ردّ بايدن على تطورات تونس: محاكاة لتعامل أوباما مع انقلاب مصر 2013

28 يوليو 2021
خلا الموقف من التحذيرات الجدية (Getty)
+ الخط -

ردّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على التطورات التونسية المتسارعة، يذكِّر بتعامل إدارة باراك أوباما مع التغييرات السياسية التي شهدتها مصر عام 2013. فهو يحاكي إلى حدّ بعيد الموقف الذي اتخذته واشنطن آنذاك، ولو مع الاختلاف بين الحالتين في الأدوار والمواقع وأسلوب التغيير. في المرتين كان التعاطي هو نفسه تقريباً، حيث بقي في حدود الوعظ وإسداء النصائح، وبدا كأنه أقرب إلى شراء الوقت ريثما يستقر الوضع الجديد. وفي المرّتين لم تدخل الإدارة على خط الأزمة، إلا بالاضطرار، بعد أن علت الضجة وبات الوضع يهدّد بالأخطر. وفي كليهما، خلا الموقف من التحذيرات الجدية، فضلاً عن الإدانات أو التلويح بردود مكلفة لو تمادت الخطوات باتجاه عملية انقلابية.

في اليومين الأخيرين، صدرت عن الإدارة تصريحات وبيانات، وأجريت اتصالات تكررت فيها ذات العبارات: "نحث"، "نراقب الوضع من كثب"، "نشجع على الحوار"، ندعو إلى "التزام المبادئ الديمقراطية"... وما شابه من هذه البضاعة. نائبة المتحدثة الرسمية في وزارة الخارجية، جالينا بورتر، لم تخرج اليوم في مؤتمرها الصحافي عن هذا الإطار. تقيّدت به حرفياً. وعندما سُئلت عمّا إذا كانت الإدارة تنوي مطالبة الرئيس التونسي الآن أو في وقت لاحق، بالتراجع عن قراره بتعليق البرلمان وعن إقالة رئيس الحكومة، قالت: "لن أذهب إلى أبعد مما جاء في بيان الوزارة" عن المكالمة التي أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الاثنين، مع الرئيس التونسي قيس سعيد. فيها اكتفى الوزير بـ"تشجيع الرئيس على التمسك بالمبادئ الديمقراطية والعودة إلى الحوار مع القوى السياسية كما مع الشعب التونسي". وبقية التصريحات اندرجت ضمن هذا الخط. المتحدث نيد برايس قال إن الإدارة "تقف مع الديمقراطية"، من غير أن يفصح عن الجانب الذي يمثلها. الناطقة في البيت الأبيض جين ساكي، أعربت عن "القلق" من دون أن تحدّد مصدره. وأكثر ما حمل على الاستغراب، كان إعلان البيت الأبيض أنه ينتظر فتوى الدائرة القانونية في وزارة الخارجية بشأن ما إذا كان الذي حصل في تونس يرقى إلى "مستوى الانقلاب". وكأن هناك انقلاباً قانونياً وآخر غير قانوني.

مثل هذا التعليل ترك تساؤلات عما إذا كان في الأمر محاولة لتمييع ما يحصل في تونس، ما أثار انتقادات في الكونغرس، مع التحذير من عواقب تمرير مثل هذا الخروج عن أصول اللعبة، وحثّ الإدارة على التجرؤ وإدانة الإجراءات التي قامت بها السلطات التونسية. لكن الإدارة لا تبدو حتى الآن أنها في وارد انتهاج سياسة من هذا النوع. وفي الاعتقاد، أن الرئيس بايدن يحاذر الانخراط في أزمة شرق أوسطية جديدة "تنتهي به إلى ورطة"، في وقت يحاول فيه لملمة بقايا ورطات الحروب الأخيرة في المنطقة.

لكن الابتعاد عن ورطة يخشى الغرق فيها لا يعفيه من مأزق، لو تفاقمت الأزمة التونسية. فهو لم يترك مناسبة تحدث فيها عن السياسة الخارجية، إلا شدد خلالها على نقطتين أساسيتين: عودة أميركا إلى دورها القيادي في العالم، وأهمية دعم الديمقراطية في الصراع مع التوجهات والأنظمة السلطوية، مع التشديد على أن "الديمقراطية وحدها قادرة على الإنجاز". الأزمة التونسية تتحدى هذا الطرح. ترمي الكرة في ملعب بايدن لجهة اتخاذ موقف مبدئي منها على الأقل، خصوصاً أن إدارته مهتمة بإنجاح المحاولة الديمقراطية، ولو الهجينة، لدى الجار الليبي. بخلافه، سيكون الرئيس بايدن في تونس أمام ما شارك فيه نائب الرئيس بايدن في أثناء انقلاب مصر في 2013، إذا ما سارت الأمور نحو الانقلاب الذي يتزايد الحديث عنه.