أعلنت ليبيا قبل أيام رفضها رئاسة الدورة الجديدة لجامعة الدول العربية، بدعوى أن الظروف الراهنة غير مناسبة، وأنها تنتظر دورها، في موعده المقرر سلفاً، وذلك بعد أن سبقتها 4 دول عربية بالرفض ذاته. وأدى هذا الأمر لدخول الجامعة في دوامة البحث عن رئيس لدورتها الجديدة، وهو ما وصفه دبلوماسيون عرب تحدثوا لـ"العربي الجديد"، بالتوافق غير الرسمي ولا المعلن، على تجميد دور الجامعة في الوقت الراهن، لحين تمرير اتفاقات التطبيع، وإعادة صياغة وضع القضية الفلسطينية، في منظومة الجامعة، في ظل انقسام حاد بين دول خليجية تهرول نحو التطبيع، ودول المغرب العربي، التي تتبنى موقفاً صارماً من تلك الخطوة.
وبحسب دبلوماسي عربي فإن "تجميد عمل الجامعة في الوقت الراهن كان هدفاً من جانب بلدان خليجية، بعدما أزعجتها التحركات الفلسطينية أخيراً"، مشدداً على أن "الجامعة العربية لن تعود مجدداً، سواء بسياستها أو بمبادئها السابقة"، موضحاً: "سنكون أمام جامعة عربية جديدة كلياً".
دبلوماسي مصري: نحن أمام إعادة صياغة جديدة لمنظومة العمل العربي المشترك
وأضاف الدبلوماسي العربي: "سنكون أمام مواقف جديدة للجامعة عقب إتمام مرحلة التطبيع مع الكيان الصهيوني"، مرجحاً أن "مرحلة ما بعد العودة ربما لن تدوم طويلاً في ظل التباين الكبير الذي بات يسيطر على مواقف أعضائها". وأوضح أن "الأمر قد ينتهي بتحالفات عربية على مستوى المواقف المتقاربة، فقد نجد تحالفاً يضم دول الممانعة، وآخر يضم دول التقارب مع الكيان الصهيوني، أو تلك التي تغلّب مخاوفها من إيران على الثوابت العربية".
من جهة أخرى، قال دبلوماسي مصري إن أبرز المشكلات التي ستواجه الجامعة خلال الفترة المقبلة هي سلاح التمويل، مشيراً إلى أن "هناك أزمة مالية كبيرة داخل الجامعة بسبب إيقاف دول عربية كبرى التزاماتها تجاه الجامعة، كإجراء عقابي للفلسطينيين، بعد ما وصفته قيادات خليجية بالهجوم الذي يفتقد للياقة على رموز الخليج، واتهامهم بالخيانة بعد تطبيع الإمارات والبحرين رسمياً مع إسرائيل، وتوجه السعودية للحاق بالاتفاق في وقت لاحق".
دبلوماسي مصري آخر قال، لـ"العربي الجديد": "نحن أمام إعادة صياغة جديدة لمنظومة العمل العربي المشترك، بعد أن باتت المنظومة السابقة مهترئة، أو بمعنى أدق في حالة موت إكلينيكي". وأضاف: "من المؤكد أن مبادرة السلام العربية وحل الدولتين مبدأ بات على المحك، وبات واضحاً أن القوى العربية الأكبر تتملص منه بصور مختلفة"، متابعاً أن "الجيل الثاني من الحكام الخليجيين لا يؤمن بما يمكن تسميته بالمبادئ، كما قال أحدهم خلال جلسة جمعته بكتّاب ومفكرين عرب في وقت سابق". وقال الدبلوماسي المصري: "هناك دور تخريبي يجري داخل الجامعة من جانب اثنتين من العواصم العربية"، موضحاً أنه "في المقابل، هناك دول أخرى تتمسك ببقاء الجامعة وتطوير آلياتها، وفي مقدِّمها مصر، وليس كما يشاع بأنها تسير وراء السعودية والإمارات في نهجهما". وقال: "هناك محاولات واضحة لإسقاط مبادرة السلام العربية، ليتبنى كل طرف عربي موقفه الذي يتراءى له، خصوصاً في ظل اتهامات من جانب السعودية والإمارات للفلسطينيين بتبني مواقف متعاونة مع إيران وتركيا، وبالتالي بات على الأطراف، التي تعادي إيران، تبني موقف يتوافق مع مصالح شعوبها" على حد تعبير الدبلوماسي.
هناك محاولات واضحة لإسقاط مبادرة السلام العربية، ليتبنى كل طرف عربي موقفه الذي يتراءى له
وكانت فلسطين قد اعتذرت قبل نحو أسبوعين عن استكمال رئاسة الدورة الحالية لمجلس الجامعة، على خلفية ما وصفه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بموقف الأمانة العامة للجامعة الداعم للإمارات والبحرين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالمخالفة لمبادرة السلام العربية. كما قررت قطر عدم قبول تولي الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة بعد الاعتذار الفلسطيني، مع احتفاظها بحقها في رئاسة الدورة المقبلة في مارس/آذار المقبل. وتكررت الحال مع كل من الكويت، وجزر القمر، ولبنان. وأخيراً، اعتذرت ليبيا عن رئاسة مجلس الجامعة، مشيرة إلى أن الظروف غير مؤاتية لهذا الأمر. وقال المتحدث باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي، في تغريدة، إن بلاده تتطلع لممارسة حقها في رئاسة مجلس الجامعة العربية "في ظل ظروف أفضل من الحالية"، مضيفاً أن ليبيا تتمسك بحقها في الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة وفق اللوائح الداخلية والترتيب المعمول به.
وقال الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي، في تصريحات صحافية، إن كل الدول التي تلي فلسطين في الترتيب الأبجدي، والتي عُرضت عليها رئاسة الدورة الحالية رفضت تولي رئاسة "منقوصة" لمدة زمنية قصيرة. وأوضح زكي أن فلسطين بدأت رئاستها للدورة الحالية لمجلس الجامعة لمدة ستة أشهر ببيان افتتاحي، يمثّل خطة العمل والرؤية الفلسطينية لإدارة العمل داخل الجامعة خلال فترة رئاستها، غير أنها اعتذرت عن استكمال المهمة في منتصف الطريق، ومن المفترض أن تخلفها الدولة التي تليها في الترتيب الأبجدي. ورأى زكي أن الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة تمثل شيئاً بالغ الأهمية لأي دولة عضو بالجامعة، وأن هذه الدول تقوم بالترتيب لهذا الأمر ببيان افتتاحي وآخر ختامي، وخطة عمل واضحة المعالم تتطلب وقتاً للتجهيز، وهو أمر غير متاح مع الاعتذار الفلسطيني المفاجئ عن استكمال هذه الدورة.