لم يصدر عن مؤتمر "استقرار ليبيا"، الذي شاركت فيه أمس الخميس 27 دولة وأربع منظمات دولية (الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي والجامعة العربية)، أي مقررات بل اكتفى بإصدار بيان ختامي تضمن عناوين عريضة سبق وأن توافق حولها المجتمع الدولي، فما المكاسب الليبية من المؤتمر؟
وتلت وزير الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، رفقة وزير الخارجية الكويتي، الشيخ أحمد الناصر الصباح، الذي شارك في رئاسة المؤتمر كون بلاده تترأس الدورة الحالية بالجامعة العربية، نص البيان الختامي، والذي أكد على جملة من النقاط، أهمها "الرفض القاطع للتدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية"، ودعم خطة اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 بشأن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، ومطالبة الحكومة بـدعم إجراء الانتخابات الليبية 2021 في موعدها المحدد يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وعلى الرغم من أن المؤتمر تم على مستوى وزراء الخارجية للدول المعنية بليبيا، إلا أن 10 وزراء خارجية مثلوا بلادهم فيه، بينما خفضت 17 دولة مستوى تمثيلها الدبلوماسي في المؤتمر ووصل لحد سفرائها في ليبيا بالنسبة لبعضها.
ومن بين الدول التي حفظت تمثيلها تركيا، من خلال نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، وروسيا التي أوفدت ممثلا لها من السفارة الروسية لدى ليبيا، والولايات المتحدة الأميركية من خلال يائيل لمبرت مساعدة وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى، والمغرب أيضا التي استضافت عددا من اللقاءات الليبية، من خلال المدير العام في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي، فؤاد يازوغ.
وقال وكيل وزارة الخارجية الليبية، عمر كتي، إن "المؤتمر يعد مكسبا ليبيا كبيرا وحمل رسالة ذات دلالة للداخل والخارج حول وصول البلاد إلى المراحل الأولى من الاستقرار"، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الاستجابة الدولية للمشاركة في المؤتمر كانت كبيرة بالنسبة للتوقعات الليبية".
ولفت كتي إلى أن "أهم الرسائل التي حملها المؤتمر أن النقاش لم يكن حول وقف إطلاق النار أو الحوار بين الأطراف، بل تمحور حول نقاش دعم إجراء الانتخابات والتأكيد على السيادة الليبية ورفض التدخل الأجنبي وغيرها من الملفات"، ما يؤكد حسبه أن "القضية في ليبيا تقدمت لمراحل جديدة في مسيرة الاستقرار".
ووفقا لقراءته لمجريات المؤتمر الدولي يرى الباحث في "المركز الليبي للأبحاث والدراسات المتقدمة"، حسين الشكري، أن "المجتمع الدولي حمل من جانبه رسالة واضحة عبر ممثليه في المؤتمر"، موضحا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الرسالة "جاءت من خلال التركيز على الجانبين الأمني والسياسي دون أن يكون للجانب الاقتصادي أي حضور، ما يعني أن المجتمع الدولي يقول لليبيين إن حل الأزمة لايزال بعيدا عن المقاربات الاقتصادية ويجب حلها سياسيا وأمنيا".
ملف القوات الأجنبية والمرتزقة
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته لجنة 5 + 5 العسكرية الليبية بإعلانها عن خطة شاملة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، إلا أن الشكري يعتبر أن خفض التمثيل الدبلوماسي التركي الروسي في المؤتمر يؤكد أن التوافق حول المحددات الزمنية داخل الخطة الليبية الشاملة ما يزال بعيدا، خصوصا أن تركيا وروسيا أكبر طرفين دوليين يمتلكان وجودا عسكريا في ليبيا.
وبينما يعتبر الشكري أن مضمون المبادرة الليبية يشير بوضوح إلى وقوف عواصم كبرى وراءها، وعلى رأسها واشنطن "إلا أن تداخلا بين أهداف تلك العواصم الممثلة في محاصرة الوجود الروسي في ليبيا وأهداف الحكومة بشأن إعادة النظر في مواعيد الانتخابات وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى العام المقبل... كان أساس عدم التوافق على المبادرة وبالتالي صدور النتائج في مبادئ تضمنها بيان دون أن تكون هناك مقررات".
وأضاف قائلا "الملاحظ حضور وزراء خارجية كل الدول التي كانت تقدم الدعم لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر كفرنسا والسعودية، ما يعني أن تلك الدول كانت لديها مخاوف ما من إمكانية فرض سيناريو يخالف مصالحها في مرحلة ليبيا شديدة الحساسية في الوقت الحالي"، مشيرا إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري ذهب للقاء حفتر بعد انتهاء أشغال المؤتمر ومغادرته طرابلس أمس.
وبينما لم تعلن قيادة حفتر تفاصيل حول زيارة شكري لبنغازي، إلا أن الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد حافظ، ذكر في بيان صحافي أن زيارة شكري جاءت "لمتابعة الأعمال الجارية لتجهيز مبنى القنصلية المصرية في بنغازي".
في المقابل عبر المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، عن تفاؤله الكبير معتبراً المؤتمر "نجاحاً كبيراً" للحكومة، وقال "العام الماضي كانت طرابلس محاصرة وتقصف بالصواريخ (في إشارة لعدوان حفتر) والآن تحتضن مؤتمرا دوليا بهذا الثقل، بل ومن بين الحضور دول كانت تقدم الدعم العسكري والسياسي مباشرة لمليشيات حفتر التي كانت تحاصرها".
وقال ذويب في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المؤتمر بمثابة رسالة دولية لمن ينازع الحكومة"، مشدداً على أن أهم رسالة المؤتمر "هي قطع الطريق أمام من يفكر في مغامرة عسكرية جديدة وكذلك رسالة لمن يحاول التأزيم وخلق انقسامات داخلها".
وتابع قائلا "لا يمكن أن نرفع سقف التوقعات ونسرف كثيرا، فيكفي أن الحكومة حددت ما تريد من المجتمع الدولي وضمنت مؤتمري برلين الأول والثاني في مبادرتها دون أن تذكر المؤتمرات الدولية الأخرى التي انعقدت في أبوظبي وباليرمو وباريس".
وإذ يقر ذويب بأن المبادرة الحكومية جاءت مائلة للسياسات الأوروبية والأميركية، أشار إلى أن "الأهم من ذلك هو الرؤية الليبية التي فرضتها الحكومة بأن ليبيا مستعدة للاستقرار وأنها تجاوزت أزمة أمنية كبيرة، بدليل حضور كل هذه الوفود، وأن الدور الآن على المجتمع الدولي ليحدد موقفه من الملف الليبي".
ولفت إلى أن احتضان الحكومة للمؤتمر في فندق كورنثيا له دلالته الأمنية أيضا، فهو الفندق الذي تعرض لاقتحام من قبل مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي، في يناير/ كانون الثاني 2015، وقتل خلاله تسعة أشخاص من بينهم خمسة أجانب.
لكن ذويب في الوقت ذاته يؤكد على أهمية إدراك الأطراف الليبية حجم المشاركة الدولية وإمكانية استثمارها بشكل أمثل، مضيفا أن "الجميع أمام امتحان صعب خصوصا أن المنقوش أعلنت عن مؤتمر وطني قريب في بنغازي وآخر في سبها"، لافتا إلى أن الحكومة "وإن فشلت ربما في تمرير بعض أهدافها إلا أنها تمكنت الآن من إحراج أطراف ليبية، مثل حفتر الذي لن يمكنه رفض دخول الحكومة لبنغازي مجددا وعقد مؤتمر فيها".
والسؤال الأكبر لدى ذويب هو "ما مصير الانتخابات الرئاسية والتشريعية؟ وكيف يمكن أن تقنع حكومة الوحدة الوطنية الجميع بضرورة انعقادها في هذا الوقت الضيق أم أن هناك رؤية خاصة بالحكومة بشأنها تحصلت على دعم دولي حيالها؟".