززت مخزوناتها من اليورانيوم المخصب فوق النسبة المسموح بها في الاتفاق المبرم في فيينا. وأوضحت الوكالة في تقريريها للدول الأعضاء، أنه لم يتحقق تقدم في قضيتين رئيسيتين، هما تفسير آثار اليورانيوم التي عُثر عليها العام الماضي وقبله في العديد من المواقع القديمة وغير المعلنة، والوصول على وجه السرعة لبعض معدات المراقبة حتى تتمكن الوكالة من مواصلة تتبع أجزاء برنامج إيران النووي.