تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ منتصف الشهر الماضي، إقامة البنية التحتية لما تطلق عليه "شارع السيادة" أو "شارع نسيج الحياة"، وهو واحد من أخطر الشوارع الاستيطانية التي تفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها ووسطها، ويمزق "نسيج الحياة" بين المقدسيين.
ويأتي تنفيذ المشروع الاستيطاني هذا بعدما كان وزير أمن الاحتلال حينها، نفتالي بينت، قد صدّق على إقامته في التاسع من شهر مارس/آذار 2020، ليفصل بين الفلسطينيين والمستوطنين في السفر والمواصلات، ويمهد لربط مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أراضي شرق القدس المحتلة بمركز المدينة المقدسة.
شارع استيطاني عنصري
ويقول الخبير المختص في شؤون الاستيطان خليل تفكجي لـ"العربي الجديد"، إن من شأن تنفيذ هذا المشروع الاستيطاني العنصري أن يسبب تداعيات كبيرة وخطيرة على حركة تنقل الفلسطينيين بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، ومنعهم من استخدام الشارع الرئيسي رقم (1)، الذي يربط مستوطنة "معاليه أدوميم" بالقدس.
وتنفيذ الشارع الاستيطاني الجديد يعني إغلاق كامل لبلدتي العيزرية وأبو ديس جنوب شرق القدس، بحيث يُحصَر سفر الفلسطينيين وتنقلهم بالسيارات من العيزرية وأبو ديس إلى بلدة الزعيم شمال شرق القدس، ثم إلى عناتا وحزما، دون تمكنهم من السفر واستعمال الطريق الذي يمر من مستوطنة "معاليه أدوميم".
ويرى تفكجي أن هذا المشروع الاستيطاني سيفضي إلى نظام فصل عنصري بين الفلسطينيين والمستوطنين، بغية ضم مستوطنة "معاليه أدوميم" إلى مدينة القدس، ولدفع خطة البناء في مشروع (E1) الاستيطاني، الذي يشمل إقامة أكثر من 12 ألف وحدة استيطانية، ويحقق الهدف الإسرائيلي بربط "معاليه أدوميم" بمركز القدس وتحقيق امتداد التواصل الاستيطاني مع القدس.
ووفق المخطط الموضوع لهذا الطريق الاستيطاني، ستتوسع أعمال البنية التحتية من موقعها الحالي غرب "معاليه أدوميم"، على سفوح تلال بلدة العيزرية، لتمتد إلى الحاجز العسكري الإسرائيلي المعروف باسم "الكونتينر" جنوب شرقي بلدة أبو ديس، ومن هناك شرقاً ثم شمالاً باتجاه الطريق الالتفافي رقم (1)، وصولاً إلى محافظة أريحا.
ورصدت سلطات الاحتلال لتنفيذ هذا المشروع الاستيطاني ما مجموعه 22 مليون شيكل (نحو 6 ملايين دولار). ووفقاً لحركة "السلام الآن" الإسرائيلية، في بيان لها، فإن "إنشاء شبكة طرق منفصلة للإسرائيليين والفلسطينيين سيمكن جيش الاحتلال من إلغاء الحاجز العسكري المقام على أراضي بلدة الزعيم شرقي للقدس، ونقله إلى قرب شرق مستوطنة "كفار أدوميم" المقامة على أراضي بلدة أبو ديس".
وتؤكد الحركة أن منع الفلسطينيين من دخول "معاليه أدوميم" سيمكن إسرائيل من ضم الأراضي إليها بسهولة أكبر في المستقبل، وإغلاق منطقة شاسعة وسط الضفة الغربية أمام الفلسطينيين من طريق تحويل وسائل النقل الفلسطينية إلى طريق التفافي خاص، وتحويل منطقة "معاليه أدوميم" إلى جزء لا يتجزأ من القدس.
استيطان الواقع الديمغرافي
يقول المحلل السياسي والإعلامي، راسم عبيدات، لـ"العربي الجديد" إن من شأن الشارع الاستيطاني المسمى "السيادة" قلب الواقع الديمغرافي والجغرافي لمصلحة المستوطنين في مدينة القدس، عبر استكمال ضم الكتل الاستيطانية الكبرى لمدينة القدس جنوب غرب القدس، وهي مجمع "غوش عتصيون" ومجمع "افرات" الاستيطانيان ومستوطنات شمال شرق المدينة، مجمع "معاليه أدوميم" و"ميشور أدوميم"، ومستوطنات "كيدار" و"متسبيه يرحو".
ووفق عبيدات، يسعى الاحتلال لتحقيق قلب الواقع الديمغرافي عبر ضخ 150 ألف مستوطن إلى ما يعرف بحدود بلدية الاحتلال في القدس، التي ستعادل 10 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، بما يضمن إخراج جميع التجمعات المقدسية من حملة الهوية الزرقاء، يزيد عددهم على 100 ألف مقدسي (كفر عقب، وسميراميس، وجزء من بلدة قلنديا، ومخيم شعفاط، وجزء من أراضي السواحرة الشرقية، ووادي الحمص، وعناتا) من حدود بلدية القدس إلى خلف جدار الفصل العنصري.
وما يجري العمل عليه، بحسب عبيدات، يجعل نسبة الوجود في مدينة القدس محسومة للمستوطنين بواقع 88 بالمائة مقابل 12 بالمائة من الفلسطينيين المقدسيين، ويصبح من يبقى من العرب المقدسيين في المدينة يعيش في جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع.
"القدس الكبرى" وقتل حلّ الدولتين
ما يقوم به الاحتلال من أعمال بنية تحتية منفصلة للمستوطنين وأخرى للفلسطينيين في منطقة جنوب شرق القدس وشمال شرقها، يهدف بحسب المختص في شؤون الاستيطان خليل تفكجي، إلى إقامة ما يسمى مشروع "القدس الكبرى" بالمفهوم الإسرائيلي، لتكون القدس خالية من الفلسطينيين.
ويهدف مشروع (E1) الاستيطاني، بحسب تفكجي، إلى تعزيز وتكثيف الوجود الاستيطاني في حدود "القدس الكبرى"، التي تمتد حدودها من المجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" في الجنوب وصولاً إلى مشارف رام الله في الشمال، وفي الشرق حتى مشارف الأغوار. أما في الغرب، فتمتد حدودها حتى مستوطنة "بيتار عيليت" المقامة على أراضي محافظة بيت لحم.
سياسياً، يؤكد تفكجي أن البناء الاستيطاني في (E.1) يُعَدّ قاتلاً لفرص حل الدولتين؛ لأنه يقسم الضفة الغربية إلى قسمين: منطقة شمالية ومنطقة جنوبية، ويمنع تطوير مدن الضفة الغربية الرئيسة في القدس الشرقية ورام الله وبيت لحم.
أما ديمغرافياً، فإن إقامة هذا المشروع الاستيطاني سيضاعف أعداد المستوطنين في المستوطنات الإسرائيلية شرق القدس، في مقابل أنه سيهدد أكثر من 1500 من البدو الفلسطينيين بمنطقة جبل البابا، فضلاً عن مصادرته آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين الخاصة، ما سيلحق أضراراً بسبل العيش والرعي بالتجمعات البدوية التي تعيش في المنطقة (ب).
يشار إلى أن سلطات الاحتلال أنشأت منذ احتلالها الضفة الغربية عشرات الطرق الالتفافية الاستيطانية، التي تقضم أراضي الفلسطينيين لخدمة المستوطنات، وتعزيز تواصل المستوطنين.