بعد يوم من المفاوضات الروسية-الأوكرانية في مدينة إسطنبول التركية، التي من المفترض أن تُستكمل اليوم الأربعاء، تحدّث الكرملين عن أنها لم تفضِ إلى نتائج "واعدة جداً"، ولا إلى أي "تقدم"، في وقت شككت أوكرانيا في تقليص روسيا عملياتها العسكرية، ولا سيما مع تواصل القصف على تشيرنيهيف.
وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين: "في الوقت الراهن، لا يمكننا الإشارة إلى أي نتائج واعدة جداً أو تقدم من أي نوع. هناك الكثير من العمل لإنجازه".
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مساء أمس الثلاثاء، إنه يشك في إعلان روسيا تقليص معظم عملياتها العسكرية بالقرب من العاصمة الأوكرانية، ومدينة تشيرنيهيف شمالي البلاد.
وأضاف: "نعم، يمكننا أن نطلق على تلك الإشارات التي نسمعها في المفاوضات أنها إيجابية. لكن هذه الإشارات لا تسكت انفجار القذائف الروسية. نحن بالطبع نرى المخاطر على الأرض، ولا نرى أي أساس للثقة في الكلمات التي نطق بها هؤلاء، أو غيرهم من ممثلي الدولة الذين يواصلون القتال من أجل تدميرنا".
وتوقع الرئيس الأوكراني استئناف المفاوضات، اليوم الأربعاء، بعد خمسة أسابيع من اندلاع حرب استنزاف دامية قتل فيها الآلاف، وفرّ ما يقرب من أربعة ملايين أوكراني من البلاد.
وقال: "الأوكرانيون ليسوا سذجاً. الأوكرانيون تعلموا خلال 34 يوماً من الغزو، وخلال السنوات الثماني الماضية من الحرب في دونباس، أنه لا يمكن الوثوق إلا بالنتائج الملموسة".
ويأتي هذا فيما تعرضت تشيرنيهيف في شمال أوكرانيا لقصف "طوال الليل"، كما أعلن حاكم المدينة، رغم إعلان موسكو، الثلاثاء، أنها ستقلص نشاطها العسكري في هذه المنطقة.
وأعلن فياتشيسلاف تشاوس، على "تيليغرام"، أنّ "تشيرنيهيف تعرضت للقصف طوال الليل" بالمدفعية والطيران، موضحاً أنّ بنى تحتية مدنية دمرت، وأنّ المدينة لا تزال دون كهرباء أو ماء.
أما نائب حاكم كييف، ميكولا بوفوروزنيك، فأكد بدوره، اليوم الأربعاء، أنّ دوي القصف كان مسموعاً خارج كييف طوال الليل، لكن العاصمة الأوكرانية نفسها لم تتعرض للقصف من القوات الروسية.
وقال بوفوروزنيك للتلفزيون الوطني: "مرّ الليل بهدوء نسبي، مع سماع دوي صفارات الإنذار، وإطلاق النار من الاشتباكات في محيط المدينة، لكن المدينة ذاتها لم تتعرض للقصف".
وكان نائب وزير الدفاع الروسي، قد قال، أمس الثلاثاء، إنّ بلاده قررت تقليص العمليات العسكرية بالقرب من العاصمة الأوكرانية، وتشيرنيهيف من أجل "زيادة الثقة المتبادلة" بالمحادثات التي تهدف إلى إنهاء القتال. وأضاف فومين أنّ الجيش "سيقلص النشاط العسكري في اتجاه كييف وتشيرنيهيف".
ووصف هذا القرار بأنه بمثابة أول تنازل كبير يقدمه الروس منذ بداية غزوهم لأوكرانيا قبل أكثر من شهر، غير أنّ شبكة "سي أن أن " نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ "الانسحاب الروسي ليس تكتيكاً قصير المدى القصد منه إعادة انتشار القوات، ولكنه تحرك طويل الأجل حيث تسعى موسكو لمعالجة الفشل في التقدم بشمال أوكرانيا".
ويأتي هذا في وقت أكد نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب، اليوم الأربعاء، أنّ بريطانيا ستنظر بتشكك تام تجاه أي وعود تخرج من روسيا حول أوكرانيا، وسترد على موسكو استناداً إلى أفعالها وليس ما يصدر عنها من أقوال.
وقال راب لـ"راديو تايمز": "سأكون حذراً للغاية في التعامل ظاهرياً مع ما يخرج من الآلة الحربية (للرئيس الروسي فلاديمير) بوتين"، مضيفاً أنه لا تزال تتعين إتاحة فرصة للدبلوماسية. وتابع: "في نهاية المطاف، يجب الحكم عليهم من خلال أفعالهم، وعليهم الانسحاب من أوكرانيا وليس مجرد إعادة التمركز... لكن أعتقد أننا ننظر بتشكك كبير تجاه أي شيء يخرج من موسكو".
وعُقدت المحادثات الأوكرانية الروسية في قصر دولمه بهتشة بمدينة إسطنبول، أمس الثلاثاء، بعد أكثر من شهر على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مفاوضين أوكرانيين قولهم الثلاثاء، إنّ كييف اقترحت تبني وضع محايد مقابل ضمانات أمنية في المحادثات الجارية مع روسيا في تركيا، ما يعني أنها لن تنضم إلى تحالفات عسكرية أو تستضيف قواعد عسكرية.
وقال المفاوضون للصحافيين في إسطنبول، إنّ المقترحات ستشمل أيضاً فترة مشاورات مدتها 15 عاماً بشأن وضع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، وإنها يمكن أن تدخل حيز التنفيذ فقط في حالة وقف إطلاق النار الكامل.
وهذه المقترحات هي الأكثر تفصيلاً ووضوحاً التي تعلنها أوكرانيا على الملأ. وتتطرق المقترحات أيضاً إلى ضمانات أمنية، على غرار الضمانات الواردة في البند الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسي، وهو البند الخاص بالدفاع الجماعي.
وقال المفاوض الأوكراني أولكسندر تشالي: "إذا أمكننا تثبيت هذه البنود الرئيسية، وبالنسبة إلينا هذا أهم شيء، فإن أوكرانيا ستكون عندئذ في وضع يوطد فعلياً وضعها الحالي كدولة غير عضو في تكتل وغير نووية في صيغة الحياد الدائم".