سقوط حلب يربك الحسابات الروسية في سورية

04 ديسمبر 2024
عنصران من الفصائل المسلحة في حلب، 1 ديسمبر 2024 (كرم المصري/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه روسيا تحديات في سوريا بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا واعتمادها على تركيا، مما أدى إلى تقديم دعم محدود للنظام السوري وتعزيز الجهود الدبلوماسية مع حلفائها مثل إيران.
- يعاني الاقتصاد السوري من أزمة حادة بسبب العقوبات الأمريكية وقانون قيصر، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية واندلاع احتجاجات، بينما تراجع الدعم الروسي والإيراني ساهم في سقوط حلب.
- رغم التوترات بين روسيا وتركيا، لا يتوقع تأثير كبير على العلاقات بينهما، بينما تواجه الحكومة السورية انتقادات لعجزها عن الإصلاحات، وتستفيد الولايات المتحدة من الوضع بسيطرتها على المناطق النفطية.

بعد تحقيق الفصائل المسلحة في سورية تقدماً غير مسبوق منذ سنوات مع سقوط حلب بين أيديها، تتابع روسيا تطورات الوضع عن كثب من دون القدرة على ممارسة دورها السابق في سورية، نظراً لانشغالها بالمرحلة الساخنة من حربها في أوكرانيا عسكرياً، وانعدام القدرة على الضغط على تركيا دبلوماسياً في ظل اعتماد موسكو على أنقرة في مسائل حيوية مثل الالتفاف على العقوبات الغربية ووساطتها في بعض الملفات مع كييف. وفي وقت اكتفت فيه موسكو عسكرياً بتوفير بعض الدعم لقوات النظام السوري عبر تكثيف الغارات الجوية في مناطق التصعيد مع إعلانها عن مقتل مئات المسلحين، عزز الكرملين جهوده الدبلوماسية عبر إجراء سلسلة من الاتصالات على أعلى مستوى، كانت آخرها مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، اللذين أكدا، أمس الأول الاثنين، على "الدعم غير المشروط لأعمال السلطات الشرعية السورية"، وفق بيان صدر عن الكرملين.

سقوط حلب في حسابات موسكو ودمشق

وجدد الكرملين تأكيده على دعم حليفه بشار الأسد، إذ قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، في تصريحات صحافية، أول من أمس الاثنين: "بالطبع، نواصل دعم بشار الأسد، ونواصل اتصالاتنا على المستويات المواتية، ونجري تحليلاً للوضع. سيتم وضع موقف بشأن ما هو مطلوب من أجل تحقيق استقرار للوضع". ومع ذلك، ثمة إجماع بين خبراء روس على استحالة تعزيز روسيا دعمها للنظام السوري بشكل هام في ظل انشغالها بتصاعد حدة المعارك في أوكرانيا ومواجهتها غير المباشرة مع الغرب، وإنهاك إيران هي الأخرى بعد تقديمها دعماً لوكلائها في الشرق الأوسط على جبهتي قطاع غزة ولبنان لأكثر من عام كامل، مقرين في الوقت نفسه بأن انهيار خطوط الدفاع السورية فضلاً عن سقوط حلب جاء نتيجة طبيعية لسنوات من تدهور مؤسسات الدولة في بلد تمزقه حرب أهلية وتدخلات خارجية منذ أكثر من 13 عاماً.


مراد صادق زاده: لا أتوقع تأثيراً كبيراً لسقوط حلب على العلاقات الروسية التركية

في السياق، اعتبر رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، الأستاذ الزائر بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو مراد صادق زاده، أن الوضع الراهن وضمناً سقوط حلب ناجم عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سورية، التي تستنزفها العقوبات الأميركية مجتمعياً مع انشغال الداعمين الخارجيين الرئيسيين، موسكو وطهران، بمواجهتيهما في أوكرانيا والشرق الأوسط على التوالي. وأضاف صادق زاده في حديث لـ"العربي الجديد": "واجه الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة أزمة غير مسبوقة لم تسفر عن تراجع إنفاق الدولة على الاحتياجات الاجتماعية فحسب، وإنما الدفاعية أيضاً. شكلت العقوبات وقانون قيصر والتوتر المستمر عوامل استنزاف للبلاد وتهاوت معيشة السكان لأدنى مستوى، ما تسبب في خروج احتجاجات فئوية في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة دمشق في الصيف الماضي".

وأقرّ صادق زاده بأن تراجع الدعم الخارجي كان له هو الآخر دور في سقوط حلب وانهيار الجبهات، مضيفاً: "كان لدعم القوات الجوية الفضائية الروسية وحزب الله وغيره من المليشيات الموالية لإيران الدور في نجاحات الجيش السوري. أما الآن، فخفضت موسكو عدد عسكرييها في سورية، مركزة جهودها على مواجهة الغرب على الجبهة الأوكرانية، بينما انشغلت إيران ومحور المقاومة بلبنان وغزة، ما شكل فرصة ذهبية للجماعات المسلحة في إدلب لإشهار قوتها في وجه القوات السورية، ربما بدعم من لاعبين خارجيين مثل تركيا وحتى إسرائيل التي ربما تكون قد ساهمت في فتح جبهة جديدة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة".

وحول رؤيته لموقف موسكو من الوضع الراهن وتأثيره على العلاقات الروسية التركية، أوضح صادق زاده أن "موقف موسكو الرسمي لم يتغير منذ عام 2011 من جهة تمسكها بوحدة الأراضي السورية، وقد كثفت أعمال قواتها الجوية الفضائية، كونها ترى في ما يجري جبهة جديدة مفتوحة ضدها لنسف مصالحها. لكن تركيا نأت بنفسها هذه المرة عما يحدث ولا تدعمه في العلن رغم رفع بعض الفصائل أعلام تركيا. لذلك لا أتوقع تأثيراً كبيراً على العلاقات الروسية التركية أو حتى على إطار أستانة، نظراً لإثبات موسكو وأنقرة مراراً قدرتهما على تجاوز الخلافات". وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد وجه قبل نحو شهر انتقادات إلى تركيا على خلفية استمرار التعاون العسكري - التقني بين أنقرة وكييف، معتبراً إياه مثيراً للدهشة على خلفية تصريحات السلطات التركية بشأن استعدادها للمساعدة في تسوية الأزمة الأوكرانية، في مؤشر جديد لتباين المواقف الروسية والتركية حيال مختلف الملفات.

من جهته، أقرّ الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف بعجز دمشق عن إجراء الإصلاحات وحل الأزمات التي تواجهها، لا سيما على ضوء تراجع الدورين الروسي والإيراني. وأضاف سيميونوف في حديث لـ"العربي الجديد": "أظهرت الحكومة السورية عجزاً كاملاً عن إجراء الإصلاحات والتوصل إلى الحلول اللازمة، بما في ذلك في قطاع الجيش. لم يتم منذ عام 2020 فعل شيء لتحسين حالة قوات الجيش السوري التي بلغت مرحلة التفكك". ورأى سيميونوف أن الضربات الإسرائيلية على مواقع وكلاء إيران في لبنان وسورية ساهمت في نشوب الوضع الراهن، مضيفاً: "أضعف ذلك القوات السورية، ما أدى إلى سقوط حلب التي تعتمد على التشكيلات الموالية لإيران. كانت هذه الوحدات هي الأكثر كفاءة، بينما فرت المجموعات الأخرى من مواقعها لمجرد تعرضها لهجمات". وخلص إلى أن الاختراق على الجبهة ربما يكون قد شكل مفاجأة حتى على الفصائل المسلحة نفسها، مشككاً في الوقت نفسه في قدرتها على إدارة أمور مدينة كبرى بمساحة حلب.


كيريل سيميونوف: لم يتم منذ عام 2020 فعل شيء لتحسين حالة قوات الجيش السوري

انتقادات روسية للأسد

وأثار تقدم فصائل المعارضة في حلب تفاعلاً واسعاً على الشبكات الروسية للتواصل الاجتماعي ولم يُسلم الأسد من الانتقادات، إذ وصف المحلل العسكري والضابط السابق فلاديسلاف شوريغين الوضع الراهن بأنه "متلازمة الوقوع في المستنقع" من جهة بدء حرب ثانية في أوكرانيا قبل إنهاء الأولى في سورية، ملخصاً المشكلة في أن "هزيمة في إحداهما تُفقد النجاحات في الأخرى قيمتها". وأقر شوريغين، البالغ عدد متابعي قناته على "تليغرام" أكثر من 160 ألفاً، بأن روسيا لا يمكنها زيادة عدد قواتها في سورية نظراً لاحتياجها إلى قوات في أوكرانيا وإغلاق تركيا مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية، وهو ما لا يترك لموسكو سوى تعزيز الغطاء الجوي للوحدات الإيرانية التي وصفها بأنها "اللاعب العسكري الرئيسي في المنطقة". ورأى أن المشكلة الرئيسية هي "اضمحلال سلطة الأسد في حد ذاتها"، والذي لا تملك حكومته أموالاً وموارد لإعادة إعمار البلاد. وخلص إلى أن الولايات المتحدة هي المنتصر الحقيقي في الحرب السورية، نظراً لسيطرتها على المناطق الثرية بالنفط والتي لا آفاق لسورية اليوم من دون استردادها.

وبموازاة تقدم الفصائل في حلب، انتشرت في الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الأنباء حول قيام الأسد بزيارة غير معلنة إلى موسكو، ولكن بيسكوف رفض التعليق على ذلك بالقول "ليس لدي ما أقوله بشأن هذه المسألة"، مكتفياً بوصف ما يجري حول حلب بأنه "اعتداء على سيادة سورية". أما لافروف، فأجرى في 30 نوفمبر الماضي، اتصالين هاتفيين مع نظيريه التركي هاكان فيدان والإيراني عباس عراقجي، لبحث تطورات الوضع في حلب وإدلب.

المساهمون