ذكرى رفع العلم الإسرائيلي بالقاهرة: أين المصريون من التطبيع؟

18 فبراير 2022
مصريون أمام مبنى السفارة الإسرائيلية عام 2011 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تحلّ اليوم الجمعة الموافق 18 فبراير/شباط، ذكرى حدثين مهمين في مصر يربط بينهما خيط قوي، هما اغتيال وزير الثقافة يوسف السباعي عام 1978، ورفع العلم الإسرائيلي فوق السفارة الإسرائيلية في القاهرة عام 1980 للمرة الأولى.

وتأتي الذكرى مع تصاعد موجة التطبيع مع إسرائيل في المنطقة. وجمع تاريخ واحد ذكرى حدثين دالّين، يفصل بينهما عامان كاملان، ولكل منهما أثره الذي لا يزال محفوراً في الوجدان العربي.

وقع الحدث الأول في مثل هذا اليوم، حين كان وزير الثقافة المصري ونقيب الصحافيين سابقاً الأديب يوسف السباعي، يطالع عدداً من الصحف على أرفف مدخل الفندق الذي نزل فيه بالعاصمة القبرصية نيقوسيا، على رأس وفد مصري لحضور مؤتمر التضامن الأفروآسيوي.

وطالع الأديب آخر العناوين المتعلقة بتضامن الشعوب الأفروآسيوية معاً ومع القضايا الإنسانية العادلة، ومنها قضية فلسطين التي كانت على رأس القضايا العالقة، ولم يسمع صوت الرصاصة التي اخترقت جسده.

السباعي، كان من حملة السلاح، وشارك رفاقه الضباط الأحرار في ثورة يوليو/تموز 1952 ضد الملكية، وانفعل بخطابات العداء للاستعمار بكل أشكاله.

رفع العلم الإسرائيلي في 1980

وعلى الرغم من الخلفية العسكرية الحذرة للسباعي، إلا أنه استجاب لقرار القيادة السياسية آنذاك لحضور مؤتمر في "وكر الجواسيس" وملتقى أجهزة مخابرات العالم، حينها، قبرص.

وتردد عقب جريمة اغتياله أنه تلقى تحذيرات من خطر الذهاب، خصوصاً أن مواقفه وتصريحاته المسايرة للرئيس الراحل أنور السادات في خططه للسلام مع الاحتلال الإسرائيلي كانت بارزة، وهي المواقف والتصريحات التي استند إليها بيان منفذي العملية، تبريراً لجريمة اغتيال السباعي.

واتُهمت لاحقاً منظمة أبو نضال الفلسطينية بتنفيذ العملية، وجرى شحن الأجواء بمصر ضد الفلسطينيين عموماً، وحملت عناوين الصحف صبغة تشبه تلك التي سادت عقب انقلاب يوليو 2013، باتهام الفلسطينيين باختراق الحدود الشرقية للبلاد وهدم أسوار السجون لإخراج المعتقلين السياسيين إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

ونفى المؤرخ في الشؤون الفلسطينية عبد القادر ياسين في تصريحات صحافية في حينها أن يكون فلسطينيون وراء قتل المسؤول المصري.

لكن الرصاصة لم توقف السادات عن الوصول لمحطته المستهدفة، وهي رفع علم العدو الاسرائيلي في سماء القاهرة، في مثل هذا اليوم من عام 1980، في الذكرى الثانية لاغتيال السباعي، في اختيار قال كثيرون يومها، إنه اختير بعناية.


نفى المؤرخ عبد القادر ياسين في حينها أن يكون فلسطينيون وراء قتل يوسف السباعي

السباعي الذي شغل منصب نقيب الصحافيين، اتخذت نقابته ذاتها، مع نقابات مهنية أخرى قرارات بالإجماع بتجريم التطبيع مع اسرائيل ومنع سفر أعضائها إليها، ضمن موجة شعبية جارفة رافضة للتطبيع، تخالف الأجواء الحالية.

فقبل أيام خلال مؤتمر "إيجبس" للطاقة في مصر، هرع الرئيس عبد الفتاح السيسي ليصافح وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، ما دفع مراقبين لاعتبار أن خطوات السيسي تعني مزيداً من التقرب لإسرائيل ذات التأثير في الدوائر الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة.

هذا التحليل تعززه تصريحات سابقة لمسؤولين مصريين، اشارت إلى ضرورة ترسيخ وتوسيع "سلام دافئ" مع العدو القديم للبلاد، والتي ذهبت إلى حد التنسيق العسكري بين الجانبين في ملفات أمنية.

وفي موازاة ذلك، تصاعد القبض على النشطاء المقاومين للتطبيع ومنهم المصري الفلسطيني رامي شعث، الذي أفرج عنه أخيراً بسبب جنسيته الفرنسية، والصحافي هشام فؤاد الذي لا يزال معتقلاً، وهما عضوان في منظمة مقاطعة إسرائيل.

كما جرى توقيف صحافيتين رفعتا علم إسرائيل بميدان التحرير منذ نحو عام، واقتيد مشجع كروي من الإستاد إلى جهة غير معلومة حين رفع علم فلسطين بين المدرجات.

أما العلم الإسرائيلي، والذي ارتفع منذ 42 عاماً، فقد أُنزل عقب ثورة 25 يناير 2011، مع تسلّق ثوار مبنى السفارة وإزالة العلم ووضع العلمين المصري والفلسطيني، في سبتمبر/أيلول 2011.

يبرز التساؤل هنا عن موقف المصريين تجاه التطبيع، وجاءت الإجابة في مايو/أيار 2021، حين وقعت أحداث حي الشيخ جراح في القدس المحتلة. فقد أجرى المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" دراسة ميدانية على عينة عشوائية طبقية ممثلة للمجتمع المصري.

وأظهرت النتائج أن 86 في المائة من المصريين يرون أن الإسرائيليين عدو دائم، مقابل 4 في المائة لا يرون إسرائيل دولة عدوّة، و5 في المائة يرون إسرائيل عدواً مؤقتاً و5 في المائة ليس لهم رأي محدد.

وبيّنت النتائج أن 45 في المائة من المصريين يرون أن القوة وحدها هي الطريقة المثلى للتعامل مع الإسرائيليين، في مقابل 23 في المائة يفضلون الحلول السياسية، و20 في المائة يرون أن التلويح بالقوة مع السياسة هو أفضل السبل للتعامل مع الإسرائيليين، و12 في المائة لم يكن لديهم رأي محدد.

وعن مدى قبول الدعوات التي تم الترويج لها بخصوص التطبيع الشعبي مع اسرائيل على غرار ما حدث في الإمارات، أظهرت الدراسة رفض 91 في المائة من المصريين التطبيع الشعبي مع الإسرائيليين، مقابل موافقة 5 في المائة على التطبيع وعدم قدرة 4 في المائة على تحديد موقف.

الجيش والمخابرات ضد التطبيع

وتحدث رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" الباحث مصطفى خضري، عن الاستطلاع لـ"العربي الجديد"، فأشار إلى أنه على الرغم من وجود علاقة حميمة بين نظام السيسي وإسرائيل؛ إلا أن العلاقة محصورة في القيادة والدائرة الضيقة المحيطة به، ولم يظهر لها امتداد في مؤسسات الدولة الصانعة للقرار، خصوصاً أن العقيدة القتالية للقوات المسلحة بالإضافة إلى جهاز المخابرات العامة، وهما المؤسستان الأقوى في صنع القرار المصري، عقيدة قُطرية.

وبالتالي فإن إسرائيل بالنسبة لهما هي العدو الرئيسي، وما زالت أدبيات التدريب داخل القوات المسلحة والتي تدرس للضباط، والجنود تعتمد الكيان الصهيوني كعدو، والحرب معه في المستقبل حتمية مؤجلة.


مسألة مقاومة التطبيع لم تعد على رأس أولويات المصريين

لكن الكاتب سيد أمين رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسألة مقاومة التطبيع لم تعد على رأس أولويات المصريين، بسبب وطأة الأزمات المتلاحقة، خصوصاً المعيشية التي يمرون بها، فلا يكاد المواطن يفيق من قرار برفع الأسعار حتى يفاجأ بضريبة جديدة.

ولذلك، تراجعت القضية الفلسطينية ولم تعد على رأس ما يشغل المصريين في الوقت الراهن، وذلك لا يعني في نفس الوقت أنهم نسوا القضية الفلسطينية ولم تعد تعنيهم، مؤكداً أن الوعي الجمعي سيسترد الاهتمام بها حال زوال الظرفين السياسي والاقتصادي الضاغطين.

ونفى أمين انتصار التطبيع على مقاومة الاتجاه المضاد له، مؤكداً أن ما يجري من هرولة تجاه إسرائيل يتم على المستوى الرسمي، بينما لا يعني الصمت الشعبي تجاه ذلك حالة من الاستسلام، بل تفادي القبضة الأمنية.

المساهمون