عادت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية إلى مشاركة الصين في المحادثات التي استضافتها السعودية الأسبوع الماضي في مدينة جدة حول الحرب الروسية على أوكرانيا، معتبرة أن الاجتماع منح فرصة لبكين لاحتواء غضب دول الجنوب، وتقليص الأضرار مع الغرب بسبب العلاقات التي تجمعها مع موسكو.
وأشار تحليل للصحيفة إلى أن الصين أرسلت مبعوثها لي هوي إلى السعودية للمشاركة في المحادثات، التي لم تحضرها روسيا، والاستماع إلى رؤية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول كيفية إنهاء الحرب في إطار ضغط دبلوماسي كبير من كييف لحشد دعم يتخطى نطاق الداعمين الغربيين الأساسيين من خلال التواصل مع دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
وأوضح التحليل أن رؤية زيلينسكي تعني في نهاية المطاف إلحاق الهزيمة التامة والمذلة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعد أحد أقرب وأهم حلفاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، مضيفاً نقلاً عن خبراء في السياسة الخارجية أن المبعوث الصيني ليس مسؤولاً كبيراً ولا يملك أي سلطات لرسم السياسة الخارجية لبلاده، ولم يحضر للمحادثات من أجل دعم رؤية زيلينسكي أو لاكتشاف خيارات مماثلة.
تعليقاً على ذلك، قالت للصحيفة الباحثة بالمجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية والمرصد الصيني بأوروبا الوسطى والشرقية، أليسيا باشولسكا: "السيناريو الأفضل بالنسبة لأوكرانيا لإنهاء هذه الحرب هو السيناريو الأسوأ بالنسبة للصين. بكين تخشى تغيير النظام في موسكو والتداعيات الأمنية المحتملة جراء ذلك بالنسبة لها".
وتابعت: "حسابات الربح والخسارة الصينية لا تقوم على أسس متينة، لكنها عموماً لا تريد رؤية أي اختراقات أوكرانية كبيرة، بما أن ذلك من شأنه تعزيز المصالح الأميركية وكذا قدرة حلف شمال الأطلسي على ضبط الوضع بأوروبا، من خلال إضعاف روسيا".
وفي هذا السياق، لفت تحليل الصحيفة البريطانية إلى أن محادثات جدة منحت لبكين فرصة لتقوية علاقاتها مع حلفائها بدول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، ولتقليص تداعيات الصورة السلبية عنها في الغرب، حيث تواجه بكين انتقادات كبيرة بسبب علاقاتها الوثيقة مع موسكو.
كذلك لفت التحليل إلى أن العلاقات مع البلد المستضيف، المملكة العربية السعودية، مهمة بالنسبة للصين، معتبراً أن الجانب الأهم خلال المحادثات ربما هو عدد الوفود التي شاركت فيه من القارة الأفريقية وآسيا وأميركا الجنوبية.
واعتبر في هذا الصدد أنه رغم الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لأوكرانيا، فإنها جاهدت للحصول على الدعم نفسه من باقي دول العالم، إذ ينظر للحرب على أنها صراع بالوكالة بين القوى الكبرى.
ووفق تعليق مدير معهد "سواس" الصيني، ستيف تسانغ، للصحيفة، فإن المبعوث الصيني "شارك في المحادثات لأنهم يرغبون في التعاطي مع دول النصف الجنوبي"، مشدداً بدوره على أن الصين لا تريد "أن تظهر داعمة بشكل كبير لبوتين بشكل يثير غضب النصف الجنوبي".
أما بالنسبة لأوكرانيا، تشير "ذا غارديان"، فإن الحضور الصيني أمر إيجابي، بغض النظر عن الأهداف الصينية ورغم علاقاتها الوثيقة مع روسيا. واعتبرت أنه رغم الدعم الذي تخص به موسكو، فإن بكين كفت عن بيع الأسلحة لروسيا، وإذا لم تستطع كييف ربح المساندة الصينية، فإنها على الأقل تريد أن تقلص الدعم الذي يحظى به عدوها.
وبالنسبة للصين، يضيف تحليل الصحيفة، فإن المشاركة في محادثات السلام يمنح دبلوماسييها الفرصة لتقديم بلادهم كفاعل رئيسي مسؤول ومنخرط في الجهود الدولية لإنهاء الحرب، رغم الدعم الذي تخص به الطرف الذي بدأ الحرب.
ويقول تسانغ في هذا الصدد "إن كان الصينيون جديين فعلاً ويريدون تحقيق حل سلمي، فلا يوجد أفضل من الرئيس الصيني شي جين بينغ في العالم بأسره للقيام بدور الوساطة".