رجحت مصادر دبلوماسية مصرية رسمية، أن تقبل القاهرة دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، بالدخول مرة أخرى في مفاوضات سد النهضة، بعد فترة توقف زادت عن 16 شهراً، منذ آخر اجتماع عقدته مصر وإثيوبيا والسودان في عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية كينشاسا، في إبريل/ نيسان 2021.
ويأتي التطور الجديد ذلك بعد إعلان أديس أبابا اكتمال الملء الثالث للسد، وفي ظل تغيير طرأ في استراتيجية مصر في التعامل مع أزمة المياه، تمثل في تعيين هاني سويلم وزيراً جديداً للموارد المائية والري، وجل خبرته في مجال التعامل مع "ندرة المياه".
وجاءت دعوة أبي أحمد إلى كل من مصر والسودان لاستئناف المفاوضات، بعد إعلان أديس أبابا اكتمال عملية الملء الثالثة للسد بنجاح الأسبوع الماضي، وفي الوقت الذي قال فيه نائب مدير مشروع سد النهضة الإثيوبي بلاتشو كاسا، في تصريحات صحافية إن التعبئة الثالثة للسد "لم تُلحق ضرراً بأي دولة".
ترجيحات بقبول مصر دعوة إثيوبيا
وقال دبلوماسي مصري مطلع على ملف أزمة السد في وزارة الخارجية المصرية، لـ"العربي الجديد"، إن "أديس أبابا ظلت تماطل طوال الفترة الماضية، حتى تصل إلى هدفها المتمثل في إكمال الملء الثالث للسد، ثم بعد ذلك تعرض المفاوضات، على أساس الوضع الجديد".
ورجح أن "تقبل القاهرة العودة إلى المفاوضات، على أمل إقناع أديس أبابا بالتوقيع على البروتوكول الفني الشامل حول قواعد ملء وتشغيل السد". لكنه استبعد في الوقت ذاته قبول إثيوبيا بتوقيع اتفاق جديد.
من جهته، قال مصدر بوزارة الموارد المائية والري في مصر، إن "إكمال أديس أبابا عملية الملء الثالث لبحيرة السد، منحها ثقة في النفس، وجعلها تسمح للمراسلين الصحافيين بالبث الحي من أمام سد النهضة، وإظهار تدفق المياه من الممر الأوسطي في السد، والذي يعتبر مؤشراً على استكمال التعبئة".
مصدر مصري: بعد اكتمال ملء السد لم تعد إثيوبيا تخشى شيئاً
ولفت المصدر، الذي كان ضمن مجموعة عمل تولت الجوانب الفنية في الملف منذ خمسة أعوام، إلى أنه "حتى وقت قريب، كانت أديس أبابا تعتبر منطقة سد النهضة منطقة شبه عسكرية، يحظر التصوير فيها، أو الاقتراب منها، لكن بعد اكتمال الملء، لم تعد إثيوبيا تخشى شيئاً، ولذلك سمحت بالتصوير وإظهار نجاحها، ودعت مصر والسودان إلى العودة للمفاوضات مجدداً".
وكانت مصر قد أعلنت في 6 إبريل 2021، فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد حافظ، إن "المفاوضات لم تحقق أي تقدم ولم تفض إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات، إذ رفضت إثيوبيا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية، تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الأفريقي للتوسط بين الدول الثلاث".
وأكدت الخارجية المصرية أن إثيوبيا رفضت كذلك خلال اجتماع كينشاسا "كافة المقترحات والبدائل الأخرى، التي طرحتها مصر وأيدها السودان، من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات، والمشاركة في تسيير المفاوضات وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية".
دبلوماسي مصري سابق، وخبير بالشؤون الأفريقية، قال إنه "في حال عادت مصر إلى المفاوضات بعد اكتمال الملء الثالث لسد النهضة، فسوف تدخل مرة أخرى في الحلقة المفرغة التي تدور فيها منذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، عام 2015، في الخرطوم".
وأكد أن إثيوبيا "لن تقبل بأي حال من الأحوال، توقيع اتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، كما تنادي كل من مصر والسودان، لأن اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعت عليها مصر، لا تحتوي على أي نص، يجبر إثيوبيا على التوقيع على مثل هذا الاتفاق".
تدفق المياه من سد النهضة
وكان خبير الموارد المائية المصري عباس شراقي، قد أكد بدء تدفق المياه من الممر الأوسط لسد النهضة، وبدء وصول مياه الفيضان إلى السد العالي في مصر.
وأشار شراقي إلى "توقف التخزين الثاني في سد النهضة في 11 أغسطس/آب الحالي"، مؤكداً "وصول المياه من إثيوبيا إلى السد العالي بعد حوالي 10 - 15 يوماً"، قائلاً إنه "بالتالي فإن أول مياه من النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 50 مليار متر مكعّب (60 في المائة) على وشك الوصول".
دبلوماسي مصري: إذا عادت مصر للتفاوض فستدخل في حلقة مفرغة
وقال شراقي في تصريحات نشرها على صفحته في "فيسبوك": "الطبيعي أن تصل مياه الإيراد الجديد في النصف الثاني من يوليو/تموز وأوائل أغسطس/آب من كل عام، ولذلك فإن العام المائي في وزارة الري يبدأ أول أغسطس من كل عام، إلا أن هذا العام تأخر وصول مياه النيل الأزرق أكثر من 40 يوماً بسبب التخزين في سد النهضة (1 يوليو - 11 أغسطس) الذي بدأت مياهه في الفيض من أعلى الممر الأوسط بعد مرور ما يقرب من نصف الموسم الذي يستغرق حوالي ثلاثة أشهر (يوليو - أغسطس – سبتمبر/أيلول)".
وأضاف: "الحمد الله الاحتياطي مطمئن في السد العالي رغم خسارة هذا العام 9 مليارات مكعب هي مقدار التخزين الثالث، ولكن ليس بسبب أمطار هذا العام، بل السنوات السابقة وسياسة الترشيد الشديدة، والتدابير التي قامت بها الحكومة بتكاليف باهظة مثل معالجة مياه الصرف الزراعي والتوسع في إنشاء الصوب الزراعية وتطوير الري وغيره".
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في تصريحات على هامش "ملتقى لوجوس الثالث للشباب 2022" في العلمين الجديدة، الاثنين الماضي: "إن الدولة أولت على مدار الفترة الماضية اهتماماً كبيراً بمشروعات معالجة المياه، في ظل أن المورد الرئيسي للمياه في مصر هو نهر النيل، فقمنا بإقامة مشروعات إعادة تدوير المياه للاستفادة من كل قطرة مياه"، مشيراً في هذا الصدد إلى "الاستفادة من مياه الصرف الزراعي التي كانت تُصرف في البحيرات والبحر المتوسط وإعادة معالجتها مرة أخرى والاستفادة منها".
وفي السياق قال مسؤول فني في وزارة الموارد المائية والري المصرية، إن الوزير الجديد هاني سويلم "بدأ فعلياً في وضع الخطوط العريضة لخطة شاملة لترشيد استهلاك المياه إلى أقل حد ممكن".
وأوضح المصدر أن "تعيين سويلم، جاء بسبب مجال تخصصه العلمي، وهو "الاستخدامات المحدودة للمياه"، وتحلية المياه، وهو ما يعني أن الدولة قررت تبني سياسة جديدة للتعامل مع أزمة سد النهضة، لا تراعي الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل".
وكانت الحكومة المصرية، قد دعت في يناير/ كانون الثاني الماضي، إثيوبيا إلى استئناف المفاوضات بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، مؤكدة "حرص مصر مجدداً على التوصل لاتفاق ملء وتشغيل ملزم قانونياً لاتفاق سد النهضة، بما يحقق المصالح المشتركة، أي الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصى استفادة ممكنة من سد النهضة، في مجال توليد الكهرباء وزيادة التنمية، في مقابل عدم حدوث ضرر لدولتي المصب (مصر والسودان)".