- خطاب يحيى السنوار قبل المواجهة يعكس استعداد المقاومة لتحمل تبعات الهجوم، مؤكداً على الاستقلالية في القرار والعمل دون اعتماد على الدعم العربي الرسمي.
- القمم العربية والإسلامية التي عُقدت لبحث الوضع في غزة لم تحقق تغييراً ملموساً، مما يؤكد على الفجوة بين المواقف الرسمية وتطلعات الشعوب تجاه القضية الفلسطينية ودعم المقاومة.
هناك سؤال قد يبدو جديراً بالطرح، بعد سبعة أشهر من المواجهة في قطاع غزة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة. هل بالغت المقاومة وهي تخطط لهجوم 7 أكتوبر، على المستوى السياسي أو الميداني، في توقّع موقف عربي فاعل وأكثر مروءة وبربع صرامة وتأثير في سير الأحداث مما تكشفت عليه الوقائع؟ إذا اعتبرنا أن الهجوم كان الجزء التنفيذي من المشروع الكامل للمواجهة التي حددت المقاومة توقيتها بأبعادها المختلفة، سياسياً وإعلامياً، فإنه لم يكن خافياً على المقاومة، وهي بصدد ذلك، أن تضع حساباتها المبكرة تدبيرها المتعلق بـ"اليوم التالي" للهجوم، والسيناريوهات المحتملة لرد فعل الاحتلال والقوى المؤيدة له وكيفية تصريفه. لكنها في كل الأحوال لم تكن تراهن على الموقف العربي، خصوصاً وهي تدرك أكثر من غيرها العوامل التي تحكم هذا القرار والمواقف، وهو بالأساس قرار مُصادر من المهندس الدولي، أو بحكم الظروف الهشة داخلياً لغالبية الدول العربية.
ما هو ثابت أن خيار الفصائل الفلسطينية إطلاق المواجهة بتوقيتها السياسي والإقليمي، تم بالأساس ضمن نطاق الاعتماد على القدرات الذاتية، أي تسيير الأوضاع بحسب المقدرات المتوفرة للحالة الفلسطينية برمتها. وليس هناك ما يفسر ذلك أوضح من خطاب شهير لقائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار سبق المواجهة بفترة، قال فيها إنه "إذا لم تحل مشكلات قطاع غزة ويرفع الحصار، فإن المقاومة ستحرق الأخضر واليابس". وقد أتى الحريق الفلسطيني فعلياً على مسلّمات سياسية كثيرة وأشعل النار في رداء إسرائيل التي تحولت من إله لا يُنتقد إلى كيان مصاب بالجذام لا يقترب منه أحد.
انعقدت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قمة عربية إسلامية في الرياض، لبحث العدوان على القطاع. كلفة القمة كانت أغلى بكثير من قراراتها، ومن حبر البيان الختامي الذي جفت بنوده قبل أن تقلب الصفحة. وبعد أيام (16 مايو/ أيار الحالي) ستُعقد قمة عربية أخرى في المنامة، وهي بالتأكيد لن تتجاوز، لاعتبارات كثيرة، حد تكرار البيانات والمواقف نفسها. هذا وغيره يثبت أن المقاومة لم يكن لها أي رهان على إسناد عربي، وإذا كان لها من رهان على متغيّر في الموقف العربي، فهو على صعيد الشعوب لا الحكومات. يقابل هذا السؤال سؤال موازٍ له في القيمة والمعنى، ويعكس الجانب الآخر: هل كان في توقعات إسرائيل، وهي تنفذ كل مراحل العدوان الدموي على قطاع غزة، أن يكون الموقف العربي على هذا المستوى من الانصياع للأمر الواقع، وبهذا الخذلان السياسي والإغاثي حتى، للمقاومة والشعب الفلسطينيين؟
في الواقع، عاش قادة الكيان في العقد الأخير حالة نشوة سياسية لا توازيها سوى نشوة فتح السفارة في ضاحية الدقي في القاهرة أول مرة عام 1980، بحكم أن تمدّد التطبيع وتقاطع المواقف والرغبة مع أنظمة عربية في تحييد المقاومة الفلسطينية، يسمح لها بتقدير أطول مسافة ممكنة لحبر البيانات والمواقف العربية من العدوان على القطاع. لكنها مواقفُ لا تعبّر عن شعوب المنطقة ولا تعكس روحاً... الحقيقة الكامنة خلف ذلك كله أن إسرائيل لم تتغير في متن الشارع العربي عدواً يجب أن يُستأصل، ومحتلاً يجب أن يرحل طال الزمن أو قصر.