سد النهضة: خلافات في مجلس الأمن

08 يوليو 2021
تميل الأصوات في مجلس الأمن إلى اعتماد مقترح وزير الري السوداني (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، عن قبول مصر بشكل مبدئي مشروع القرار، أو البيان، الذي أعدته تونس، وعرضته على الدول الأعضاء الدائمين والحاليين بمجلس الأمن مساء أمس الأول بشأن سد النهضة الإثيوبي. ولكنها حاولت طوال الساعات الماضية، قبل عقد الجلسة المرتقبة اليوم لمناقشة القضية، أن تضيف إلى القرار عدة نصوص، لضمان وجود وساطة دولية واسعة دافعة للمفاوضات، انتهاء بالتوصل إلى اتفاق ملزم وشامل.
ويتضمن المشروع، الذي لم يعلن رسمياً حتى الآن، بحسب المصادر، ثلاثة بنود رئيسية، أولها دعوة مصر والسودان وإثيوبيا لاستئناف التفاوض بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة، للتوصل إلى اتفاق يضمن تحقيق التنمية في إثيوبيا وعدم وقوع ضرر جسيم على دولتي المصب. والبند الثاني أن تتوصل الدول الثلاث إلى الاتفاق الملزم النهائي خلال 6 أشهر. والبند الثالث أن تمتنع جميع الدول عن اتخاذ إجراءات أو تصرفات تقوّض التوصل إلى حل نهائي، بما في ذلك امتناع إثيوبيا عن الملء الثاني بصورة منفردة. وأضافت المصادر أن الولايات المتحدة تدعم بشدة المشروع التونسي، خصوصاً أنه شبه متطابق مع المبادرة الأميركية التي قدمها المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان للدول الثلاث في مايو/أيار الماضي. 

الولايات المتحدة تدعم بشدة المشروع التونسي بشأن السد

وأوضحت أنه توجد عدة خلافات داخل مجلس الأمن، لا سيما بين ممثلي واشنطن وبكين وموسكو، حول طبيعة الصورة التي ربما يخرج بها مثل هذا المشروع حال التوافق عليه، في شكل قرار أم بيان أو توصية. وحول هذه النقطة ثار خلاف بين الدول المنخرطة في الاتصالات والمقابلات في نيويورك، حول الشكل القانوني المفترض لمثل هذا التدخل. وتتجه معظم الأصوات، ومنها فرنسا الرئيس الحالي لمجلس الأمن، إلى أن يكون هذا التصرف تفعيلاً للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يجعل من صلاحيات مجلس الأمن تقديم توصيات ومساعدات للدول الأطراف في نزاع للتوصل إلى حل، وبموجب هذه الرؤية لن يكون القرار ملزماً. 
وأوضحت المصادر أن التوصية الأممية، حال صدورها، لن تتطرق إلى تفاصيل المفاوضات بعد استئنافها، وبالتالي سيتطلب الأمر اجتماعاً جديداً للدول الثلاث، تحت رئاسة الاتحاد الأفريقي وبحضور فريق الوسطاء الدوليين، الذي تحاول مصر حالياً توسيعه ليتم تحديد خريطة طريق للمفاوضات. وتميل الأصوات حالياً إلى اعتماد المقترح السوداني، الذي تحدث عنه باستفاضة في الساعات الماضية وزير الري السوداني ياسر عباس، المتواجد حالياً في نيويورك، بحيث يتم تقسيم المفاوضات إلى مرحلتين، أولاهما عاجلة تخص قواعد الملء ككل، والثانية تنتهي خلال الشهور الستة المذكورة سابقاً، للتوصل إلى اتفاق على جميع قواعد التشغيل والالتزامات القانونية الخاصة بفض المنازعات والتحكيم عند الخلاف.

وبحسب المصادر فإن مصر والسودان طلبتا من الاتحاد الأفريقي قائمة من الشروط الواجب توافرها لتفعيل هذا المقترح، الذي سيتم بموجبه القبول باستمرار الملء الثاني للسد حالياً دون مشاكل، والمعروف على المستوى الفني بأنه لن يكون سبباً في أي ضرر خلال الفترة الحالية. ولكن خطورته تكمن في أن إثيوبيا ستمسك بتلابيب التحكم في مياه النيل مستقبلاً دون شريك أو رقيب، متخذة من سابقة ملئها السد مرتين، بقرار سيادي، حجة للخروج عن أي اتفاق يمكن إبرامه مع مصر والسودان، وإقدامها على تغيير نسب التدفق ومعدلات التشغيل بين فترة وأخرى، أخذاً في الاعتبار استنادها الدائم لاتفاق المبادئ، الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015، الذي يجيز لها إعادة ضبط القواعد من وقت لآخر، وأن الإخطار المسبق الوحيد الذي تكلف به إثيوبيا، ضمن الاتفاق، هو إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.

التوصية الأممية لن تتطرق لتفاصيل المفاوضات بعد استئنافها

وتثير هذه النقطة مشكلة أخرى في المفاوضات والمشروع التونسي، وهي أن الدعوة لوقف الملء الثاني الآن لن تتحقق عملياً تحت أي بند. وأوضحت المصادر أن التطبيق العملي لهذه النقطة لن يتحقق إلا بتوجيه إثيوبيا خطاب جديد إلى مصر والسودان تحدد فيه بصورة دقيقة حجم المياه التي سيتم تخزينها يومياً، والأرقام المستهدفة حالياً، على ضوء حجم الإنجاز الواقعي الحالي في تعلية الممر الأوسط للسد، والتصرفات اليومية مع اعطاء ضمانات باستمرار تشغيل فتحتي تصريف المياه من السد لبحيرة سد الروصيرص حتى نهاية فترة الملء الثاني. ومن المشاكل التي تتسبب في حساسيات أيضاً بالنسبة لمصر في المشروع، والذي ربما يكون أقل مما تطمح إليه القاهرة لكنه سيكون مرضياً ارتباطاً بالظروف التي أحاطت بعقد الجلسة، هو أن النص يمكن تفسيره بصورة واسعة تمنع مصر من استخدام القوة في أي لحظة لوقف عمليات الإنشاء والملء، ولذلك تسعى القاهرة إلى تحرير النص، لتجعل المشروع سارياً فقط على الجوانب الفنية من الأزمة، دون أن تمتد للمصادرة على تصرفاتها المستقبلية.

واجتمع وزير الخارجية المصري سامح شكري في اليومين الماضيين مع جميع ممثلي الدول الأعضاء الدائمين والحاليين بمجلس الأمن، مؤكداً لهم حرص القاهرة على حل النزاع بالطرق الودية والسلمية، وعدم صحة الادعاءات الإثيوبية عن تهديد مصر لها عسكرياً، مطالباً بالمشاركة في وضع ضمانات حقيقية لالتزام الإثيوبيين بالمسار التفاوضي المثمر وعدم الالتفاف عليه.
كما قادت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي تحركات دبلوماسية في نيويورك لحشد التأييد لموقف بلادها من سد النهضة. وعقدت، أمس الأول، سلسلة من الاجتماعات، شملت سفراء الدول الدائمة بمجلس الأمن وغير الدائمين. وعبرت، في لقاء مع السفير الصيني تشانغ جون، عن تطلع الخرطوم لأداء بكين دورها المهم في المجلس لدعم اتخاذ خطوات تعزز المسار الأفريقي من أجل التوصل لاتفاق ملزم يراعي مصالح جميع الأطراف وفي فترة زمنية محددة. وأبلغت المهدي السفيرة البريطانية باربرا ودوارد أن السودان ظل يؤكد أهمية توصل الدول الثلاث المعنية بسد النهضة، إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن مصالحها. وأشارت إلى تطلع الخرطوم لمواصلة الاتحاد الأفريقي وساطته في موضوع سد النهضة، مع تعزيزها بمشاركة جهات دولية وإقليمية أخرى، وفق إطار زمني واضح ومحدد، لضمان وصول العملية إلى غاياتها المرجوة. ونقلت إلى سفير فيتنام دانغ دين كوي رؤية السودان لما يمكن أن يتخذه مجلس الأمن من قرارات تتمثل في رفض أي إجراء أُحادي يهدد أمن وسلامة الطرفين الآخرين. وأكد أعضاء المجموعة العربية المصغرة المعنية بمتابعة تنفيذ قرار مجلس الجامعة العربية المعتمد بالدوحة في 15 يونيو/حزيران الماضي دعمهم الكامل والمطلق لموقف السودان ومصر.

المساهمون