تحولت مدينة سومي في أقصى الشمال الشرقي من أوكرانيا إلى أولوية للجيش الروسي لعدة أسباب، على الرغم من أنها ليست بحجم مدن مثل خاركيف وبولتافا في جنوبها، أو مثل تشيرنيهيف في شمالها. وبدا الهجوم على سومي أساسياً للجيش الروسي، وسط تضارب الأنباء عن السيطرة عليها، في ظلّ انتشار مقطع مصوّر يظهر تصاعد ألسنة اللهب الناجمة عن قصف بالصواريخ قرب حي سكني في المدينة. ووفقاً لمصادر في سومي، قام الجيش الروسي بعملية إنزال مكثفة لأفراده فيها. وفي إقرار ضمني بالسيطرة الروسية عليها، أكد حاكم منطقة سومي سيرغي يفيتسكي، الذي نقلت وكالة الأنباء "أونيان" تصريحاته، أن "آليات روسية غادرت سومي باتجاه كييف"، موضحاً أنه "عدد كبير من الآليات".
وتكمن أهمية سومي في قربها من مدينة كورسك الروسية، التي شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ، أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وذلك بين 5 يوليو/تموز 1943 و23 أغسطس/آب من العام نفسه، بين الجيشين السوفييتي والألماني.
هدف السيطرة على سومي
وبالنسبة إلى الروس، إن السيطرة على سومي، على الرغم من صمود المقاومة الأوكرانية حتى الآن، يعبّد الطريق نحو رومي ثم بريلوكي وصولاً إلى بروفاري في ضواحي كييف. كما تتيح السيطرة على سومي، بتأمين قلعة متقدمة لخاركيف وبولتافا وصولاً إلى كريمنتشوك وشيركاسي على ضفاف نهر دنيبر، وأيضاً تشيرنيهيف.
وبالتالي يتم نقل المعدات الأساسية والمستشفيات الميدانية الروسية من كورسك وبيلغورود إلى سومي، فضلاً عن السيطرة على مطارها، ومنع السلاح الجوي الأوكراني من استخدامه.
ويُريح الاحتلال الروسي لسومي، القوات الانفصالية، لتوسيع دائرة سيطرتها على كامل المناطق الإدارية في دونباس، لتكريس "جمهورية لوغانسك الشعبية" و"جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنتين من جانب واحد، واللتين اعترف بهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الإثنين الماضي.
يتيح تشبيك القوى المهاجمة من الشرق والشمال الشرقي على مداخل كييف، في إنهاء المقاومة الأوكرانية
ويتيح تشبيك القوى المهاجمة من الشرق والشمال الشرقي على مداخل كييف، في إنهاء المقاومة الأوكرانية في هذه الجبهة، على اعتبار أن الجبهة الشمالية من جهة بيلاروسيا والجبهة الجنوبية من جهة شبه جزيرة القرم، تُشكّلان عنصرين مساندين للهجوم الرئيسي الآتي من سومي.
وتدرك القوات الأوكرانية أهمية هذه المدينة، لأن سقوطها بيد الروس سيُبعدها عن الشرق، وخصوصاً عن منطقة دونباس، التي تضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليين. ويعني سقوط سومي المزيد من الضغوط على المدافعين عن العاصمة الأوكرانية، التي ستُصبح عملياً محاصرة من الشرق والشمال والجنوب.
وعدا ذلك، فإن السيطرة الروسية على المدن الأساسية في الشمال الشرقي والشرق: تشرنيهيف وخاركيف وبولتافا وكريمنتشوك وشيركاسي، يعزل مدينة دنيبرو وزابوريزيا عن كييف، ويفكك تواصل القوات الأوكرانية فيما بينها، فضلاً عن تفرّغ القوات الإنفصالية في دونباس والقوات الروسية من شبه جزيرة القرم، لمهاجمة المدينتين المعزولتين. وفي هذه الخطة، يُصبح مصير أوديسا وخيرسون وميكولاييف، غربي نهر دنيبر، بيد القوات الروسية أيضاً.
ليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها المدينة إلى نقطة استراتيجية بالمفهوم العسكري
وليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها المدينة إلى نقطة استراتيجية بالمفهوم العسكري، فحين أُنشئت في عام 1652 ـ 1655، على يد القوقازيين (مجموعة متفرّعة من الإثنية السلافية)، كان الهدف منها ربط طرق المواصلات بين كييف وشرقها، أي الغرب الروسي، باتجاه موسكو.
حملات روسيا القيصرية
وبدت أهمية سومي أثناء حملات روسيا القيصرية في عامي 1687 و1689 ضد شبه جزيرة القرم، التي أسسها المغول والتتار في القرن 13، ثم سيطر عليها العثمانيون، قبل سقوطها نهائياً بيد الروس في عام 1783.
وفي عهد بطرس الأكبر، باتت المدينة مقراً رئيسياً له، وظلّت تحت قيادة ورثته حتى عام 1765 مع تأسيس "سلوبودا أوكرانيا"، المولودة من رح الحروب الموسكوفية ـ الليتوانية، ولكن تحت سيادة موسكو.
بعدها، دخلت سومي عصراً صناعياً كبيراً في القرنين 18 و19. وفي ثورة عام 1905 الروسية، أيدت سومي التحول من نظام الملكية المطلقة في موسكو إلى الملكية الدستورية. وأثناء الحرب العالمية الثانية دمّرها الألمان بالكامل، قبل إعادة بنائها. ويشكّل الروس فيها نحو 30 في المائة من السكان.