باشينيان في مواجهة الجيش والشارع: تعاظم النقمة في أرمينيا يقرب إطاحته

25 فبراير 2021
باشينيان قرر الاحتكام للشارع وقاد مسيرة لأنصاره وسط العاصمة (كارين ميناسيان/فرانس برس)
+ الخط -

تتسارع الأحداث في أرمينيا منذ الأربعاء، بعد قرار رئيس الوزراء نيكول باشينيان إقالة النائب الأول لرئيس أركان الجيش الأرميني تيران خاتشاتوريان، ليرد الجيش بمطالبة باشينيان بالاستقالة، الأمر الذي اعتبره الأخير محاولة انقلاب عليه، ليقرر الاحتكام إلى الشارع ويقود مسيرة لأنصاره في وسط العاصمة يريفان، في مقابل تجمّع معارضين له في عدة ساحات جانبية مطالبين باستقالة باشينيان.

وفي مؤشر على تصعيد مرتقب للأزمة، أعلنت المعارضة أنها سترد بتنظيم احتجاج في ساحة الجمهورية وسط العاصمة في وقت لاحق اليوم، ما يثير مخاوف من مواجهات واسعة بين أنصار ومعارضي باشينيان قد تنزلق إلى أعمال عنف. 

أما روسيا، فلم تتأخر في إعلان موقفها، إذ دعا الكرملين إلى ضبط النفس، معرباً عن قلقه من تطور الأوضاع، مع تشديده على أن ما يجري هو شأن داخلي، فيما لم يستبعد مصدر مطلع في يرفان "أن تكون روسيا قد منحت الجيش والمعارضة الضوء الأخضر لزيادة الضغط على باشينيان وحكومته".

وكان باشينيان قد قرر الأربعاء إقالة النائب الأول لرئيس أركان الجيش الأرميني تيران خاتشاتوريان، على خلفية استهزاء الجنرال بتصريحات باشينيان حول عدم فعالية صواريخ "إسكندر" الروسية أثناء المعارك الأخيرة التي استمرت نحو ستة أسابيع وانتهت باتفاق سلام برعاية روسية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، واستعادت أذربيجان بنتيجتها معظم أراضي إقليم كاراباخ، ومناطق محيطة به، وأهمها مدينة شوشة ذات القيمة الرمزية العالية للأذربيجانيين والموقع الاستراتيجي المهم.

وصباح اليوم الخميس، طالبت هيئة الأركان العامة باشينيان وحكومته بالاستقالة. 

وفي بيان وقّع عليه أكثر من أربعين عسكرياً بارزاً من قيادات الجيش، بينهم رئيس الأركان أونيك غاسباريان، وجميع نوابه ورؤساء الإدارات وقادة كبريات الوحدات العسكرية، انتقد العسكريون "خطوات قصيرة النظر وغير مبررة" من قبل الحكومة، من ضمنها إقالة خاتشاتوريان، وشددوا على أن الإقالة قرار "غير مسؤول ومناهض للدولة". 

وأشار العسكريون إلى نفاد صبرهم من "اعتداءات الحكومة على الجيش"، وقالوا إن "الإدارة غير الفعالة والأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها السلطات الحالية في مجال السياسة الخارجية أودت بالبلاد إلى حافة الهاوية". 

وخلصوا إلى أن حكومة باشينيان لم تعد قادرة على "اتخاذ قرارات مناسبة في الظروف العصيبة والمصيرية الحالية"، وطالبوها بالاستقالة. 

وفي الوقت ذاته، سعى العسكريون إلى استمالة الشارع بالتحذير من "استخدام القوة ضد الشعب الذي مات أبناؤه دفاعا عن الوطن".

وقّع أكثر من أربعين عسكرياً من قيادات الجيش، بينهم رئيس الأركان، وجميع نوابه وقادة كبريات الوحدات العسكرية، بيانا انتقد "خطوات قصيرة النظر وغير مبررة" من قبل الحكومة

ولم يتأخر رد باشينيان، إذ أقال رئيس هيئة الأركان، ووصف البيان العسكري بأنه محاولة انقلاب عسكري، ودعا أنصاره إلى التظاهر في ساحة الاستقلال من أجل "الدفاع عن الثورة". 

وفي وقت لاحق، ألقى باشينيان كلمة أمام أنصاره، قدّم خلالها تطمينات للحضور بأن الجيش الأرميني ما يزال يخضع لأوامره وأوامر الشعب، مشدداً على أنه لا ينوي مغادرة البلاد. 

ومع إقراره بأن الوضع متوتر، أكد أنه قادر على إدارة الأزمة، ودعا إلى التوصل لحلول من أجل تفادي الصدام ومناقشة جميع القضايا مع المعارضة. 

ورأى أن بيان هيئة الأركان كان "رداً عاطفياً" على إقالة زميلهم. 

وبعد انتهاء الكلمة، وفي استعراض لقوته في الشارع، قاد باشينيان مسيرة في مركز العاصمة وسط احتياطات أمنية مشددة، منعت الشرطة خلالها المعارضين لنهج رئيس الوزراء من قطع المسيرة، بعدما تجمّع مئات المعارضين في الطرق الفرعية وهتفوا ضد الحكومة وطالبوا باستقالة باشينيان.

في المقابل، استبعد مصدر مطلع في يريفان أن تتحول الصدامات في الشارع إلى حرب أهلية، وأشار، في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن "اندلاع حرب أهلية غير مطروح بالمطلق"، مشدداً على أن "الجيش الأرميني يحظى باحترام شعبي واسع ولا يتدخل عادة في السياسة". 

استبعد مصدر مطلع في يريفان أن تتحول الصدامات في الشارع إلى حرب أهلية، وأشار، في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن "اندلاع حرب أهلية غير مطروح بالمطلق"

ومع عدم استبعاد المصدر أن "تكون روسيا قد منحت الضوء الأخضر للجيش والمعارضة لإزاحة باشينيان"، أكد أن "الإطاحة بباشينيان باتت مسألة وقت وأنه سيجبر عاجلاً أم آجلاً على الاستقالة"، مشدداً على أن "توقيع العشرات من كبار العسكريين على البيان يرسل إشارة واضحة إلى أن صبر الجيش قد نفد وأنه لن يتراجع عن مطلبه باستقالة باشينيان، الذي يسعى إلى استعطاف الشعب بشتى السبل، ولكنه لا يدرك مدى تعاطف الشعب مع الجيش وتضحياته".

وفي السياق، أكد رئيس مركز الأمن الدولي في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي أرباتوف، أن استقالة رئيس الوزراء الأرمني حتمية، ولن تؤدي التطورات إلى حرب أهلية في الجمهورية. 

وقال أرباتوف لوكالة "نوفوستي": "هذا أمر حتمي تماما، والسؤال الوحيد هو متى وبأي طريقة. ولا مفر منه ولا شك فيه".

ومنذ أيام، وتزامناً مع مرور مائة يوم على توقيع اتفاق السلام مع أذربيجان، أطلقت المعارضة فعاليات واسعة تطالب باشينيان بالاستقالة، ونظّم تحالف "الحركة من أجل إنقاذ الوطن" المشكل من نحو 20 حزباً معارضاً، يوم السبت الماضي، تظاهرة حاشدة بمشاركة نحو 30 ألفاً حسب المعارضة، و13 ألفا حسب الأجهزة الأمنية، وسط العاصمة يريفان، للمطالبة باستقالة باشينيان.

ويقود الحراك المعارض رئيس الوزراء الأسبق فازغين مانوكيان. 

وحمّل مانوكيان، في كلمة أمام المحتجين، باشينيان المسؤولية عن الخسارة في الجولة الأخيرة من النزاع العسكري في إقليم كاراباخ، قائلا إن أرمينيا "فقدت استقلاليتها". 

ودعا مانوكيان إلى إجراء إصلاحات واسعة النطاق في البلاد، لاسيما في المجال العسكري والدبلوماسي. وربط الخروج من الأزمة الحالية برحيل حكومة باشينيان. 

وحينها قلل مانوكيان، وهو مرشح المعارضة لرئاسة الوزراء، من إمكانية تخلي باشينيان عن الحكم طوعا. ودعا إلى تنظيم حملات احتجاجية يومياً في عموم أرمينيا. وشدد على ضرورة "أن تكون المعارضة مستعدة للجوء إلى خطة (ب) وانتزاع الحكم في أي لحظة بسرعة صاعقة عبر التمرد".

ودخلت موسكو بقوة على خط الأزمة، وقالت وزارة الخارجية إن الوزير سيرغي لافروف "شدد على أن هذا الوضع شأن داخلي لأرمينيا، ويأمل في تسويته بطرق سلمية"، وذلك في أثناء اتصال مع نظيره الأرميني آرا أيفازيان. 

وقبلها، قال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف: "نتابع بقلق تطورات الوضع في أرمينيا، ونعتبر أنها تمثل شأناً داخلياً... يجب أن يبقى الوضع ضمن إطار الدستور". 

ومع تأكيده أن أرمينيا تعد شريكا موثوقا في منطقة جنوب القوقاز، شدد بيسكوف على "أهمية التعاون مع يريفان، لاسيما في ما يخص تطبيق بنود البيان الثلاثي المبرم بين روسيا وأرمينيا وأذربيجان بشأن تسوية النزاع في إقليم كاراباخ"، وأكد استعداد موسكو لإجراء اتصالات على وجه السرعة على خلفية التطورات.

وواجه باشينيان انتقادات حادة بعد توقيع السلام مع أذربيجان في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 برعاية روسية، وانطلقت عدة تظاهرات معارضة حمّلته مسؤولية الهزيمة، لكنها تراجعت، قبل أن تتجدد بقوة الأسبوع الماضي. 

وتنذر التظاهرات الحالية والأزمة المتصاعدة بانتهاء دور باشينيان السياسي، الذي قاد في 2018 ثورة مخملية لم تسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلد ضعيف الموارد، وربما شكلت الهزيمة الأخيرة في كاراباخ بداية النهاية لحكمه بعد الغضب الشعبي العارم بسبب الخسارة الثقيلة. 

المساهمون