سعيّد يقود تونس إلى المجهول

06 ابريل 2022
طلب سعيّد ملاحقة النواب الذين شاركوا بجلسة الأسبوع الماضي (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

في وضع متوتر تعيشه تونس، وملاحقات قضائية لنواب قد تصل إلى السجن، وأزمة اقتصادية تتصاعد يوماً بعد آخر، وبروز شبح الإقصاء وربما العزل السياسي، وحالة انقسام شديدة عمّقتها قرارات وتوجهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، تدخل البلاد في نفق مظلم بخطى متسارعة.

ويحاول الرئيس إعطاء انطباع بأن هناك إجماعاً حوله، لكسر العزلة الداخلية التي تواجهه في ظل المعارضة الواسعة له، وخلق أمر واقع يمضي عنوة إلى استفتاء على قاعدة الاستشارة الإلكترونية وانتخابات نهاية العام، أي فرض الأجندات التي أعلن عنها وعدم التراجع عن أي تفصيل فيها.

هذا الوضع يطرح تساؤلاً حول قدرة الطيف السياسي المعارض لسعيّد على تجاوز خلافاته والذهاب نحو جبهة سياسية موحدة، تُسقط الخريطة التي يعمل عليها الرئيس على قياسه وبإقصاء الآخرين.

سعيّد يقصي خصومه من الحوار

ويصر سعيّد على أن "الحوار لن يكون مع كل من نهب مقدّرات الشعب ونكّل به، أو حاول الانقلاب على الدولة والمسّ من استمراريتها ووحدتها"، كما أكد قبل أيام. ما يعني أن كل الأحزاب التي شاركت في جلسة البرلمان التي عُقدت في 30 مارس/ آذار الماضي لن تشارك في هذا الحوار بسبب انخراطها في ما يعتبره سعيّد انقلاباً، وبحكم أن هؤلاء النواب ملاحقون أمام القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة.

هذا الموقف جدده رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، جمال مسلم، إثر لقائه بسعيّد، مساء الإثنين، إذ قال إن "الحوار المنتظر سيشمل كل القوى المدنية الوطنية، ويمكن أن يشمل الأحزاب التي ليس لها ماضٍ في العشرية الأخيرة ولم تساهم في الوضع السيئ للبلاد ولا تتحمّل مسؤولية الوضع الراهن".

يصر سعيّد على أن الحوار لن يكون مع كل من نهب مقدّرات الشعب ونكّل به، أو حاول الانقلاب على الدولة

ولا أحد يفهم كيف سيُدار حوار بإقصاء جزء كبير من الأحزاب، وما هي أهميته وتأثيره الفعلي على الشارع، وهل ستُفرض مخرجاته على الأحزاب الأكثر تمثيلية في الشارع، ويكون حواراً شكلياً أجوف على المقاس؟

وللإشارة فإن أغلب الأحزاب الكبرى شارك نواب منها في الجلسة البرلمانية يوم الأربعاء الماضي، وهي: "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"التيار الديمقراطي" و"تحيا تونس" و"الاتحاد الشعبي الجمهوري" وحركة "أمل وعمل" وحزب "الراية الوطنية" وحزب "الإرادة الشعبية"، إضافة إلى مستقلين.

سعيّد مصرّ على فرض أجندته في تونس

وعن ذلك، رأى القيادي في حركة النهضة، محمد القوماني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سعيّد "يصر في كل مناسبة على الحديث عن الحوار، ولكنه حوار لا ينتمي للمفهوم الذي نعرف، وهو لا يستمع إلى الغير، وعاجز عن محاورة غيره". واعتبر أن "سعيّد يريد حواراً أساسه الاستشارة الوطنية التي يكاد يجمع الجميع على فشلها بعد أن أحجم التونسيون على المشاركة فيها، وسجلت نحو 500 ألف مشارك من بين 12 مليون تونسي".

ولفت إلى أن "الحوار مجرد كلمة لدى رئيس الجمهورية من دون أي مقومات، في حين أن الحوار معروف لدى الجميع بأنه مباشر وتشاركي، وقد عشنا هذه التجربة في 2013"، مضيفاً "لكن خلال 8 أشهر من الحكم الفردي لم يستقبل سعيّد رؤساء أحزاب وهو لا يعترف بالطبقة السياسية، وحتى جلساته مع المنظمات الوطنية هي شكلية وللصورة فقط ولا وجود لأي مؤشرات بأنه يتجه إلى حوار حقيقي كما يفهمه التونسيون والعالم".

ورأى القوماني أن "قرار سعيّد حل مجلس النواب وإعطاء التعليمات لوزيرة العدل بملاحقة النواب الذين شاركوا في الجلسة العامة يوم 30 مارس هي خطوة أخرى للهروب للأمام، ولكنها لن تخيف النواب ولن تحل المشاكل".

وأضاف: "توظيف القضاء ضد الخصوم جُرب سابقاً في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وفشل، والنواب المحالون على العدالة ما زالوا على الموقف نفسه، ولن يخافوا ولن يتخلفوا عن أداء واجبهم الذي أقسموا عليه، فهم منتخبون ولا تنتهي ولايتهم إلا بمجلس نواب جديد منتخب في إطار نزيه، وإن كان سعيّد لا يخاف الانتخابات فعليه الذهاب إلى انتخابات مبكرة تشريعية ورئاسية".

القوماني: سعيّد خرق الدستور، ولا بد من العودة إلى الشرعية من خلال الانتخابات لأن هذا هو الطريق الوحيد

وأشار إلى أن "سعيّد خرق الدستور، ولا بد من العودة إلى الشرعية من خلال الانتخابات لأن هذا هو الطريق الوحيد، وما عدا ذلك فإصرار على العناد ومزيد تأزيم الوضع في ظل حالة الشلل التي تعيشها البلاد، فليست دواليب الدولة فقط التي تعاني الركود، بل كل دواليب الحياة". وأضاف "إذا لم يتم فهم الدروس فقد تسير الأمور لا قدّر الله نحو اتجاهات أخرى لا أحد يريدها لتونس".

واعتبر أن "سعيّد لا يلتزم بأي قانون، وإنما فقط بما يراه ضمن أجندته، ولكن هذا الأمر لن يقبله التونسيون"، قائلاً إن "البلاد تتجه بخطى متسارعة نحو لحظة تغيير، والمؤشرات الداخلية والخارجية تقول إما مراعاة الزمن السياسي والإسراع نحو حل بأيدينا، أو الذهاب مكرهين نحو وضعيات لا يتمناها أحد لبلده".

سعي لجبهة سياسية موحدة لإنقاذ الديمقراطية

ويذهب رئيس الهيئة السياسية لحزب "أمل"، أحمد نجيب الشابي، في الاتجاه نفسه، قائلاً إن البلاد "تسير نحو المجهول". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "أي محاولة للإنقاذ لا تتطرق إلى الإصلاحات الاقتصادية الكبرى والإصلاحات السياسية لن تقود إلى مَخرج للبلاد".

وأوضح الشابي أن "الإطار الأوحد للخروج من الأزمة يكون عبر حوار وطني ينتهي إلى مخرجات تقود إلى حكومة إنقاذ وطني"، مبيناً أن كل العوامل "تدفع نحو توحيد الطيف السياسي وتجاوز الفرقة والذهاب نحو جبهة سياسية موحدة وهذا ما يتم العمل عليه، أي جبهة تضم كل القوى والعودة إلى الديمقراطية التمثيلية لإنقاذ تونس، لأن الحاجة ملحّة اليوم إلى حكومة وبرنامج إنقاذ أمام استفحال الأزمة الاقتصادية".

الشابي: كل العوامل تدفع نحو توحيد الطيف السياسي والذهاب نحو جبهة سياسية موحدة وهذا ما يتم العمل عليه

أما العميد الأسبق للمحامين، عبد الرزاق الكيلاني، فرأى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "توحيد الصفوف ممكن، والدعوة اليوم موجهة لكل القوى الديمقراطية الحرة بأن تتوحد أمام الخطر الداهم". وحذر من أن "الخطر هو الحكم الفردي" وأنه "بعد 25 يوليو/ تموز الماضي وحل المجلس الأعلى للقضاء وحل البرلمان والاستحواذ على السلطة التنفيذية، دخلت البلاد حقيقة في خطر، وعلى القوى الديمقراطية المؤمنة بدولة القانون والمؤسسات أن تتوحد من أجل التصدي له".

ولفت إلى أن "المخرج من هذا الوضع يكون بالرجوع إلى الشرعية، فهي الحل الوحيد لوضع البلاد على السكة ولكي تعود الطمأنينة للتونسيين وللمستثمرين سواء من الداخل أو الخارج، ويسترجع الشعب حريته".

المساهمون