رئاسيات مصر 2024... هل يسمح المناخ العام بمنافسة حقيقية؟

23 فبراير 2023
من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مارس 2018 (راجي ماجد/الأناضول)
+ الخط -

بدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة يتسلل إلى الأوساط السياسية وأحاديث الناس، وذلك مع اقتراب موعدها المقرر في 2024، في ظل الحديث عن أزمة بشأن غياب المنافسين الجادين عن الساحة لأسباب مختلفة.

وخلق إصرار السلطة المصرية وأجهزتها على فرض شخصيات تتسم بالضعف المهني في مواقع واستحقاقات انتخابية في النقابات، وحتى أحزاب المعارضة، حالة من الغضب والاستياء.

وآخر تلك المحاولات، الدفع بوكيل نقابة الصحافيين خالد ميري، كنقيب مدعوم من أجهزة الدولة، في ظل عزوف الكثير من رموز المهنة عن الترشح، مبررين ذلك بعدم ملاءمة المناخ السياسي. وكان آخر هؤلاء، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي، الذي اعتذر أمام محاولات دفعه إلى الترشح، قائلاً: "أود أن أعلن قراري النهائي بعدم الترشح، وهو قرار مرتبط بتقديري للوضع السياسي العام والمشاكل المهنية والنقابية الكثيرة التي لن أستطيع حلّ أو تحسين، ولو جانباً منها".

استبعاد تشكيل فريق معارض لخوض الانتخابات

واستبعدت مصادر من الحركة المدنية الديمقراطية، لـ"العربي الجديد"، "تشكيل فريق من المعارضين الذين يتمتعون بسمعة سياسية طيبة في أوساط المصريين لخوض السباق الانتخابي، على غرار التجربة التي لم تكتمل عندما أعلن رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الفريق سامي عنان الترشح ضمن فريق يضم الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، وأستاذ العلوم السياسية حازم حسني، ولا سيما في ظل عدم توافر الجدية للانتخابات الرئاسية المقبلة، وعدم سماح أجهزة الدولة لأي مرشح جاد بخوض غمار المعركة".

دعوات للتحضير للانتخابات المصرية

السياسي المصري والرئيس السابق لحزب الدستور علاء الخيام، كانت له وجهة نظر مختلفة، إذ قال إن "المكسب الحقيقي من وراء تشكيل الحركة المدنية، جمع الأحزاب (12 حزباً) في كيان سياسي واحد، وكتلة صلبة تتحدث باسم المعارضة المصرية، وبالتالي يجب التحضير للانتخابات الرئاسية من الآن، وطرح أسماء المرشحين من دون خوف، حتى نتمكن من الدعاية الانتخابية المناسبة، في وقت مبكر، والتأثير في الشعب ورفع شعبية المرشحين".

علاء الخيام: يجب التحضير للانتخابات الرئاسية من الآن، وطرح أسماء المرشحين من دون خوف

وأضاف الخيام في تصريحات لـ"العربي الجديد": "أنا أؤمن بالتغيير السلمي، والانتخابات الرئاسية هي حل مهم في ظل تآكل شعبية النظام الحالي".

وتابع: "نحن نريد الفوز في هذه الانتخابات وليس التمثيل المشرف، لذا يجب العمل من الآن من أجل خلق أرضية جماهيرية عريضة، من خلال الاتفاق على اسم مرشح لديه مشروع اقتصادي وسياسي واعد يلتف حوله الشعب، ويمكن أن يكون لديه مجلس استشاري من أصحاب الخبرات، فالأزمة الاقتصادية أكبر من أي مرشح وأكبر من أن تُحل من شخص واحد".

وعن الوضع الأمني في البلاد، قال الخيام: "بالتأكيد لدينا تخوفات من طريقة عمل الأجهزة الأمنية وضغوطها على الأحزاب والسياسيين، ولكن النظام لا يستطيع العودة إلى القبضة الأمنية الصارمة، لأنه يدرك جيداً تراجع شعبيته في الشارع، وأنه بحاجة فعلية للممارسة السياسية".

ورأى أنه "قد تظهر بعض المضايقات الأمنية، خصوصاً في أثناء محاولة وصول المرشح إلى مؤيديه في الشارع، ولكن أيضاً يجب على المعارضة أن تملك أكثر من سيناريو وتتعامل طبقاً للمتغيرات، ولا تستسلم من أول ضربة". وأضاف: "أنا لا أخشى النظام، لأني أعرفه جيداً وأعرف أساليبه، لكني أخاف من المعارضة ألا تكون قد تعلمت من دروس الماضي، ويتم تفرقتها مجدداً".

وتعليقاً على القضايا الجنائية التي جرى التحقيق فيها مع رئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، مباشرة بعد إعلانه نيّة الحزب الدفع بمرشح رئاسي في الانتخابات المقبلة، قال الخيام إن "رؤساء الأحزاب أعلنوا تضامنهم مع قرطام، ولا بد للحركة المدنية أن تتناقش في أقرب اجتماع، لمعرفة ملابسات الموضوع، فأنا أعتقد أنها رسالة تهديد واضحة، ليس فقط لقرطام، ولكن للحركة المدنية ككل، ويجب أن يكون لنا موقف تجاه ذلك".

وتابع السياسي المصري: "أكون حالماً إذا قلت إن الانتخابات ستكون نزيهة 100 في المائة، ولكن هناك فرصة للضغط المجتمعي من الشارع ومن المعارضة، ووضع ضمانات من البداية، إما انتخابات نزيهة وإما عدم المشاركة من الأساس، كذلك تقديم ضمانات متعلقة بتوفير فرص متساوية للمرشحين للظهور في الإعلام، والاجتماع مع أعضاء الحملة الانتخابية بشكل آمن، والتحرك على الأرض من دون مضايقات أمنية".

ورأى الخيام أنّ "من الصعب تكرار سيناريو انتخابات 2018، التي لاقت رفضاً جماعياً من القوى السياسية للمشهد، بعد التنكيل بالمرشحين المحتملين"، متابعاً: "هذا الرفض أجبر النظام على الدفع بموسى مصطفى موسى في مشهد هزلي. لكن الوضع اختلف تماماً، والشعب أصبح مدركاً لخطورة المرحلة، وهناك غضب وغليان في الشارع، ولن يقبل الشعب بتكرار هذا المشهد مجدداً".

شكوك في إجراء انتخابات رئاسية

من جهته، لفت الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سيف الإسلام عيد، إلى أن المجال العام في مصر "لا يوحي بإمكانية عقد انتخابات رئاسية من الأساس".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "ما الذي يمنع النظام الحالي من تأجيل الانتخابات بذريعة الأزمة الاقتصادية وعدم توافر المال الكافي للإنفاق عليها؟ أو ما الذي يمنعه من تكرار ما حدث في 2018 بحبس المرشحين المحتملين والتنكيل بهم، وبعضهم لا يزال في السجن حتى الآن، مثل عبد المنعم أبو الفتوح، ثم يتم الدفع بمرشح كارتوني لحفظ ماء الوجه، مثل موسى مصطفى موسى؟". وتابع: "ما عرفناه عن النظام الحالي أنه لا يتخذ خطوات للخلف ولا يتراجع أو يجدد في أساليبه والاستراتيجيات التي يتبعها".

سيف الإسلام عيد: المجال العام في مصر لا يوحي بإمكانية عقد انتخابات رئاسية من الأساس

وأشار الباحث المصري إلى أن "الأقاويل عن فتح المجال العام في مصر تتناقل منذ سنوات قليلة، وخصوصاً بعد تظاهرات سبتمبر/ أيلول 2019، ومع ذلك فإن المناخ العام يزداد انغلاقاً، وهناك توسيع لدوائر الاعتقال بشكل غير مسبوق". ورأى أنّ "من الصعوبة في ظل هذه الموجة المتجددة من القمع، أن تُتاح الفرصة للأحزاب أو الحركات السياسية والاجتماعية للمشاركة الحرة الفعّالة، فالنظام يناور من وقت لآخر، وبعض السُّذج أو مخلصي النيات يصدقونه".

وتابع: "مرّ ما يقرب العام على حفل إفطار الأسرة المصرية، وتفعيل الرئيس عبد الفتاح السيسي للجنة العفو الرئاسي، وإطلاق دعوة الحوار الوطني، وكل وعود النظام لم تُحقق... المؤشرات واضحة للجميع".

وعن إمكانية طرح الحركة المدنية الديمقراطية لمرشح في الانتخابات المقبلة، قال عيد: "إذا قررت الحركة المدنية طرح مرشح، ولم توافق الأجهزة الأمنية على هذا السيناريو، من الممكن بسهولة التضييق عليهم، وحبس عدد من المؤثرين، ورأينا ما حدث مع أكرم قرطام، لمجرد إعلانه وجود مرشح رئاسي لحزب المحافظين". وأضاف: "ما نتمناه في هذا السياق وليس ما نتوقعه، أن يتخذ عدد من النافذين داخل النظام قراراً مغايراً".

وفي إبريل/ نيسان 2019، أيد 88.83 في المائة من المقترعين خلال استفتاء في مصر، تعديلات دستورية تسمح بتمديد ولاية السيسي الثانية من أربع إلى 6 سنوات لتنتهي عام 2024، مع إمكانية ترشحه لولاية ثالثة مدتها ست سنوات في انتخابات عام 2024.

وبدا في سياق الحديث المثار عن الانتخابات، أن إلحاق المستشار هشام جنية بقضية أخرى بخلاف القضية التي سجن بشأنها وأنهى مدى العقوبة فيها والمقررة بـ5 سنوات وإطلاق سراحه على ذمتها، هدفه الأساسي منع ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة أو لعب دور فيها، في ظل الشعبية التي يتمتع بها، وكون القضايا الصادر بحقه أحكام بشأنها لا تعوقه عن الترشح، فهي غير مخلة بالشرف.

وبينما ألمح البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، أكثر من مرة، إلى أن لديه نيّة لخوض انتخابات الرئاسة، ويرى في نفسه الأهلية لذلك، إلا أن هناك صعوبة تصل حد الاستحالة للإقدام على تلك الخطوة، في ظل وجوده خارج مصر، لأسباب خارجة عن إرادته.

وكان الطنطاوي الذي أعلن استقالته من رئاسة حزب الكرامة، قبل أن يغادر مصر متوجهاً إلى لبنان، قد أكد تعرضه لمضايقات من أجهزة في مصر لثنيه عن معارضة النظام خلال فترة وجوده في مجلس النواب المصري السابق، وكذلك خلال فترة الترشح للانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي وصلت إلى حد إلقاء القبض على عدد من المحيطين به من دون اتهامات واضحة.

تكرار سيناريو 2018؟

من جهته، رأى المحامي الحقوقي جمال عيد، أن المناخ العام في مصر "لا يسمح بإجراء انتخابات نزيهة أو وجود تعددية في المرشحين بضمانات حرية الحركة على الأرض والمساواة في فرص الظهور الإعلامي". وقال إن "ما حدث مع النائب السابق أكمل قرطام، رسالة واضحة من الأجهزة الأمنية تؤكد (سوداوية) الوضع الحالي، وخلوه من أي إرادة سياسية للإصلاح أو التغيير".

جمال عيد: المناخ العام لا يسمح بإجراء انتخابات نزيهة أو وجود تعددية في المرشحين بضمانات حرية الحركة والمساواة في الظهور الإعلامي

ولفت إلى أنّ "من الوارد جداً أن يتكرر سيناريو انتخابات 2018، فهو أمر متوافق مع توجهات السلطة الحالية، وإذا كان كارل ماركس يقول إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، في الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة، فسيحدث تغيير طفيف في مقولة ماركس، فما جرى في انتخابات 2018 هو المهزلة، وربما القادم مأساة".

وحسب تقديرات عيد، فإن الحركة المدنية "لن تطرح مرشحاً لأنها كتلة مترهلة وضعيفة ولم تُحسن التعاطي مع ظن الناس بها"، قائلاً إنه "في حالة طرح مرشح رئاسي، قد يكونون مجبَرين على الأمر، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية".

واعتبر أن الحركة المدنية "لا تمثل كل أطياف المعارضة المصرية، وقد تحاول بعض الأطراف داخل الحركة طرح مرشح بشكل حقيقي بعيداً عن الأمن، وفي هذه الحالة سيتم مواجهتهم بـ(قمع بوليسي)، ولكن على قدر مبادئ المرشح ووضوحه وقوة برنامجه، سيتضامن الناس ويلتفون حوله".

وبرأيه فإنه "يجب على المعارضة أن تكون واضحة في رفضها لسياسات النظام، وفي انتمائها إلى الناس ودفاعها عنهم، وعن مجتمع القانون، فالنظام واضح في استهانته بغضب الشعب، واستهانته بالقانون، وعدم تورعه عن استخدام الحل البوليسي. حين يكون القمع عنيفاً، وتخلو الدولة من أي ملمح ديمقراطي، ويخلو المجتمع من العدالة، فإمساك العصا من المنتصف أو فقدان الثقة بالناس والقبول بلعب دور المحلل، ستكون عواقبه كارثية".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون