سفير بوتين لسياسة "الأرض المحروقة".. التاريخ الدموي للجنرال سوروفيكين في سورية

12 أكتوبر 2022
ستواجه الحرب في أوكرانيا العديد من التغيرات وربما يكون العنف الدموي هو أبرزها (Getty)
+ الخط -

يشير قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين قائداً لعمليات الجيش الروسي في أوكرانيا إلى الكثير، لكن أكثر ما يدل عليه هو أنّ بوتين يذهب إلى الخيارات الأكثر دموية وعنفاً في سياق حربه ضد أوكرانيا، خصوصاً بالنظر إلى تاريخ سوروفيكين الدموي والعنيف في مواضع عدة أمنياً وعسكرياً، آخرها كان دوره كقائد لعمليات القوات الروسية في سورية. 

منذ الإعلان عن تعيين سوروفيكين، بدأت الضربات تتوجه نحو مراكز المدن المأهولة بالسكان في أوكرانيا، لا سيما العاصمة كييف، وذلك يعيد إلى الأذهان ما حدث في سورية، حين استخدمت روسيا سياسة "الأرض المحروقة" عبر سلاح الجو لفتح الطريق أمام قوات النظام السوري والمليشيات المرتبطة بروسيا وإيران للاستيلاء على المدن والبلدات، وإجبار المدنيين على الخروج منها قبل قوات المعارضة. 

تاريخ دموي في سورية

تشير المعلومات إلى أنّ الجنرال سيرغي سوروفيكين كان مشرفاً على عمليات القوات الروسية في حلب بنهاية عام 2016، والتي دمرت الأحياء الشرقية منها لإجبار السكان على النزوح والهرب من الموت المحتم والضغط على قوات المعارضة، التي وجدت نفسها مجبرة على الانسحاب. 

خلف القصف الروسي مئات القتلى من المدنيين ونزوح الآلاف من أبناء الأحياء الشرقية من حلب، التي كانت تسيطر عليها المعارضة منذ العام 2012، وبقيت هذه الأحياء شبه خاوية، تسود فيها كتل الدمار الهائلة التي خلفها القصف الجوي الروسي وقصف النظام المدفعي والجوي، وأعلن الروس والنظام السوري انتصارهم ودخول حلب على أطنان أنقاض الأبنية المدمرة وشلالات الدم. 

النجاح في السيطرة على حلب ضمن هذه السياسة، ربما يكون قد دفع بوتين ووزارة الدفاع الروسية لتعيين سوروفيكين قائداً للعمليات العسكرية الروسية في سورية، وذلك في مارس/آذار من العام 2017، ولم تكن مصادفة أن تتطابق ولادة مسار أستانة، الذي اخترعته روسيا وضمت إليه إيران وتركيا، قبل شهرين من تعيين الجنرال سوروفيكين. 

هذا المسار، الذي لا يزال قائماً، ويأخذ صبغة عسكرية ميدانية للخروج بتسوية في سورية، وذلك بالقفز على المسارات الأممية، كان من شأنه أنّ يسهل توسع سيطرة النظام باستعادة معظم المناطق التي خسرها مع بداية الحرب وحتى ما قبل التدخل الروسي، لا سيما في محيط دمشق ودرعا وحمص وإدلب ومحيطها وريف حماه وأجزاء من ريف اللاذقية. 

اخترعت روسيا، من خلال هذا المسار، ما عرف بـ"مناطق خفض التصعيد الأربع"، في الجولة الرابعة من المسار، وتحديداً في مايو/أيار من العام 2017، وهي: الغوطة وريف دمشق، درعا ومحيطها، حمص ومحيطها، وإدلب ومحيطها، التي تضم كامل إدلب وأرياف حلب الغربية والجنوبية وحماه الشمالية والغربية وجزء من ريف اللاذقية الشرقي، وهذه المنطقة تعرف بـ"بمنطقة خفض التصعيد الرابعة". 

سقطت المناطق الثلاث الأولى تباعاً بفعل المراوغة الروسية والضغط العسكري والقصف بذرائع مختلفة، منها استعمال مكافحة الإرهاب وبدء المعارضة بعمليات الخرق، وطرحت موسكو عبر قيادات قواتها العسكرية في سورية عمليات التسويات في ريف دمشق ودرعا وحمص، وفي النهاية، آلت السيطرة لها وللنظام، وخلال ذلك دمرت بلدات في الغوطة بدمشق، وقضى الكثير من المدنيين بفعل عمليات القصف الجوي الروسي، وكان من بين المجازر التي وقعت في ذلك الوقت تلك التي أحدثها قصف مدينة دوما بالسلاح الكيميائي في إبريل/نيسان من العام 2018. 

تعين سوروفيكين نقطة تحول في المعركة

في إدلب ومحيطها، كان إبريل/نيسان من العام 2017، أي بعد شهر من تعيين سوروفيكين، نقطة تحول في سياق السيطرة على المحافظة أو المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، حيث أقدمت طائرة على قصف مدينة خان شيخون، جنوب إدلب، بالسلاح الكيميائي، ما أودى بحياة حوالي 100 مدني. ورغم أن الاتهامات صوبت نحو النظام بتنفيذ المجزرة، إلا أنّ الهيمنة الروسية على القرار العسكري والسياسي للنظام وضع روسيا إلى اليوم في مرمى الاتهام. 

منتصف عام 2018، بدأت روسيا بقصف المدن والبلدات في "منطقة خفض التصعيد الرابعة" بشكل عنيف، ما أظهر نيتها بالتوغل فيها. ورغم توقيع اتفاقية سوتشي في سبتمبر/أيلول من العام ذاته، والتي تفيد بإشراف تركيا على المنطقة من خلال نقاط مراقبة ونشر قوات للجيش التركي، إلا أنّ روسيا راوغت وقفزت على الاتفاقية، وبدأت منذ ربيع العام 2019 عمليات واسعة، عنوانها سياسة الأرض المحروقة، والتي خلفت سقوط مساحات واسعة في أرياف حماه الشمالية والغربية وريف إدلب الجنوبي والشرقي وريفي حلب الجنوبي والغربي بيد النظام والمليشيات المرتبطة بقاعدة حميميم الجوية الروسية، وانتهت المعارك بعد قمة موسكو بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في 5 مارس/آذار من العام 2020، بعدما باتت المواجهة مباشرة بين القوات التركية والنظام. 

تشير التقديرات إلى أنّ الهجمات الأخيرة فقط على مدن وبلدات "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، أي إدلب ومحيطها، أدت إلى فرار حوالي مليونين وثلاثمئة ألف مدني، بعدما تركوا منازلهم تحت وابل القصف، لتصبح المنازل عرضة للنهب والتفكيك حتى اليوم من قبل قوات النظام والمليشيات المرتبطة بروسيا، وذلك عدا عن عمليات التهجير القسري التي قادتها روسيا في كل من ريف دمشق ودرعا وأرياف حمص. وقبل النزوح، وقع المئات من القتلى والمصابين نتيجة سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها روسيا تمهيداً للسيطرة. 

كل ما ذكر يعتبر الجنرال سيرغي سوروفيكين مسؤولاً عنه بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال قيادته للعمليات في سورية منذ ربيع العام 2017، كما والإشراف على بعض العمليات في البلاد ما قبل هذا التاريخ. وقبل سورية كان لسيرغي سوروفيكين دور كبير في حروب أهلية تدخلت فيها روسيا، على غرار طاجيكستان والشيشان بالإضافة للحرب الأفغانية، وهذا ما يجعل سير الحرب في أوكرانيا أمام مفترق طرق، ربما سيكون العنف المضاعف أحد أشكاله.

المساهمون