سعيّد ومشروع النظام الرئاسي عبر دستور جديد: مخاوف تونسية من شبح الاستبداد

23 يونيو 2022
سعيّد مستقبلاً بودربالة في قصر قرطاج (الرئاسة التونسية/فيسبوك)
+ الخط -

تزايدت المخاوف من الانحراف بتونس نحو نظام استبدادي وتسلطي، مع توجه الرئيس قيس سعيّد إلى طرح نظام رئاسي في مشروع الدستور الجديد، المعروض للاستفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل.

وكشف رئيس اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالهيئة الاستشارية لتونس الجديدة، عميد المحامين إبراهيم بودربالة، أن مسودة "الدستور الجديد تنص على نظام رئاسي ووزير أول يختاره رئيس الدولة، حيث لم يعد هناك رئيس حكومة''، مشيراً إلى أن ''النظام السياسي سيكون رئاسياً لا رئاسوياً''.

وتابع بودربالة في حديث إذاعي قوله: ''رئيس الجمهورية هو من يعيّن الوزير الأول الذي سيحظى بموافقة البرلمان، وسيتم اختياره بناء على توافق تام بين الكتل البرلمانية''.

وأفاد بأنّه "تم إقرار صلاحيات لمجلس نواب الشعب تتمثل في صلاحية المراقبة لعمل الحكومة المسؤول عنها رئيس الدولة الذي اختارها، وصلاحية المساءلة والاستجواب حول هذا الاختيار''.

وحول حديث الرئيس سعيّد عن استبدال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بوظائف في الدولة، بين بودربالة أنّ "هذه الرؤية تعني أنّ كل المسؤولين موظّفون لدى الدولة مهما علا شأنهم، وأن السلطة يمارسها الشعب سواء عبر البرلمان أو المراقبة المباشرة وبالتالي سيكون للدولة الدور المحوري".

وبين أبو دربالة أن "مسودة الدستور تتضمن 140 فصلاً و12 باباً تقريباً"، وأنه اطلع على مسودة الدستور لدقائق، قبل تسليمها للرئيس سعيّد الإثنين الماضي، معتبراً أن للرئيس وحده الحق في نشر هذا المشروع من عدمه.

ويتجه الرئيس سعيّد إلى طرح نظام رئاسي في دستور الجمهورية الجديدة، كما يطلق عليها، بنظام خصوصي قال عنه رئيس اللجنة الاستشارية، العميد الصادق بلعيد إنه "نظام تونسي صميم".

وعرفت تونس بعد حكم آخر البايات الحسينيين نهاية الملكية، واستبدالها بالجمهورية في العام 1957، ليستمر النظام الرئاسي 54 عاماً تداول خلالها رئيسان فقط، حيث حكم الحبيب بورقيبة 30 عاماً بعدما كرس نظام الحكم مدى الحياة، ثم انقلب عليه زين العابدين بن علي في العام 1987، ليحكم بدوره 24 عاماً بعد تعديله الدستور في 2002، وحذف عدد المدد الرئاسية.

وأطاحت الثورة التونسية ببن علي في 14 يناير/كانون الثاني لتنهي حقبة من الاستبداد عبر نظام رئاسي جثم لأكثر من 5 عقود، وانتقلت البلاد إلى نظام مجلسي (برلماني مؤقت) بين 2011 و2014، انتخب معها المجلس الوطني التأسيسي المنصف المرزوقي رئيساً للبلاد.

وأسس دستور 2014 لنظام برلماني مختلط مع سلطة تنفيذية برأسين، موزعة بين رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب كما البرلمان، فيما يصادق البرلمان على الحكومة التي يختارها الحزب البرلماني الأكثر من حيث عدد المقاعد في الانتخابات.

تحليلات
التحديثات الحية

وعاشت تونس تداولاً سلمياً على الرئاسة منذ 2014 في انتخابات أشادت المنظمات الرقابية والملاحظون الدوليون بنزاهتها، وعقب فترة رئاسة الباجي قائد السبسي (2014-2019) تم انتخاب الرئيس قيس سعيّد.

واعتبر رئيس اللجنة التأسيسية التي صاغت النظام السياسي في دستور عام 2014، عمر الشتوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تخوف الأحزاب والمنظمات والخبراء من استعمال نافذة النظام الرئاسي في مشروع سعيّد الجديد مفهوم وطبيعي باعتبار هاجس عودة الاستبداد عبر مشروع الدستور الجديد".

وفسر أستاذ القانون ورئيس لجنة السلطة التنفيذية والتشريعية والعلاقة بينهما في المجلس التأسيسي، أن التونسيين يستحضرون دائما 5 عقود من الاستبداد قبل اندلاع ثورة 2011، وكل المساوئ التي عاشتها تونس خلال نظامي بورقيبة وبن علي بسبب تحول الحكم من الرئيس المنتخب إلى العائلة وخصوصا زوجات الرئيسين السابقين وأصهارهما".

وتابع الشتوي أن هذا النظام "هو بوابة الرئاسة مدى الحياة كما فعل بورقيبة أو عبر تجديد الولاية إلى ما لا نهاية بالاعتداء على الدستور كما فعل بن علي، كما أن النظام الرئاسي له خصوصيته في العالم الثالث فهو الأسهل نحو تزوير الانتخابات، كما فعل بن علي بتدجينه المنظمات والإعلام والمجتمع المدني لشرعنة تزوير النتائج".

وبين الشتوي "أننا نعيش اليوم في نموذج لحكم رئاسي فردي بشكل يقضي على كل المؤسسات لبسط سلطته على كل السلطات".

وبين الشتوي أن مشروع الدستور الجديد لا يبشر بخير "فقد انطلق بالضحك على ذقون التونسيين عبر لجنة انسحب أعضاؤها قبل بدايتها ولا نعلم من صاغ الدستور، كما أنه بالنسبة للجنة الاستشارية الاقتصادية لم يطلع أي منهم على المسودة بما يؤكد أن المسألة صورية وفلكلورية ومشهدية لا أكثر".

وشدد الشتوي أنه لا يمكن مقارنة دستور 2014 الذي كتب في 3 سنوات من النقاشات داخل المجلس وخارجه بمشاركة واسعة مع دستور كتب في أسبوعين، وإلى اليوم لم يطلع عليه أحد إلا صاحب المشروع "الذي يتحدث عن ديمقراطية وتشاركية وحوار، لم نفهم أين هي".

وأضاف أن "ما يحدث باختصار هو بمثابة سلطان أو باي أو ملك سيمنح شعبه دستورا لا يعلم الشعب محتواه بما يعيدنا إلى مستوى ما قبل دستور 1860"، مؤكداً "أن القانون الدستوري ينص على مبدأ عدم التقهقر الدستوري فلا تجدر العودة إلى قواعد بالية أظهرت مساوئها، كما لا يجوز التخلي عن ضمانات وبنود بانت جدواها وفاعليتها".

وبينت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي، لـ"العربي الجديد" أن الخشية من تحول نظام الحكم إلى نظام رئاسي استبدادي هي وليدة التركة التاريخية التي عاشتها البلاد، مشيرة إلى أن الإشكال لا يكمن في النظام الرئاسي الجمهوري الديمقراطي بل في الممارسة والتلاعب بالنصوص وتجاوز الدساتير.

وأضافت أن "الطيف السياسي والحزبي والمدني متخوف من الاتجاه نحو النظام الرئاسي، دون ضمانات تسمح بتركيز جميع السلط أو الوظائف بين يدي رئيس الجمهورية".

وأوضحت أستاذة القانون الدستوري، أن النظام الرئاسي هو "نظام توازن مطلق بين السلط لكنه يحتوي على مخاطر عديدة وأهمها الانحراف بهذا النظام إلى نظام رئاسوي وهو ما أثبتته التجربة، ولهذا لا بدّ من إرساء ضوابط واضحة حتى لا يتم تحويله إلى نظام رئاسوي"، على حد تعبيرها.

وختمت بأنّ هناك آليات لضمان ذلك "عبر إرساء نظام مسؤولية سياسية وأن يحاسب رئيس الجمهورية على أفعاله في حال تجاوز صلاحياته، فضلًا عن إرساء محكمة دستورية تكون بمثابة السلطة التعديلية في مراقبة دستورية القوانين وفي مراقبة السلط السياسية". 

تزايدت المطالب بكشف مسودة الدستور الذي يتجه سعيّد لطرحه على التونسيين في الاستفتاء. 

وقال رئيس كتلة حزب التكتل في المجلس التأسيسي سابقاً، مولدي الرياحي، على حسابه في فيسبوك: "السيد رئيس الجمهورية، من واجبك أن تتولى نشر مقترح مشروع الدستور، نحن مواطنون ولسنا رعايا.. ومن حقنا أن نعرف ونواكب ونطرح آراءنا".

تكثيف المقاطعة 

دعت الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء، يوم الخميس، إلى مقاطعة الاستفتاء باعتباره حلقة من حلقات الانقلاب ومحاولة لتركيز نظام استبدادي.

ونظمت الحملة الوطنية (أحزاب: "الجمهوري"، و"التيار الديمقراطي" و"التكتل" و"العمال" و"القطب") وقفة أمام مقر التلفزة الوطنية بالعاصمة، الخميس، مبينة أنه لا مجال لمواصلة الحكم الاستبدادي.

وأكد الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد " أن رفضهم المشاركة في الاستفتاء هو رفض للمسار ككل باعتباره انقلاباً والمشاركة تعني قبول الانقلاب والاعتراف به.

ولفت إلى أنهم لا يقرون بأهلية سعيد للتأسيس لجمهورية ثانية وكتابة دستور جديد بصفة فردية وفي غرف مغلقة، مبيناً أن المناخ ككل لا تتوفر فيه شروط الشفافية والنزاهة بل يتسم بالاحتقان الاجتماعي  والسياسي.

وتابع مؤكداً أن المناخ تضيق فيه الحريات ويُحاكم فيه مخالفو الرأي، مشيراً إلى محاولات لوضع اليد على القضاء وتصفية الخصوم السياسيين، وتحويل هيئة الانتخابات هيئة رئاسية للانتخابات. 

وأفاد الشابي أن سعيد سيعلن عن  جمهوريته الجديدة بقطع النظر عن نسب المشاركة، مؤكداً أنه لم يطرح سقف أدنى للمشاركة، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا شركاء زور، فالمناخ ليس مناخ منافسة انتخابية، ولا تنظيم استفتاء بل مجرد مبايعة لنظام استبدادي جديد.

وحول تحركاتهم القادمة، بين أنهم بصدد تنظيم مسيرة احتجاجية، السبت، في محافظة سوسة، تعبيراً عن رفضهم لهذا المسار، ومطالبة بمقاطعة الاستفتاء. 

قال الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي، إن هيئة الانتخابات أقصت من الحملة الأحزاب المعارضة للانقلاب، خاصة المقاطعة للاستفتاء، موضحاً أنه لا مجال لتدجين الإعلام العمومي، ولابد من إعلام يعكس الاختلاف والتنوع، فالتونسيون ضحوا بدمائهم من أجل الحريات، ولا مجال للعودة للوراء .

وأضاف أن هناك عدة خيارات، لكن خيار مقاطعة الاستفتاء من قبل أحزاب الحملة الوطنية يأتي لأنه لا توجد أي ضمانات، ولا مصداقية للتصويت، ولا توجد أي عتبة للمشاركة، ولا هيئة مستقلة. عينت الهيئة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد لخدمة الاستفتاء.

وتابع أن وزارة الداخلية غير محايدة وأغلب المحافظين والمعتمدين عُينوا حديثاً، وكل شيء جاهز لتمرير الاستفتاء.

الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، أكد أن وقفة اليوم رمزية في ظل محاولات إبعاد أي صوت معارض لمشروع قيس سعيد، مؤكداً أنهم ضد محاولات تدجين الإعلام العمومي وتحويله إلى بوق دعاية للنظام.