روسيا تساوم "قسد" مع اقتراب موعد الهجوم التركي

29 نوفمبر 2022
من المناورات الأميركية مع "قسد"، سبتمبر الماضي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل الجيش التركي قصفه المدفعي والصاروخي على مواقع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) ولقوات النظام السوري في شمال سورية، فيما يحاول الجانب الروسي التوصل إلى اتفاق بين النظام و"قسد" على تسليم مناطق ومواقع الأخيرة لقواته، وفقاً لاتفاق 2019 القاضي بانسحاب "قسد" 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية. 

ونقلت وكالة "رويترز"، أمس، عن مسؤول تركي قوله إن "الجيش لا يحتاج إلا لأيام قليلة ليكون جاهزاً لعملية توغل بري في شمال سورية". وقال مسؤول تركي آخر للوكالة إن "كل الاستعدادات كاملة. الآن ينتظر الأمر القرار السياسي".

وفي موازاة ذلك برز، أمس الاثنين، حديث للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعا فيه خلال مشاركته في افتتاح الاجتماع 38 للجنة الوزارية الاقتصادية التجارية في منظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة في إسطنبول التركية الدول الإسلامية إلى بذل مزيد من الجهد لتخليص سورية من دوامة الصراع.

وقال أردوغان: "يجب على الدول الإسلامية أن تبدي إرادة أقوى وأن تدعم جهود الحل السياسي في سورية، لتخليصها من دوامة الصراع والأزمة الإنسانية والإرهاب". وشدّد على ضرورة إنهاء لعبة دعم حزب "العمال الكردستاني"، وامتداداتها التي تتخفى تحت ستار مكافحة تنظيم "داعش".

وجدّد عزم بلاده على "استئصال جذور التنظيمات الإرهابية التي تشكل تهديداً لوحدة أراضي سورية والعراق وتركيا أيضاً". وأكد أردوغان أن "الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني في سورية أصبح أكثر مأساوية مع تفشي وباء كورونا"، مشيراً إلى أن "تركيا تحتضن أكثر من 3.5 ملايين سوري داخل أراضيها، وتقوم بوظيفتها الإنسانية تجاه الملايين في الداخل السوري".

ميدانياً، كشفت مصادر عسكرية من "الجيش السوري الوطني" المعارض لـ"العربي الجديد"، أن الجيش التركي قصف بعد منتصف ليل الأحد وفجر أمس الاثنين، مواقع ومناطق في قرى وبلدات شيخ عيسى وبنية ومياسة وصوغانكي وزرنعيطو وتل رفعت ومطار منغ العسكري، في شمال حلب، وغريب وجارقلي، غربي ناحية عين العرب شمال شرقي حلب، وعريضة وزنوبيا وكور حسن ومنطقة مخيم عين عيسى، شمال غربي الرقة.

روسيا على خط الأزمة شمالي سورية

في غضون ذلك، دخل الجانب الروسي على خط المحاولات الجارية لتجنيب الشمال السوري عملية عسكرية تركية ضد "قسد" التي قد تجد نفسها مضطرة مجدداً لتقديم "تنازلات"، وإلا تُركت وحدها في مواجهة تهديد ربما يقلص دورها إلى الحدود الدنيا في المشهد السوري.

وفشل اجتماع عُقد، أول من أمس الأحد، في مدينة القامشلي، التابعة لمحافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي السوري، بين قائد القوات الروسية في سورية ألكسندر تشايكو وبين قائد "قسد" مظلوم عبدي. وكان الغرض من الاجتماع هو التوصل لاتفاق يمكن أن يمهّد الطريق أمام إلغاء الجانب التركي لعملية عسكرية، يستعد لها رداً على تفجير هز إسطنبول في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، واتهمت أنقرة "قسد" بالوقوف وراءه.


أردوغان: يجب على الدول الإسلامية أن تدعم جهود الحل السياسي في سورية

وذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري، في عددها الصادر أمس الاثنين، أن "تشايكو قدم عرضاً لعبدي يقضي بانسحاب جدّي لقواته مسافة 30 كيلومتراً ودخول الجيش السوري لهذه المناطق وانتشاره على طول الحدود".

ونقلت عن مصادر وصفتها بـ "المتابعة"، أنه "يمكن اعتبار اللقاء رسالة تركية أخيرة لقسد عبر الوسيط الروسي، قبيل عملية عسكرية برية تركية محتملة"، كاشفة أن المؤشرات حتى اللحظة تؤكد رفض "قسد" للعرض الروسي وإصرارها على الذهاب للقتال.

وتصرّ أنقرة على التزام قوات "قسد" بمضمون اتفاق جرى بين الجانبين التركي والروسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ينصّ على إبعاد الشرطة العسكرية الروسية عناصر "قسد" مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية السورية، شرقي الفرات.

وينصّ الاتفاق أيضاً على نشر النظام قوات مهمتها حراسة الحدود في أقصى الشمال الشرقي من سورية، وتسيير دوريات مشتركة بعمق عشرة كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.

ويمنح الاتفاق الجانب التركي سيطرة مطلقة على الشريط الحدودي ما بين مدينتي تل أبيض ورأس العين على طول نحو 100 كيلومتر وعمق نحو 30 كيلومتراً، وهي المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي خلال عملية "نبع السلام" في عام 2019.

وللروس حضور عسكري مهم في شرق الفرات، تحديداً في القامشلي، الواقعة على الحدود السورية التركية مباشرة. ويتخذ الروس من مطار هذه المدينة قاعدة عسكرية لهم. ويعد هذا الحضور نتيجة لما جرى في عام 2019 حين طلبت "قسد" من الجانب الروسي التدخل لإيقاف العملية التركية (نبع السلام) عند حدود معينة.

واستغلت موسكو الأزمة للدخول إلى الشمال الشرقي من سورية لمزاحمة الولايات المتحدة في المنطقة الغنية بالموارد، فضلاً عن كونها موقعاً جغرافياً استراتيجياً.

ومن الواضح أن موسكو تشعر أن الوقت قد حان للحصول على مكاسب جديدة وخاصة للنظام السوري على حساب "قسد" وإدارتها الذاتية في شمال شرقي سورية، مثل تسليم مدن أو التشارك في الموارد النفطية، إذ تضم شرقي الفرت أكبر وأهم حقول النفط والغاز في سورية.

ولكن "قسد" تتريث في انتظار نتائج جهود واشنطن، التي تحاول إقناع أنقرة بإلغاء العملية العسكرية واسعة النطاق، والإبقاء على خريطة السيطرة كما هي في الشمال والشمال الشرقي من سورية.

وحول هذه التطورات، يصف المحلل السياسي السوري، الموجود في القامشلي، فريد سعدون في حديثٍ مع "العربي الجديد" الدور الروسي في الأزمة السورية بـ"الاستراتيجي"، مضيفاً: "لدى روسيا قوات على الأرض السورية، بما فيها منطقة شرقي نهر الفرات، وعلاقات مع الحكومة في دمشق".

ويستدرك سعدون بالقول: "ولكن يجب ألا ننسى أن الدور الأميركي حاسم بما يتعلق في الشمال الشرقي من سورية، كون شرقي الفرات منطقة نفوذ لواشنطن، التي تملك فيها قواعد عسكرية، وبالتالي إن القرار الأول والأخير هو لها في شمال شرقي سورية".

"قسد" ترفض تقديم تنازلات

ويؤكد سعدون أنه "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أي تحرك روسي في الشمال الشرقي من سورية، ولكن حتى اللحظة لم يتوصل الروس لصيغة حل مع قسد واضحة".

وبرأيه فإن "المشكلة في الدور الروسي تكمن في انحياز موسكو بشكل كامل للحكومة في دمشق، وتحاول التقريب بينها وبين قسد"، موضحاً أن "لقسد شروطها، وأبرزها عدم خسارة مكاسبها في الشمال الشرقي من البلاد".

ويبدي اعتقاده بأن "موسكو لن تحقق شيئاً من لقاءاتها مع قيادة قسد، لأنها تحاول فرض شروط الحكومة السورية وتطلب تنازلات، وهو ما ترفضه قسد حتى اللحظة".


فريد سعدون: واشنطن ترغب بحل بين قسد والأتراك أكثر من حل بين قسد والنظام السوري

ويرى سعدون أن "لدى قسد أوراق ضغط قادرة على استخدامها في هذه الظروف، منها وجود تنظيم داعش والمخيمات التي تضم عائلات مسلحي التنظيم، إضافة إلى سيطرتها على موارد اقتصادية ضخمة، ومنها النفط والغاز والسدود والكهرباء وغيرها". ويشدّد على عدم نسيان "أن هناك دعماً لقسد من الولايات المتحدة".

ويرى أن الجانب الروسي "يطالب قوات قسد بالانسحاب 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، على أن يتمركز الجيش السوري في المنطقة وهو ما ترفضه قسد، لأنها بذلك تفقد مكاسبها". ويعتقد سعدون أن لـ "الروس دوراً في تلطيف الأجواء وإنجاز تهدئة ما"، مضيفاً: "الروس غير قادرين على التوصل لاتفاق حاسم، لأن القرار للأميركيين، فقسد تستمع لواشنطن أكثر من موسكو. وأي اتفاق يمكن أن يحدث في الشمال الشرقي سيكون بين الجانبين التركي والأميركي، وهو الأمر الأقرب للواقع. وأعتقد أن واشنطن ترغب بحل بين قسد والأتراك أكثر من حل بين قسد والحكومة السورية".

من جانبه، يرى الناشط السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الدور الروسي في سبيل تجنيب الشمال السوري عملية واسعة النطاق من جانب الجيش التركي "لا يقل أهمية عن الدور الأميركي"، معرباً عن اعتقاده بأن "تركيا تأخذ برأي روسيا أكثر من الولايات المتحدة".

ويضيف: "روسيا تؤدي دوراً في وقف إطلاق النار في الشمال السوري والعودة إلى اتفاق عام 2019". ويوضح مسلم أن قوات النظام "موجودة فعلاً على الحدود السورية التركية ونقاط التماس، بدليل مقتل عدد من عناصرها بالقصف الجوي التركي الذي حصل الأسبوع الماضي"، معتبراً أن "قوات النظام هي الأكثر حضوراً على الحدود، وبحسب مظلوم عبدي (قائد قوات قسد) فإن قوات النظام في الخط الأمامي، وقوات سورية الديمقراطية في الخط الثاني".