زيارة زيلينسكي إلى واشنطن: تباين حول مآلات الحرب في أوكرانيا

22 ديسمبر 2022
زيلينسكي خلال إلقاء كلمة في الكونغرس الأميركي الأربعاء (فرانس برس)
+ الخط -

كان يوم فولوديمير زيلينسكي بامتياز في واشنطن. زيارته حجبت طوال النهار كل ما عداها، بما فيها التطورات الترامبية الأخيرة، سواء المتعلقة منها بفضائحه الضريبية أو باحتمال إحالته إلى المحاكمة الجنائية بحادثة اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

جرى التعامل مع الرئيس الأوكراني على أنه "الرئيس المنتصر". وقد أحاطت هذه الهالة بمحادثاته مع الرئيس جو بايدن وبالمؤتمر الصحافي الذي أعقبها، ثم بخطابه أمام مجلسي النواب والشيوخ. لم يكن سراً أنه قادم لطلب المزيد من السلاح، والنوعي منه بشكل خاص، وقد قالها صراحة في البيت الأبيض كما في الكونغرس. 

لكن تحت السطح، كانت الزيارة أبعد من السلاح. احتمالات الحرب ومآلاتها كانت في صلب الزيارة، حسب المداولات الجارية منذ مدة والتي تبلورت أكثر بزيارته. خاصة أنها قادمة على تطورات ميدانية هامة إن لم تكن فارقة.

من الدوافع أن المعادلة في الكونغرس تغيرت بعد الانتخابات الأخيرة. قسم من الجمهوريين، ومنهم كافين ماكارثي المرشح لتولي رئاسة مجلس النواب، توعّد بالتصدي للدعم العسكري "السخي" لأوكرانيا، وبعضهم تعهد بسدّ حنفيته بحجة تزايد كلفته "التي تثقل كاهل دافع الضرائب الأميركي".

ولذلك كان كل خطاب زيلينسكي في الكونغرس موجها إلى المواطن الأميركي لشرح وتسويغ الدعم باعتباره "استثماراً" أميركياً في أوكرانيا وليس "صَدَقة"، وجاء عشية تسلم الجمهوريين قيادة مجلس النواب في 3 يناير/كانون الثاني القادم. ورغم أن المجموعة المعترضة لا تؤثر في القرار لصغر حجمها. إلا أن خطابها قد يحرك الجمهور، المؤيد حتى الآن، ضد الدعم لو ساءت الأوضاع الأميركية في الأشهر القادمة.

وأيضا يأتي زيلينسكي في وقت يعزز مطالبه. فالدعم الأميركي الذي تجاوز عشرين مليار دولار "أعطى ثماره" الميدانية، حسب سائر التقديرات العسكرية، لكن استهداف البنية التحية الأوكرانية مع دخول الشتاء زودته بحيثية أخرى للمطالبة بشبكة صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، خاصة أن موسكو، كما يتردد، تعتزم القيام بعمليات عسكرية واسعة قريبا على الأرجح مع بداية الربيع، بعد أن انتهى تأهيل 300 ألف من المجندين الروس الذي جرى استدعاؤهم من الاحتياط أواخر الصيف الماضي إلى الخدمة.

لكن الإدارة غير موافقة على تزويد أوكرانيا بشبكة باتريوت. ليس فقط لأن ذلك بمثابة خطوة حربية ضد موسكو التي حذرت من عواقبها. الأهم أنها قد تساعد، إلى جانب الأسلحة "المتفوقة على السلاح الروسي"، في قلب ميزان القوى الميداني بشكل كاسر مع كل ما يمكن أن يفتحه من أبواب، ومن ضمنها باب سلاح الرعب. وهذا احتمال آثار مخاوف جدّية حتى قبل أن يلوّح الرئيس بوتين بالخيار النووي. 

ومنذ مطلع الصيف ومع بدايات التراجع الروسي وتخبطه الميداني، صدرت تحذيرات من جهات مختلفة، محافظة وحتى ليبرالية، تنبّه إلى وجوب تجنب "حشر بوتين في الزاوية". فإذا كان السلاح الأميركي توفر بكمية ونوعية تدفعان موسكو إلى هذه الزاوية، "فعندئذ يكون أمام بوتين خياران: إما قبول الهزيمة والإهانة، وإما التصعيد إلى حدود النووي". 

واستخدام بوتين النووي ولو التكتيكي "محكوم" بتدخل أميركا، وهذا ما لا يقوى عليه بايدن، وقد ازداد هذا الاحتمال ومخاوفه بعد أن كرر الرئيس الروسي إشاراته إلى اللجوء "إلى كل ما نملك". وبوتين "استراتيجي جدّي" كما وصفه كيسنجر مرة، بصرف النظر عن صواب أو خطأ قراراته. 

زيلينسكي جاء ليحصل على النوعية العسكرية التي توصله إلى وضع بوتين في الزاوية. وهنا نقطة الافتراق في التقدير بين الحليفين: الأميركي المتخوف من انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة، والأوكراني الذي يراهن على "خداع" بوتين النووي. وهذه فجوة يصعب ردمها بين واشنطن التي لا تنفك عن التذكير بغزارة دعمها، وبين كييف التي لا تنفك عن التشكي من "عدم كفاية" التسليح الأميركي. وهو ما كرره اليوم زيلينسكي في واشنطن، والذي لقي بعض الامتعاض من جانب المتسائلين خاصة المحافظين: "إلى متى يمكن أن يستمر الدعم؟"، في حرب يجمع المراقبون تقريباً على القول إنها "حرب طويلة ومفتوحة".