درعا بعد 11 عاماً على الشرارة الأولى: ذكرى مختلفة للثورة

18 مارس 2022
سعى النظام بكل الطرق لتركيع المحافظة (العربي الجديد)
+ الخط -

خلافاً لما جرت عليه العادة خلال السنوات الأخيرة الماضية، غابت التحضيرات والتجهيزات هذا العام عن ساحة المسجد العمري، في درعا البلد، في محافظة درعا، جنوبي سورية، لإحياء الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، كما اعتاد أهالي درعا البلد في 18 مارس/آذار من كل عام، منذ ما بعد 2011، وهو تاريخ بدء الاحتجاجات الشعبية في المحافظة، والتي انطلقت منها الاحتجاجات إلى كافة الأراضي السورية.

ظلال قاسية لعملية النظام العسكرية وتسويته

درعا، التي سجلت في ذلك التاريخ سقوط أول قتيلين للثورة السورية على يد قوات النظام، وهما حسام عياش ومحمود الجوابرة، لا تزال تنفض عن نفسها غُبار العملية العسكرية التي شنّتها قوات النظام عليها في الصيف الماضي، والتي أرخت بظلالها القاسية على الحياة العامة فيها، بسبب ما تخللها من قصف وتهجير ودمار، وما تبعها كذلك من اتفاق تسوية جديد، قضى بوضع نقاط عسكرية لقوات النظام في بعض المناطق داخل أحياء درعا البلد، ومنها منطقة البريد المحاذية تماماً لساحة المسجد العمري.

حاول شباب درعا التأقلم مع الوضع الجديد بعد التسوية، لكنهم فشلوا

لكن على الرغم من كل الظروف المحيطة بالمنطقة، ومحاولات النظام تركيعها، إلا أن درعا تبقى مهداً لثورة السوريين، وتبقى مصرّة على صوابية خياراتها بالخروج إلى الشوارع في 18 مارس 2011 طلباً للحرية والتخلص من نظام بشار الأسد، كحال أغلب المناطق التي استعاد النظام سيطرته عليها، وفق ما يقول أبناء المنطقة وناشطون منها، تحدثوا لـ"العربي الجديد".

ويقول أحمد نبوت، وهو أحد سكّان ونشطاء درعا البلد، لـ"العربي الجديد"، إن ذكرى الثورة في هذا العام لها شكل مختلف، فأصدقاؤه الذين اعتاد أن يشاركهم التظاهرات والتحضيرات، قد غادروا البلاد في موجة هجرة أفرغت درعا البلد من شبابها، ناهيك عن حجم الإرهاق والاستنزاف اللذين لحقا بالأهالي في درعا، بحسب قوله.

شباب درعا بين القبضة الأمنية وسوء الحال

وآثر الشباب ممن هم في سنّ الخدمة الإلزامية مغادرة سورية متخذين وجهات عدة مختلفة، هرباً من الخدمة العسكرية في قوات النظام. ويتوقع أن يكثف النظام حملاته بعد الاتفاق في درعا، لاعتقال الشبان وسوقهم إلى الخدمة الإلزامية، ومن ثم الدفع بهم إلى الجبهات. وكذلك يبحث الشبان الذين غادروا المحافظة عن تحسين الوضع المعيشي لعائلاتهم، لا سيما أن النظام قد منحهم تأجيلاً لمدة عام كامل، كما سهّل لهم مهمة المغادرة إلى وجهات متعددة، مثل مصر والإمارات.

درعا
يحيي أبناء درعا الذكرى الـ11 للثورة بشيء من الصمت (العربي الجديد)

من جهته، يقول أحمد محاميد، وهو أحد أبناء درعا الذي استقرّ به المطاف في إحدى الدول الأوروبية: "لقد حاولنا بعد اتفاق التسوية في عام 2018 التأقلم مع الوضع الجديد تحت سيطرة قوات الأسد، لكن النظام عمد إلى تجنيد عدد كبير من أبناء درعا واغتيال الناشطين والشباب، ما اضطرنا إلى الرحيل عن سورية، بحثاً عن مكان آمن". ويذكر محاميد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن من أسباب الرحيل أيضاً "تردي الخدمات في عموم سورية، ومنها في درعا التي وصلت إلى الحضيض، صحياً وتعليمياً".

هذه الظروف مجتمعة لم تمنع البعض من تذكر الأيام الأولى للحراك في درعا، ومن زيارة قبور أبنائهم الذين قضوا على يد قوات النظام قنصاً أو قصفاً.

تحيي درعا الذكرى اليوم وقد أفرغت من شبابها، ناهيك عن الاستنزاف الذي لحق بأهلها

أبو محمد، اسم مستعار لرجل مسّن من درعا البلد، طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي خلال حديثه مع "العربي الجديد" لأسباب أمنية، بعدما فقَدَ ثلاثة من أبنائه خلال أعوام الثورة، فيما يقبع ابنه الرابع وصهره في سجون النظام منذ ثمانية أعوام، كعشرات الآلاف من المعتقلين السوريين، والمئات من أبناء درعا. واعتاد أبو محمد زيارة قبور أبنائه كل أسبوع، والحديث معهم وكأنهم أحياء.

ويستذكر أبو محمد كيف أن المناخ الذي ساد الأيام الأولى للثورة كان يملأ الشباب بالحماس، فقد كانوا يشاهدون طواغيت الحكّام وهم يتساقطون الواحد تلو الآخر، وهو أكثر ما شجعه هو وأبناءه على الخروج في التظاهرات ثم حمل السلاح ومجابهة قوات النظام.

درعا
خلّف القصف موتاً وتهجيراً ودماراً (العربي الجديد)

ويضيف أبو محمد في حديث مع "العربي الجديد"، أنه على يقين تام بأن الدعم الدولي الذي قُدّم للأسد هو ما أبقاه في السلطة، ولكن مصير الظالم إلى زوال، ولن يفلت من العقاب الرباني، بحسب تعبيره، مبدياً يقينه من انتصار الثورة لا محالة.

ذكرى الثورة تمرّ بصمت

وما بين القبضة الأمنية والأحوال الاقتصادية ومصائب الفقد، يحيي أبناء درعا الذكرى الـ11 للثورة بشيء من الصمت، وبالإصرار على مطالبهم، على الرغم من سيطرة النظام على معظم أرجاء المحافظة منذ اتفاق التسوية، وما تبعه من أحداث دامية في معظمها، لا سيما موجات الفلتان الأمني والاغتيالات المستمرة.

ويشير خالد م.، وهو قيادي سابق في "الجيش السوري الحر"، إلى أن النظام حاول على مدار سنوات ما قبل التسوية دخول درعا بكل ما أوتي من قوة، وكذلك حاول بعد التسويات دخولها والسيطرة عليها عسكرياً وفشل في مواجهة صمود أبنائها وسلاحهم الخفيف، وهو يعمد إلى الخطط الأمنية والاغتيالات وتسهيل السفر، لإخلاء درعا من شبابها وسحب روح الثورة منها، ولكنه لن يستطيع.

وتعتبر درعا مهد الثورة السورية، وقد سيطرت المعارضة المسلحة فيها على معظم أرجاء المحافظة منذ نهاية عام 2011 بعد دحر قوات النظام عنها. لكن الظروف الدولية والتدخل الروسي إلى جانب النظام بدّلت خرائط السيطرة، لا سيما بعد حملة شرسة قادها الروس والنظام ضد المحافظة مطلع عام 2018 باستخدام شتى أنواع الأسلحة، ما جعل المعارضة ترضى باتفاق التسوية في صيف العام ذاته تحت إشراف روسي، فتقرر سحب السلاح الثقيل وحلّ الفصائل وإبقاء السلاح الخفيف مع العناصر.

ثم التف النظام على الاتفاق مرات عدة، وحاول الضغط على من تبقّى من عناصر المعارضة المسلحة بهدف تهجيرهم مع ذويهم إلى شمال البلاد. ثم جاءت الحملة الأخيرة من النظام والروس خريف العام الماضي، والتي انتهت بتسوية جديدة، أيضاً يسعى النظام والروس للإفلات من بنودها، ونشر الفوضى والاغتيالات لإجبار أبناء المحافظة على الرضوخ.

المساهمون