دلالات دعوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتفاق جديد مع إيران

18 ديسمبر 2020
إيران رفضت تصريحات غروسي (فرانس برس)
+ الخط -

بموازاة دعوات أميركية وأوروبية متصاعدة إلى توسيع الاتفاق النووي المبرم مع طهران عام 2015، ليكون اتفاقاً شاملاً لجميع الملفات المثارة معها، أي البرنامجين النووي والصاروخي والسياسات الإقليمية، صدرت، أمس الخميس، تصريحات من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، دعا فيها إلى اتفاق جديد مع إيران، معتبراً أن الخطوات التي اتخذتها الأخيرة خلال العامين الأخيرين لتقليص تعهداتها النووية لا يمكن التراجع عنها بسرعة.

وفيما تؤكد الحكومة الإيرانية أنها ستعود عن تلك الخطوات إذا ما نفذت بقية أطراف الاتفاق التزاماتها بالكامل، قال غروسي إنه "لا يمكن أن أتخيل إنهم سيقولون ببساطة: "سنعود للمربع الأول" لأن "المربع الأول لم يعد له وجود"، مضيفاً: "من الواضح أننا سنحتاج بالضرورة إلى بروتوكول أو اتفاق أو تفاهم أو وثيقة ملحقة تحدد بوضوح ما الذي سنفعله".

في التعليق على هذه التصريحات، أكدت طهران، اليوم الجمعة، رفضها لها، قائلة إنه "لا حاجة لأي وثيقة أو اتفاق أو تفاهم جديد"، ورافضة بـ"قوة" إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.

وتثير تصريحات المدير العام للوكالة الدولية تساؤلات ملحة، أولاً عن دوافع طرح مسألة ضرورة التوصل إلى "اتفاق جديد" مع إيران في هذا التوقيت، وثانياً عن المقصود من هذا الاتفاق الجديد وطبيعته. 

فيما يرتبط بتوقيت طرح هذا الموضوع، فلا شك أنه يأتي في وقت حساس، أثار فيه فوز المرشح الديمقراطي الأميركي المؤيد للاتفاق النووي جو بايدن في الانتخابات الأميركية، توقعات باحتمال اتخاذ الإدارة الأميركية المقبلة مساراً مغايراً للمسار الذي اتخذه الرئيس الخاسر دونالد ترامب، العدو اللدود للاتفاق النووي.

وعليه، تكشف تصريحات غروسي وتصعيد أوروبي لافت هذه الأيام حول الخطوات النووية الإيرانية عن صعوبة المرحلة المقبلة فيما يتعلق بالصراع مع إيران، وأن تلك التوقعات قد لا تكون في محلها، لأن تركة ترامب وآثارها قد رسخت واقعاً صعباً لا يمكن تجاوزه بسهولة، وأنه من الصعب بمكان العودة إلى ما قبل يناير/كانون الثاني 2017، أي قبل تولي ترامب السلطة، كما تطالب طهران بذلك، أي عندما كانت جميع الأطراف تطبق الاتفاق النووي على قاعدة "ربح ربح". 

فضلاً عن هذا الواقع الناتج عن سياسات ترامب، فلا يخفى أن هناك توجهاً لدى الإدارة الأميركية المقبلة والدول الأوروبية الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لاستثمار تركة ترامب لتحقيق ما فشل فيه هو، إذ تطغى على تصريحات هذه الأطراف اليوم ضرورة توسيع الاتفاق النووي ليشمل جميع القضايا المطروحة مع إيران، في مؤشر واضح على أن أولوية بايدن والأطراف الأوروبية في التعامل مع إيران خلال المرحلة المقبلة ليست إحياء الاتفاق النووي المترنح بالمضمون الذي بني عليه، وإنما التوصل إلى اتفاق شامل جديد.

وفيما تركز التصريحات الأميركية (لبايدن وفريقه) والأوروبية على طرح برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية للنقاش والتفاوض بغية الوصول إلى الاتفاق الشامل، تكشف تصريحات غروسي أن هناك أيضاً توجهاً أممياً ودولياً لإعادة التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني نفسه، لتنتهي إلى اتفاق جديد بشأن هذا البرنامج، كجزء من ذلك الاتفاق الشامل المنشود.

يؤكد هذا التوجه أمرين، الأول أن الاتفاق النووي المبرم عام 2015 قد انتهى وأنه لم يبق منه إلا مجرد عنوان واسم، ولم يعد صالحاً حتى لمعالجة الملف النووي الإيراني.

أما الأمر الثاني فإن قصد الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الاتفاق الجديد حول برنامج إيران النووي هو اتفاق يحيي أولاً، القيود المفروضة على إيران والمنتهية حسب الجدول الزمني المخطط له، مثل الحظر التسليحي الذي انتهى بموجب القرار الـ2231 يوم 18 أكتوبر الماضي، وثانياً يمدد آجال القيود الأخرى التي يحين موعد رفعها حسب الجدول الزمني خلال السنوات المقبلة، وثالثاً يفرض قيوداً أخرى تمنع إيران فنياً من استئناف أنشطتها النووية وعمليات البحث والتطوير النووي وخصوصاً في مجال أجهزة الطرد المركزي بسهولة، ورابعاً يلامس الاتفاق تحديد مصير كمية اليورانيوم المخصب الذي أنتجته طهران بعد رفع القيود على إنتاجه، إذ أشار أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، نشرته خلال الشهر الماضي، إلى زيادة إيران من إنتاجها اليورانيوم واحتياطاتها له 12 ضعفاً من الحد المسموح به في الاتفاق.

لكن في المقابل، ترفض إيران أي تفاوض مجدداً بشأن الاتفاق النووي، سواء حول توسيعه بما يشمل القضايا الصاروخية والإقليمية أو حول برنامجها النووي مرة أخرى، وهي تتجه على ما يبدو نحو مقاربة أخرى في مواجهة هذه الضغوط المتصاعدة من الوكالة الدولية والأطراف الأوروبية، وذلك من خلال ما يمكن اعتباره تغيير "الاستراتيجية النووية". 

ويظهر هذا التوجه الإيراني جلياً في مشروع القانون الذي أقره البرلمان الإيراني في وقت سابق من الشهر الجاري، الذي يحمل عنوان "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات الأميركية". ويعني المشروع الذي تحول إلى قانون، بصريح العبارة، الانسحاب من الاتفاق النووي، إذ إنه يُلزم الحكومة الإيرانية بتنفيذه بعد شهرين، وينصّ على خطوات نووية تنهي هذا الاتفاق، مثل إلزام الحكومة بإنهاء العمل وفق البروتوكول الإضافي الأممي الذي تعهدت بموجبه طهران "طوعاً" بإخضاع منشآتها لـ"رقابة صارمة" من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة أو أكثر منه "إذا استدعت الضرورة".

تعني مهلة الشهرين التي منحها البرلمان الإيراني لبقية أطراف الاتفاق النووي لتنفيذ تعهداتها ورفع العقوبات، أن هذا القانون ورقة ضغط إيرانية على هذه الأطراف لإجبارها على الامتثال لمطلب إلغاء العقوبات الشاملة والتاريخية قبل التوجه نحو "اللاعودة" في برنامجها النووي.

وإلى ذلك، فإن هذا التوجه الإيراني والتصعيد الذي تمارسه الدول الأوروبية الثلاث والوكالة الدولية للطاقة الذرية، يشكلان مؤشرين قويين على أن الصراع مع طهران يتجه نحو مسار ربما يكون أصعب مما كان عليه في أيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال السنوات الأخيرة. 

المساهمون