سياسيون مصريون يطالبون النظام بفك احتكار القرار

01 ابريل 2022
سوق في القاهرة، الأربعاء الماضي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

ترى مصادر سياسية ونيابية مصرية تحدثت مع "العربي الجديد" أن الأزمة التي تعيشها البلاد حالياً بسبب الظروف الدولية والإقليمية السيئة، "تحتاج إلى رؤية سياسية شاملة، لا تقتصر فقط على المعالجة الاقتصادية، بل تضع في اعتبارها كل مؤسسات ومكونات الدولة لكي تتضافر الجهود من أجل الخروج منها بأقل الخسائر".

وقال مصدر برلماني إنه "يجب تفعيل الدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب، بشكل يعبر عن متطلبات الجماهير لا مصالح السلطة، لأن ذلك هو الضمانة الحقيقية لعدم تغوّل المصلحة الشخصية على مصلحة الجماهير"، مضيفاً أن "وجود برلمان فاعل يراقب تصرفات الحكومة، من شأنه أن يضمن توجيه موارد الدولة إلى ما يحقق مصلحة البلاد".

وأوضح المصدر أنه "على الرغم من حصول مصر على مساعدات خليجية عاجلة، من كل من السعودية وقطر والإمارات، تتمثل في ودائع واستثمارات، إلا أن هذه المساعدات، يجب أن تدار بطريقة تعود بالفائدة على المدى الطويل، وتضمن عدم تحولها إلى أعباء إضافية تضاف إلى أعباء الديون السابقة".

تبعات انفراد النظام المصري بالحكم

من جهته، قال رئيس أحد الأحزاب السياسية، فضّل عدم ذكر اسمه، إنه "في ظل الأزمة التي تخيم على العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي ألقت بظلال كثيفة على الأوضاع في مصر، بات على النظام السياسي أن يغير من سياسته القائمة على احتكار الحكم، وفتح المجال أمام القوى السياسية المختلفة للمشاركة، وتخفيف القيود المفروضة على المجتمع المدني، والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين".

وأضاف أن "مثل هذه الإجراءات ستجنّب النظام تبعات الانفراد بالسلطة والقرار في ظل الأزمة، وتسمح للجميع بطرح وجهات نظر مختلفة تصب في النهاية في الصالح العام".

وأكد المصدر أن "من ضمن القضايا الملحّة التي يجب النظر إليها بجدية في ظل الأزمة، هي قضية احتكار وسائل الإعلام من قبل النظام، لأن البحث عن أي حلول يتطلب مساحة من حرية الرأي تسمح للخبراء والمختصين بطرح وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظر النظام، يمكن أن تشكل مخرجاً من الأزمة".


البحث عن أي حلول يتطلب مساحة من حرية الرأي

وأعلنت الحكومة المصرية عن عدد من الإجراءات التقشفية، في ظل ضراوة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمصريين في الوقت الراهن، جراء مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها الغزو الروسي لأوكرانيا، وتداعياته السلبية على قطاعات الطاقة والغذاء.

وبرأي مسؤولين واقتصاديين، فإن الأزمة المصرية الراهنة، التي دفعت الحكومة إلى اللجوء مجدداً لصندوق النقد الدولي بحثاً عن قرض جديد وبيع مجموعة أصول الدولة إلى صناديق استثمارية خليجية، أعمق بكثير مما يروجه الإعلام المصري الذي يتم تحريكه من داخل الأجهزة الأمنية، فعلى الرغم من أن الأزمة اقتصادية إلا أن حلولها سياسية في المقام الأول.

وبحسب مسؤول حكومي مصري سابق، فإن الأزمة الأخيرة، ليست كما يصور البعض نتيجة التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية فقط، قائلاً: "هي ليست وليدة اللحظة، وإنما تعود لنحو 5 أو 6 سنوات، نتيجة سوء التخطيط منذ البداية، وعدم وجود خطة واضحة للتنمية، مع التركيز على قطاعات كان يعلم الجميع أنها ليست ذات أولوية وقتها".

وتابع المسؤول الحكومي السابق: "للأسف أي صوت كان لا يعزف نفس المقطوعة التي تشيد بدقة قرارات وتوجهات الرئيس، كان مصيره الخروج من المنظومة الحكومية سريعاً"، كاشفاً أنه خلال عمله بمنصبه الحكومي الذي كان يتيح له إبداء الرأي بشأن المشروعات القومية، أبدى تحفظاً على عدد من المشروعات ليس بسبب عدم جدواها بحسب تعبيره، وإنما بسبب عدم ملاءمة توقيت البدء فيها، وكذلك عدم الجدوى الاقتصادية لها في هذا التوقيت.

وقال: "ربما تكون ذات جودة أعلى لو كانت متاحة في توقيت آخر، حين يكون هناك اقتصاد قادر على مواجهة الأزمات الكبرى". وأوضح المسؤول الحكومي السابق أن "بعض المشروعات استنزفت خزينة الدولة ومداخيل البلاد من العملة الأجنبية، من دون أن يكون لها عائد واضح على الدخل القومي، نظراً لحاجتها إلى مدى زمني طويل، على عكس نوعية المشروعات التي كانت تحتاجها مصر في عام 2013"، بعد انقلاب 3 يوليو/تموز.

وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت خطة للتقشف بهدف خفض الإنفاق، فعمّم رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، خطاباً رسمياً إلى الوزراء والمحافظين والمسؤولين بالجهاز الإداري للدولة، يشدد على ضرورة بدء تنفيذ قرارات مراجعة أوجه الإنفاق داخل المؤسسات الحكومية، بدءاً من شهر إبريل/ نيسان الحالي.

وتضمنت خطة الحكومة المصرية، تأجيل تنفيذ أي مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها ولها مكون دولاري واضح، ومراجعة تكلفتها والزيادات التي تطرأ عليها لعدم تحمل الخزانة العامة للدولة أعباءً إضافية في هذه المرحلة.

وجاء في الخطاب دعوة إلى الهيئات والمصالح التابعة للوزارات، بترشيد الإنفاق الحكومي وعدم إجراء أي تعاقدات أو إصدار أوامر إسناد لتنفيذ مشروعات جديدة، إلا بعد مراجعة وموافقة الوزير المختص.

كما قررت الحكومة حظر السفر للخارج لأي مسؤول حكومي وكذلك المرؤوسين بالوزارات والهيئات التابعة، إلا في حالات الضرورة القصوى، إضافة إلى الاستغناء عن المستشارين في الدواوين الحكومية، وإنهاء انتداب بعضهم، ترشيداً للنفقات، إلى جانب وقف أي تعيينات.

الجيش المصري أضعف اقتصاد الدولة

في المقابل، اعتبر رئيس أحد الأحزاب المصرية، فضّل عدم ذكر اسمه، أن "التركيز على زيادة حصيلة أرباح مشروعات واقتصاد القوات المسلحة، أدى إلى فقدان خزينة الدولة الرسمية أموالاً طائلة خلال السنوات الماضية، لأن كل فرصة يستحوذ عليها الجيش من خلال شركاته والهيئة الهندسية، كانت تُفقد اقتصاد الدولة الرسمي الذي يصب في صالح الخزانة العامة فرصة في مقابلها".

وأضاف: "أدى كل ذلك إلى وصولنا في النهاية إلى الوضع الراهن، الذي اضطررنا فيه كدولة للبدء في بيع الأصول، وهو ما كان يمكن تجنبه، لو كان لدينا اقتصاد صناعي".


بعض المشروعات استنزفت خزينة الدولة ومداخيل البلاد من العملة الأجنبية

وأوضح أن "شكل الدولة يحدده القرار السياسي لقيادتها وهي من تحدد أولوياتها إلا أن الأمر لم يحدث للأسف، إذ كان للقيادة السياسية توجّهات غير مفهومة، من خلال خطة الإنشاءات التي حصلت على مدار السنوات الخمس الأخيرة، فقط من أجل القيام بدعاية سياسية من دون النظر للأولويات الحقيقية.

وهو ما يعني أن الحديث عن أية خطط تقشفية جديدة لن يكون ذا فائدة، خصوصاً أن وقف العمل بالمشروعات مثل العاصمة الإدارية على سبيل المثال، التي ضخ فيها مليارات الدولارات خلال الفترة الماضية، سيعني خسارة أكبر".

وأكد برلماني حزبي الأمر نفسه بقولها: "نمط الإدارة القائم طوال الوقت على الترويج لفكرة الإنجازات على حساب الاحتياجات الأساسية للمواطنين والعمل على الدعايات مهما كانت كلفتها الاقتصادية، يُعدّ أحد الأسباب الرئيسية للوضع الراهن".

وشدّد على أن "اللجوء لصندوق النقد الدولي لن يحلّ الأزمة، بل سيضاعف أزمة القطاع الأكبر من المصريين، وسيدفع بأعداد كبيرة من الأسر المصرية خلال الفترة المقبلة لما تحت خط الفقر". وقال إن الأمر "يحتاج لحوار سياسي موسع تُستخلص فيه النوايا، ويتم فيه الابتعاد عن الحسابات السياسية، لأن الأمر بات يتمثل في خطر يهدد بقاء الدولة المصرية ومقدرات الأجيال المستقبلية، ويرهن قرارها السياسي في أيدي العواصم الخليجية".

وأشار إلى أنه "لن نقول إننا في حاجة إلى مصالحة سياسية، بقدر ما نحتاج إلى حالة تصالحية، عبر حوار يشارك فيه الجميع من سياسيين ورجال أعمال"، مؤكداً "ملف رجال الأعمال نفسه يحتاج إلى حوار أعمق من أجل طمأنة الكثير منهم، الذين اتجه معظمهم لنقل ثروته واستثماراته خارج البلاد، في ظل الإصرار على التعامل من منظور أمني مع هذا الملف".

المساهمون