لم تسهم اتفاقات التسوية التي جرت العام الماضي في محافظة درعا في ترسيخ الاستقرار الذي وعد به النظام السوري وروسيا أهالي المنطقة، التي تغرق في فوضى أمنية وتشهد نشاطاً متزايداً في عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن.
وقتل مجهولون، الأول من أمس الأحد، ضابطاً رفيعاً في جهاز الأمن السياسي، أحد الأجهزة الأمنية لدى النظام، وهو الرائد ماهر وسوف، إثر استهداف سيارته بالرصاص على طريق الأوتوستراد الدولي دمشق - درعا بالقرب من قصر البطل في بلدة صيدا.
وذكر تجمّع أحرار حوران، وهو كما يعرّف عن نفسه "مؤسسة إعلامية مستقلة تنقل أحداث الجنوب السوري وتوثق الانتهاكات"، أن وسوف كان المسؤول المباشر عن معبر نصيب الحدودي مع الأردن، مشيراً إلى أنه "سبق أن رصد العديد من الانتهاكات من قبله بحق المسافرين وابتزازهم لدفع الإتاوات".
ولم يستبعد المتحدث الرسمي باسم التجمع أبو محمود الحوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يندرج مقتل الضابط وسوف في سياق "حرب تصفيات داخل أجهزة النظام الأمنية، أو نتيجة خلاف على شحنات مخدرات".
تصفيات ومقاومة للنظام
من جهته، أوضح الناشط رائد الدرعاوي، المقيم في مدينة درعا، أن عمليات التسوية التي أجراها النظام أفرزت فوضى متعددة الأوجه.
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "من ناحية، استغل النظام سيطرته على المحافظة وبدأ من خلال المتعاونين مع أجهزته الأمنية بتصفية من يعتقد أنهم قد يشكّلون معارضة له في المستقبل، على الرغم من إجرائهم تسويات معه، ومن ناحية أخرى، هناك مقاومة خفية للنظام تتمثل بأشخاص يقومون بعمليات فردية وتصفيات لمن ارتكب انتهاكات من جيش وأمن النظام أو المتعاونين معهم". وتابع: "هذا إضافة إلى أن عصابات تهريب المخدرات استفادت من عودة النظام للمحافظة ومن الفوضى بزيادة نشاطها على الحدود مع الأردن".
استغل النظام سيطرته على المحافظة وبدأ بتصفية من يعتقد أنهم قد يشكّلون معارضة له في المستقبل
وكان ضابط أردني قد قُتل منتصف الشهر الأول من العام الحالي في اشتباك مع مهربين على الحدود السورية الأردنية. وأعلنت مديرية التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة الأردنية، مطلع العام الحالي، عن إحباط 361 عملية تهريب وتسلل عبر الحدود البرية الأردنية خلال العام الماضي، أحبط فيها الجيش تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والممنوعة.
ورأى الباحث المساعد في مركز "جسور" للدراسات بشير نصر الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جملة أسباب تقف وراء عدم الاستقرار في محافظة درعا "منها عدم رضى معظم الأهالي عن اتفاقات التسوية الأخيرة التي فُرضت عليهم من قبل النظام وروسيا". وتابع بالقول: "نسفت هذه الاتفاقات كامل اتفاق التسوية الأول في 2018، وكانت نتيجتها سيطرة أجهزة النظام الأمنية على معظم مدن وبلدات ريف درعا (ما عدا الريف الشرقي حيث يسيطر اللواء الثامن)".
وربط نصر الله بين حالة عدم الاستقرار وبين "تدهور الوضع الاقتصادي ونشر المخدرات بشكل كبير وزيادة تجنيد الشبان لصالح حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية وأجهزة النظام الأمنية". وأضاف: "لهذه الأسباب وغيرها، زادت عمليات الاغتيال التي تستهدف العملاء المحليين للنظام والمليشيات، وأيضاً التي تستهدف بعض الشخصيات (من فصائل المعارضة التي خضعت للتسوية) غير الراضين عن اتفاقية التسوية الجديدة التي فرضت على المنطقة".
وكان النظام السوري قد استعاد السيطرة على محافظة درعا عبر مرحلتين؛ الأولى في منتصف عام 2018، بعد حملة عسكرية بمشاركة من الطيران الروسي دفعت فصائل المعارضة السورية إلى توقيع اتفاقات تسوية. والثانية العام الماضي، عندما تفجرت الأوضاع مجدداً نتيجة تراكم انتهاكات قوات النظام، فتجددت اتفاقات التسوية برعاية روسية وشملت محافظة درعا كلها، باستثناء بلدة بصرى الشام بسبب وجود مجموعات محلية مرتبطة بالجانب الروسي منضوية في "اللواء الثامن".
وتضمّنت الاتفاقات الجديدة تسليم السلاح الفردي وتسوية أوضاع المطلوبين للنظام أمنياً، وعودة المنشقين عن قوات النظام إلى وحداتهم العسكرية في غضون ستة أشهر، وتهجير من يرفض الاتفاق.
ولكن هذه الاتفاقات لم تضع حداً لتنامي الغضب الشعبي والاستياء نتيجة سوء الخدمات وعمليات الاغتيال المتنقلة، التي طاولت معارضين ومتعاونين مع الأجهزة الأمنية للنظام، ما يشير إلى أن هذه الأجهزة تعمل على بقاء الفلتان الأمني في المحافظة. ولا يكاد يمر يوم من دون وقوع عملية اغتيال تطاول أشخاصاً مرتبطين بالأجهزة الأمنية التابعة للنظام، أو عناصر سابقين في فصائل المعارضة أجروا تسويات مع النظام.
المليشيات تتحكم بأوضاع درعا
ورأى اللواء المنشق عن جيش النظام محمد الحاج علي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أهم أسباب الفوضى هو عدم وجود سلطة قوية في محافظة درعا، وإن وُجدت، فهي سلطة متنازع عليها بين النظام والمعارضة". وأضاف: "هناك مآسٍ عالقة منذ عام 2011، إضافة إلى حالة الفقر والعوز التي توظفها قوى معينة لتحقيق مصالح خاصة".
من جهته، أعرب العميد إبراهيم جباوي، وهو عضو في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، عن اعتقاده بأن عملية الاغتيال التي طاولت المسؤول الأمني في معبر نصيب الحدودي الأحد هي "كما يبدو تصفية حسابات لا أكثر". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "يبدو أن هذا الضابط أزعج المليشيات الإيرانية المنتشرة في جنوب سورية وتهرّب مخدرات إلى الأردن من خلال المعبر".
أحد أهم أسباب الفوضى هو عدم وجود سلطة قوية في محافظة درعا
وعن تقييمه اتفاقات التسوية بعد مرور عدة أشهر عليها، قال جباوي، وهو من أبناء درعا: "هي بلا قيمة، لأن المليشيات الإيرانية لم تلتزم بها. هذه المليشيات والفرقة الرابعة تملي على الأجهزة الأمنية التابعة للنظام كل شيء. النظام والمليشيات الإيرانية لم يلتزما بشروط هذه الاتفاقات".
ونصت اتفاقيات عام 2021 على نزع كل الأسلحة من الأهالي، بما فيها السلاح الفردي، بل إن أجهزة النظام الأمنية فرضت على بعض البلدات التي لم تستطع تسليم كامل السلاح الفردي المطلوب، مبالغ مالية قيمتها ملايين الليرات السورية. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن التسويات التي أجريت العام الماضي في درعا بقيت "حبراً على الورق" لا أكثر، إذ لم يتغير شيء في عموم محافظة درعا، بل زادت الأجهزة الأمنية والحواجز المنتشرة بين المدن من وتيرة الانتهاكات بحق المدنيين وفرضت إتاوات عليهم.