سبتمبر شهر مفصلي في إسرائيل... لهذه الأسباب

06 سبتمبر 2023
توقعات بعودة كبيرة للتظاهرات ضد التعديلات القضائية (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

المشهد السياسي في إسرائيل مليء بالتوترات ولو بدرجات غليان متفاوتة، وهناك شعور عام بفقدان هيبة ورهبة الدولة ومؤسسات الأمن الداخلي، خصوصاً لدى الشرطة الإسرائيلية تحت قيادة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، كما توضح أحداث الأسبوع الأخير، إذ تتحول كل تظاهرة احتجاج إلى أعمال عنف وصدام مع الشرطة.

هكذا كان مع تظاهرات المهاجرين من إثيوبيا الذين أغلقوا شارع "ايالون" المركزي في تل أبيب، احتجاجاً على تقديم لائحة اتهام مخففة ضد سائقة متهمة بقتل طفل إثيوبي دهساً؛ وهكذا كان مع تظاهرة طالبي اللجوء من إريتريا الذين احتجوا على حفل أقامته السفارة الإريترية في تل أبيب وتصادموا مع مؤيدي النظام الإريتري، واستعملت الشرطة لأول مرة الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2000.

كذلك يشهد المجتمع العربي حالة احتقان وغضب وتزايد تظاهرات الاحتجاج، لو كانت متواضعة وموضعية لغاية الآن، على عمليات القتل بالجملة التي تفتك بالمجتمع العربي وعلى قرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وقف ميزانيات للسلطات المحلية العربية.

مع بداية شهر سبتمبر/أيلول الحالي، بدأ العد العكسي لسلسلة من الأحداث المفصلية في المشهد السياسي الإسرائيلي، في محاور عدة، قد تؤدي إلى زيادة التصدع والتوتر السياسي، وتزيد المشهد تعقيداً، وقد تفتح احتمالات جديدة على المشهد السياسي، بالتوازي مع قلق أمني متزايد بشأن احتمال نشوب حرب في الجبهة الشمالية لتتوسع بعد ذلك إلى جبهات عدة.

قرار المحكمة العليا في التماس ضد قانون تقييد حجة المعقولية

من المتوقع أن تبت المحكمة العليا في 12 سبتمبر الحالي، بتركيبة كاملة مكوّنة من 15 قاضياً، في الالتماسات التي قُدّمت ضد قانون أساس "تقييد حجة المعقولية" الذي سُنّ في الكنيست نهاية يونيو/حزيران الماضي، ويحظّْر على المحكمة العليا التدخل في قرارات الحكومة ورئيس الحكومة والوزراء، من بينها التماس قدّمته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل بالشراكة مع 37 مؤسسة حقوقية، والتماسات قدمها رجال أمن سابقون مثل رئيس المخابرات العامة (الشاباك) نداف أرغمان، ومؤسسات عمالية واقتصادية.

تبت المحكمة العليا في 12 سبتمبر الحالي في الالتماسات التي قُدّمت ضد قانون أساس "تقييد حجة المعقولية"

هذه الالتماسات أدت إلى زيادة التوتر القائم أصلاً بين السلطة التنفيذية-الحكومة ومحكمة العدل العليا، إذ ادعى وزراء أن المحكمة العليا غير مخوّلة لنقاش واتخاذ قرار ضد قانون أساس سنّه الكنيست. كما زاد التوتر بين الحكومة والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا التي دعمت إلغاء القانون ورفضت تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا في هذا لالتماس، مما أدى إلى رد فعل غاضب من قبل وزير القضاء ياريف ليفين والتهجم على المستشارة القضائية.

المستشارة القضائية قدّمت موقفها من الالتماس ضد قانون إلغاء حجة المعقولية، نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، وأيّدت في موقفها الالتماسات التي تطالب بشطب قانون إلغاء المعقولية. ووافقت على أن يمثل الحكومة في هذا الالتماس محام خاص بعد رفضها الدفاع عن القانون في المحكمة.

وقالت المستشارة القضائية حول هذا القانون إنه "لأول مرة في تاريخ دولة إسرائيل تم سلب صلاحية محكمة العدل العليا في تقديم مساعدة للفرد والجمهور، وفقاً لترجيح رأيها القضائي المستقل. وإن التعديل (إلغاء حجة المعقولية) يغلق أبواب المحكمة أمام أي شخص أو مجموعة، تضرروا من أن الحكومة أو أحد وزرائها عمل مقابلهم بعدم معقولية بصورة متطرفة. وهذا يعني أن المستوى الحكومي سيكون فوق القانون".

هذه أول مرة في تاريخ إسرائيل تناقش فيها المحكمة العليا قانون أساس مع احتمال كبير لإلغائه، بحيث كان متوافقاً عليه ألا تتدخّل المحكمة العليا في قوانين الأساس بسبب طابع القوانين الدستورية. إلا أن الحالة الراهنة غير مسبوقة بحدتها وتعقيدها. ففي حال قررت المحكمة عدم التدخّل أو الطلب من الحكومة تعديل القانون، فهذا يعني توجيه ضربة قاتلة لحركات الاحتجاج وللانتقادات التي وُجّهت ضد سنّ القانون، بل سيكون ذلك منافياً لموقف رئيسة المحكمة نفسها التي انتقدت بحدة خطة وزير القضاء.

من جهة أخرى، في حال قررت المحكمة التدخّل وإلغاء القانون، وهو السيناريو المرجح، فذلك يعني دخول إسرائيل في أزمة دستورية غير مسبوقة، ويعني تصاعداً كبيراً في حركة الاحتجاج التي ستتسلح بقرار المحكمة العليا، بعد الفتور في حركة الاحتجاج خلال العطلة الصيفية التي تزامنت مع عطلة الكنيست. ويعني ذلك اضطرار المؤسسات الأمنية والقانونية، مثل الشرطة والمخابرات والجيش، لحسم موقفها إما مع سلطة القانون أو مع موقف السلطة التنفيذية، مع كل ما يعنيه هذا القرار من احتمال تصادم بين المؤسسات الأمنية والشرطة والسلطة التنفيذية المسؤولة عنها وفق القانون. ناهيك عن أن أي تراجع من قبل الحكومة، خصوصاً رئيسها بنيامين نتنياهو، أمام قرار إبطال القانون، في حال اتُخذ، يعني تفكك التحالف القائم والذهاب إلى المجهول.

لذلك يمكن اعتبار الفترة لغاية نقاش المحكمة العليا واتخاذ القرار، الذي يكون في وقت قليل في مثل هذه الحالات، فترة انتظار وترقب وتحضير لما بعد القرار، من قبل كافة الأطراف. إلا أن الظروف والأحداث في إسرائيل لا تتجمد في انتظار قرار المحكمة وما يليه. إذ نرى في الأسابيع الاخيرة توسع الخلافات السياسية داخل التحالف الحكومي، ومحاولة الشركاء اقتناص فرصة وجود حكومة يمينية لتمرير قرارات تغازل قواعدهم الانتخابية بالأساس.

بن غفير يحاول التهرب من الانتقادات بالانتقام من الأسرى الفلسطينيين

هناك إجماع لدى المحللين والصحافيين، وقادة شرطة سابقين، وصنّاع قرار، على فشل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في وظيفته، وعلى أن السبب الوحيد لبقائه في وزارة الأمن القومي هو حاجة نتنياهو السياسية للحفاظ على التحالف الحكومي.

الشرطة الإسرائيلية فقدت السيطرة وفشلت في التعامل مع الجريمة في المجتمع العربي، وكذلك عمليات القتل والجريمة في المجتمع الإسرائيلي في تزايد. كما أن الشرطة في حالة تفكك وتسرب أعداد كبيرة من رجال الشرطة من الخدمة، وكل تظاهرة احتجاج تتحوّل إلى صدام مع الشرطة. وعود بن غفير بفرض الحوكمة وهيبة الدولة انهارت، بينما يريد إرضاء قاعدته الانتخابية المتطرفة، والتهرب من الانتقادات الموجّهة له بسبب فشله وبسبب تزايد العمليات الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ويهرب إلى الأمام بافتعال خلافات وصدامات جديدة داخل الحكومة، وبينه وبين المؤسسة الأمنية، عن طريق فرض خطوات عقابية تعسفية انتقامية من الأسرى الفلسطينيين.

إجماع على فشل بن غفير في وظيفته، وعلى أن السبب الوحيد لبقائه هو حاجة نتنياهو للحفاظ على التحالف الحكومي

وقرّر الأسبوع الماضي تقليص زيارات عائلات الأسرى من مرة في الشهر إلى مرة كل شهرين، بخلاف موقف المخابرات والشرطة وموقف رئيس الوزراء نفسه الذي صرح مباشرة بعد إعلان قرار بن غفير بأنه لن يكون أي تغيير في السياسة من دون نقاش ذلك في الحكومة المصغرة، وأن ما نشر هو أخبار كاذبة. بن غفير يريد من جهة تنفيذ سياسته العنصرية الفاشية تجاه الأسرى الفلسطينيين، التي وعد بها في الحملة الانتخابية، ومن جهة أخرى يريد افتعال خلافات مع نتنياهو ليتميّز عنه أمام الناخبين ويستغل الضعف السياسي للأخير لفرض أجندته، ما دام هناك حكومة يمين متطرف صرفة.

قانون الإعفاء من التجنيد

كذلك ترى الأحزاب المتدينة-الحريدية أن الوقت لا يعمل لصالح سنّ قانون إعفاء الشباب المتدينين من الخدمة العسكرية، إثر تعثّر تنفيذ الخطة لتقييد القضاء، تحديداً سنّ قانون فقرة التغلب، التي تمنح الحكومة إمكانية التغلب على قرار المحكمة العليا الذي طالب الحكومة بالحسم في هذا الموضوع.

الأحزاب المتدينة-الحريدية تطالب باحترام اتفاق التحالف الحكومي والتعهدات السابقة وسنّ قانون إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، وتريد طرح القانون مع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل. إلا أن نتنياهو يعي أن طرح القانون سيزيد التصدع في المجتمع الإسرائيلي ويضاعف غضب حركات الاحتجاج، وكذلك سيرفع أعداد رافضي التطوع في قوات الاحتياط، بل سيؤدي إلى رفض الخدمة في الجيش بسبب التصدع القائم في المجتمع الإسرائيلي حول تقاسم العبء، ورفض الشباب المتدين الخدمة وحصوله على معونات مالية حكومية كبيرة.

على الرغم من إمكانيات التأثير السلبي لهذا الاقتراح، إلا أن أحزاب المتدينين-الحريديم مصرّة على استغلال فرصة وجود حكومة يمينية صرفة، لإغلاق هذا الملف، بصيغة أو بأخرى، وتخشى من ضياع هذه الفرصة، خصوصاً أن هناك قراراً للمحكمة العليا بوجوب سنّ قانون يوضح ويرتب موضوع إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية.

تزايد التحذيرات من احتمال اندلاع مواجهة تبدأ مع "حزب الله" في الحدود الشمالية وقد تؤدي إلى حرب واسعة

التوتر السياسي مرشح للازدياد في سبتمبر، فإلى جانب ترقب قرار محكمة العدل العليا حول قانون تقييد حجة المعقولية، والذي قد يشعل من جديد حركات الاحتجاج ويؤدي إلى أزمة دستورية، أو تفكك التحالف الحكومي، هناك توترات ومنافسات داخل التحالف الحكومي تزيد المشهد تعقيداً. كل هذا بالتوازي مع تزايد التحذيرات من احتمال اندلاع مواجهة تبدأ مع "حزب الله" في الحدود الشمالية وقد تؤدي إلى حرب واسعة.

وأعلنت القناة 13 نهاية أغسطس/آب الماضي عن تحديد جلسة خاصة للحكومة الأمنية المصغرة لنقاش هذا السيناريو، مع وجود رسائل تهديد متبادلة بين إسرائيل و"حزب الله"، كان آخرها رسالة وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارته الشهر الماضي للأمم المتحدة، والإعلان عن سلسلة تدريبات مشتركة واسعة مع الجيش الأميركي خلال سبتمبر وبعد فترة الأعياد اليهودية. كل هذا يجعل من شهر سبتمبر محملاً باحتمالات غير واضحة، يتداخل فيها السياسي مع الأمني.