فتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ملف انتزاع الاعترافات قسراً خلال التحقيقات القضائية، والتي زج بسببها آلاف العراقيين داخل السجون خلال السنوات السابقة، فيما خصص بريداً إلكترونياً لاستقبال شكاوى من تعرضوا للتعذيب، وسط مخاوف من أن يكون التحرك إعلامياً فقط.
وخلال السنوات الماضية، زُج بآلاف العراقيين داخل السجون، بسبب "التهم الكيدية" أو ما يعرف بـ"المخبر السري"، إذ اندرجت أغلب تلك القضايا التي أثيرت ضدهم تحت العداوات الشخصية والتصفيات السياسية.
ومساء أمس الجمعة، ووفقاً لبيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، فإنه "بناء على توجيهات السوداني، ولأهمية توفير جميع الضمانات القانونية للمتهم أثناء مراحل التحقيق، ومنها عدم انتزاع الاعترافات منه بالإكراه أو قسراً، وفقاً لما جاء بالدستور، نهيب بمن تعرض لأي صورة من صور التعذيب، أو الانتزاع القسري للاعترافات، بتقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان، معززةً بالأدلة الثبوتية".
وخصص بريداً إلكترونياً، للمستشار، وبريداً آخر للسكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة لاستقبال الشكاوى، مؤكداً أن "ذلك يأتي من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العراق".
'مكتب السوداني يخصص بريداً إلكترونياً لاستقبال شكاوى من تعرضوا للتعذيب أو انتزاع اعترافات بالإكراه' https://t.co/NA1O63G1Tq
— واع (@INA__NEWS) November 11, 2022
رئيس مركز جرائم الحرب، إحدى أبرز المنظمات الحقوقية في العاصمة بغداد، عمر الفرحان علّق لـ"العربي الجديد" على القرار بالقول إن "عمليات إثبات التعذيب ليست بالمستحيلة، ولا سيما التعذيب النفسي وأثره على سلوك المعتقلين، وهناك العديد من الإجراءات التي تثبت وجود تعذيب بحق المعتقلين، فضلاً عن عملية مراجعة الشكوى وطرق التحقيق التي مر بها المعتقل، وهذا سيثبت بالحد الأدنى طرق التعذيب التي مر بها المعتقل".
وأضاف أن "مصادر حقوقية سابقة أشارت إلى أن 90 بالمائة من المعتقلين في العراق خضعوا للتعذيب الممنهج وقضوا في السجون بسبب وشاية المخبر السري الكاذبة. وهذا ما يستدعي أن تكون هناك عمليات تحقيق عالية المستوى بشأن هذه الاعتقالات وحالات التعذيب".
وأضاف "نحن في المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب لدينا الكثير من ملفات التعذيب الموثقة والتي حصلنا عليها من أهالي المعتقلين، سواء الذين ما يزالون أحياء أم الذين قضوا تحت التعذيب، وقدمنا الكثير من الشكوى إلى الأمم المتحدة بشأن التعذيب في العراق".
وتابع "أثبتنا لهم بالوثائق عمليات التعذيب، ولكن إجراءات الأمم المتحدة بطيئة وفي أغلب الأحيان لا تتحرك إلا في أوقات محددة، وهذا ما يجعل ملف التعذيب في العراق مستمراً ولا توجد جهة دولية أو محلية مراقبة هذه الانتهاكات، فضلاً عن أن إدارة مراكز التحقيق والسجون تستخدم التعذيب للحصول على الأموال أو تكون حالات انتقامية وبدوافع طائفية أو غيرها".
واعتبر أن "خطوة السوداني بشأن ملف التعذيب في العراق خطوة مهمة، لكنها متأخرة جداً، وقد تكون خطوة استباقية لزيارة الأمم المتحدة للسجون العراقية لمعرفة أسباب التعذيب، وأيضاً هناك زيارة أخرى للجنة الإخفاء القسري وقد يستعمل هذه الخطوة لإضفاء نوع من الشفافية لحكومته أمام الأمم المتحدة، وقد طالبنا في أوقات سابقة عندما كان السوداني وزيراً للعدل بإعادة ملف المعتقلين والتعذيب".
وأشار إلى أن "أمام السوداني وحكومته حلين لا ثالث لهما، الحل الأول وهو الذي ندعمه بشدة هو العفو العام لكل معتقل أُكره على الاعتراف تحت التعذيب وبوشاية المخبر السري"، أما الحل الثاني وفقاً للفرحان فهو أن "يقوم بتشكيل لجان محلية وبإشراف أممي للنظر في هذه الملفات وتعويض كل من ثبت بحقه التعذيب بالرعاية الصحية الكاملة وتعويضه عن السنين التي خلت في السجون".
وشدد "إذا كانت خطوة السوداني إعلامية فقط، فهذا تعذيب آخر يضاف إلى سجل المعتقلين، وقد تكون الحكومة جدية في هذا الملف، ولكن إجراءاتها ستكون شكلية غير حقيقة ولا تثمر بإطلاق سراح المعتقلين أو إعادة محاكمتهم".
وتتطلب خطوة السوداني إجراءات حازمة وقوية في هذا الملف الحساس، وقال محامٍ أوكل خلال السنوات الماضية عن أحد السجناء الذين انتزعت منهم اعترافات بالقوة إن "خطوة السوداني يجب أن تتبعها ضمانات لإتاحة فرصة للسجناء المحكومين بتقديم شكاوى وطلب تشكيل لجان طبية لفحص الذين تعرضوا للتعذيب منهم".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، "كما يحتاج إلى عمل قضائي لإثبات التعذيب وانتزاع الاعترافات من الذين تعرضوا للخنق أو الضرب وشفيت جروحهم، أو الذين تم ابتزازهم بطرق مختلفة لإجبارهم على الاعتراف، وعن الذين ماتوا تحت التعذيب، وعن الذين لا يملكون دليلاً كون عمليات التعذيب كانت تتم داخل الزنازين والسجون".
وأكد بالقول "لا أعرف ما إذا كانت هناك قدرة لتوفير تلك الإجراءات من عدمها"، معتبراً أن "هذه الإجراءات أساسية لحسم هذا الملف، ولا يمكن حسمه من دون ضمان اتخاذها".
وكانت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي قد كشفت أخيراً عن حراك لإعادة فتح ملفات السجناء بالقضايا الخفيفة، في خطوة إصلاحية لمعالجة هذا الملف، وسط دعوات لأن تكون قضايا "التهم الكيدية" على رأس تلك الملفات.
وتبنت القوى السنية في حملاتها الانتخابية الأخيرة مراجعة ملفات عشرات آلاف المعتقلين، خصوصاً ممن أُدينوا وفقاً لوشايات المخبر السري، أو بانتزاع الاعترافات منهم بالقوة، وهي الفترة المحصورة بين عامي 2006 و2014، خلال تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة.
وحاولت حكومة حيدر العبادي (2014 – 2018) حسم ملف السجناء، من خلال تسريع عرضهم على المحاكم، والإفراج عن كل من لم تثبت التهم الموجهة إليه، وتم بالفعل الإفراج عن آلاف السجناء الذين زجوا في السجون إبان ولايتي المالكي بتهم كيدية وعن طريق المخبر السري، وقانون 4 إرهاب وغيرها من التهم، إلا أن حراك حكومة العبادي لم ينه هذا الملف الشائك.