ساد الهدوء الحذر مناطق الاحتكاك بين الفصائل المتقاتلة في الشمال السوري، عقب التوصل إلى "اتفاق مبدئي" بين "هيئة تحرير الشام" و"الفيلق الثالث"، التابع إلى "الجيش الوطني" المعارض، نص على وقف إطلاق النار، وإدارة مشتركة لبعض المناطق.
وقد لاقى هذا الاتفاق رفضاً، كما يبدو، من بعض مكونات "الفيلق الثالث"، ما دفع الأخير إلى حذفه من معرفاته الرسمية، وسط تواصل المفاوضات مع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) للتوصل إلى اتفاق نهائي.
وساد الهدوء النسبي مناطق الاحتكاك بين الطرفين يوم أمس السبت، باستثناء اشتباكات متقطعة على محاور الحشد، قرب مدينة كفر جنة التي تفصل منطقة عفرين عن مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، والتي تمترست فيها قوات "الفيلق الثالث" عقب انسحابها من عفرين، إثر دخول قوات "تحرير الشام" إلى المنطقة بمؤازرة من فصيلي "الحمزات" و"العمشات" المنضويين ضمن "الجيش الوطني السوري"، والمتحالفين مع "تحرير الشام".
تعارض قوى داخل "الفيلق الثالث" الاتفاق بصيغته الحالية
ونشرت الحسابات الرسمية لـ"الفيلق الثالث" نسخة عن الاتفاق موقعة من قائدي "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني و"الفيلق الثالث" حسام ياسين (أبو ياسين) حمل بنوداً عدة للتهدئة، أبرزها أن ينحصر نشاط "الفيلق" بالجانب العسكري في المنطقة، قبل أن تبادر تلك الحسابات الى حذف المنشورات، فيما فُسر على أنه يعكس خلافات داخل "الفيلق الثالث".
وقال مصدر مطلع من داخل الفيلق، لـ"العربي الجديد"، إن قوى داخل "الفيلق"، وخاصة "جيش الإسلام" تعارض الاتفاق بالصيغة التي نشر بها.
اتفاق غامض
ووفق مصدر عسكري من "الفيلق الثالث"، تحدث لـ "العربي الجديد"، فإن الاتفاق الذي جرى التفاوض عليه بين قائد القوات المركزية في "الفيلق الثالث" أبو أحمد نور، والجولاني، نص على إنهاء القتال بين الطرفين، وسحب المظاهر المسلحة، وعودة الفصائل إلى أماكن تمركزها السابقة.
وأكد المصدر أن منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" ستكونان تحت إدارة عسكرية موحدة، بإشراف "هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى حصول "الهيئة" على عائدات مالية من كل المعابر مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أبرزها معبر "الحمران" بريف مدينة جرابلس شرقي محافظة حلب، والمعابر الأخرى مع الجانب التركي.
وأشار إلى أن "الاتفاق أكد عدم السماح للفصائل العسكرية بالتدخل في عمل المؤسسات المدنية، حيث ستكون تلك المؤسسات تحت وصاية وإدارة الحكومة السورية المؤقتة، ولكن بمشاركة من الإدارة الموحدة التابعة لهيئة تحرير الشام".
وأوضح المصدر أن الاتفاق دخل حيز التنفيذ، وفصائل "الفيلق الثالث" بدأت بالعودة إلى مقراتها العسكرية، مشدداً على أن منطقة "نبع السلام" (ريفي الرقة والحسكة) غير مشمولة بهذا الاتفاق.
ووفق مصادر من منطقة إدلب، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "هيئة تحرير الشام" بدأت أمس السبت الانسحاب من مدينة عفرين، وتسليم نقاطها العسكرية لحركة "أحرار الشام"، متجهة باتجاه منطقة إدلب، عبر معبر الغزاوية الواقع بالقرب من مدينة دارة عزة غربي محافظة حلب.
ووفق أحد المصادر، فإن الاتفاق قضى بدخول رتل عسكري من "هيئة تحرير الشام" إلى مدينة أعزاز وصولاً إلى مدينة جرابلس، ومن ثم يعود إلى منطقة إدلب، كإشارة رمزية كما يبدو على البدء بقبول وجود "الهيئة" في تلك المناطق، وذلك بالتزامن مع البدء بفتح طريق أعزاز - عفرين وبعض الطرق التي كانت مغلقة بسبب الاشتباكات، إلا أن أهالي ونشطاء مدينة أعزاز منعوا الرتل الاستعراضي التابع إلى "تحرير الشام" من المرور في منطقتهم، عبر قطع الطرقات من خلال إشعال الإطارات.
تداعيات الاتفاق
ورأى الباحث السياسي في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتفاق المنشور صحيح، وفق تواصله مع قياديين في الفصيلين المتحاربين، مشيراً إلى تواصل المفاوضات بين الجانبين للتوصل إلى اتفاق نهائي.
وحول تداعيات مثل هذا الاتفاق، إن صحت جميع بنوده، خصوصاً ما يتعلق بوجود إدارة مشتركة لمناطق ريف حلب بين الحكومتين "المؤقتة" التابعة للائتلاف، و"الإنقاذ" المقربة من "تحرير الشام"، رأى علوان أنه "من المبكر الحديث عن شراكة بين تحرير الشام والائتلاف، لكن من المؤكد أن الجولاني لن يخرج من هذا الاتفاق بأقل من مكاسب المشاركة في إدارة مناطق شمال حلب، عبر شركات أو عبر حكومة الإنقاذ، إضافة إلى المشاركة في ضبط الجانب الأمني وفي الجانب الاقتصادي".
وأشار علوان إلى أن الاتفاق ما زال "مبهماً، ولم تتضح كل تفاصيله، وهناك أمور ما زالت قيد التفاوض"، لافتاً إلى أن الجولاني "يريد الاستجابة لضغوط الانسحاب من عفرين، لكن مع تحقيق مكاسب أمنية واقتصادية لصالح الهيئة".
ورأى أن "الفيلق الثالث" اضطر للقبول بالواقع الجديد، نتيجة "لأخطاء سابقة متراكمة لدى الفيلق في طريقة إدارة الأزمة الحالية، وما سبقها من أزمات، وهو ما جعل الثقة بالفيلق الثالث محدودة من جانب القوى الأخرى التي يفترض أنها حليفة له، ما جعلها تقف على الحياد في الأزمة الحالية".
إعادة رسم للمنطقة
وأوضح علوان أن "الفيلق الثالث يفاوض عن نفسه، وعن المتحالفين معه، مثل حركة البناء والتحرير، بينما الفصائل الأخرى، مثل حركة ثائرون والفيلق الثاني والفيلق الأول، معظمها وقف على الحياد". واعتبر أن الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه اليوم "يُعتبر إعادة رسم للمنطقة كاملة، بما في ذلك إعادة تموضع ودور باقي الفصائل في إدارة مناطق شمالي سورية".
وحول الموقف التركي مما يجري، قال علوان إن "الموقف التركي ينظر بقلق بالغ إلى هذه المستجدات، خصوصاً دخول تحرير الشام إلى عفرين. ومعروف أن تركيا لم تكن تسمح بمثل هذا من قبل، لكن ربما استطاعت تحرير الشام قراءة الاستياء الواسع من جانب تركيا إزاء تواصل النزاعات بين فصائل الجيش الوطني، وحالة الفوضى الأمنية في مناطق الجيش الوطني، وأرادت توظيف ذلك لصالحها".
وأعرب عن اعتقاده، بأن الجانب التركي سيضغط على كل الأطراف لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، بما في ذلك انسحاب "تحرير الشام" من عفرين.
الحكومة المؤقتة تشرف على عفرين
في هذا الوقت، ظهر الناطق باسم وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، العميد أيمن شرارة، عبر تسجيل مصور من عفرين، للتأكيد على خلو المدينة من المظاهر المسلحة.
بدأ عناصر "هيئة تحرير الشام" الانسحاب من مدينة عفرين
وقال شرارة، في التسجيل من وسط عفرين، إن الحكومة المؤقتة (التابعة للائتلاف الوطني السوري) هي التي تشرف على إدارة الوضع الأمني في عفرين، عبر فروع الشرطة العسكرية والمدنية التابعة لها. وسبق ذلك بساعات تأكيد رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، عبر حسابه في "تويتر"، أن مؤسسات حكومته المدنية والعسكرية تواصل خدماتها في عفرين.
في المقابل، نشرت حسابات مقربة من "هيئة تحرير الشام" صوراً تظهر آليات تعمل على تنظيف الشوارع، مشيرة إلى أن "الهيئة" بدأت بتنفيذ مشاريع خدمية في مدينة عفرين. وينظر إلى حكومة "الإنقاذ" على أنها تمثل واجهة لـ"هيئة تحرير الشام"، ما يحرم المناطق التي تديرها من دعم المنظمات الدولية بسبب تصنيف "تحرير الشام" بأنها فصيل إرهابي على الصعيد الدولي.
نتيجة متوقعة لفشل تكوين جسم عسكري واحد
من جهته، قال الباحث شادي عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري اليوم في الشمال السوري نتيجة متوقعة لحالة الخلافات المتواصلة بين فصائل "الجيش الوطني"، وفشلها في تكوين جسم عسكري واحد، وإدارة مدنية موحدة لمناطق سيطرتها.
واعتبر أن هذا الفشل يمس أيضاً الإدارة التركية لتلك المناطق، وهو ما جعل أنقرة تغض الطرف، كما يبدو، عن طموحات "تحرير الشام" للمشاركة في ضبط مناطق سيطرة "الجيش الوطني" أمنياً، ومشاركة "الهيئة" حتى في إدارة تلك المناطق بطريقة أو أخرى، كرسالة تأديب لفصائل "الجيش الوطني".