"داعش" يوسع اعتداءاته في باكستان: استغلال الاحتقان السياسي

15 مارس 2022
أكثر من 60 قتيلاً بهجوم لـ"داعش" على مسجد في بيشاور (عبد المجيد/فرانس برس)
+ الخط -

وسط حالة احتقان سياسي تمرّ بها باكستان مع تقديم المعارضة قراراً بسحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، بدأ تنظيم "داعش" ينشط بقوة في البلاد هذه الأيام، وكان الهجوم الدموي على مسجد للطائفة الشيعية في بيشاور في الرابع من مارس/آذار الحالي أكبر الهجمات التي نفذها، وأدى إلى مقتل أكثر من 60 شخصاً.

تبع ذلك هجوم على رتل للجيش الباكستاني في جنوب غرب البلاد في الثامن من الشهر، علاوة على الهجمات التي تنفذها حركة "طالبان-باكستان"، والاغتيالات التي لا تتبناها أي جهة لكن الشرطة تؤكد أنها أعمال إرهابية.

وأعلن وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد، في تصريح له في 11 الشهر الحالي، اعتقال خلية إرهابية في منطقة بهاركو في العاصمة إسلام أباد، من دون الكشف عن التفاصيل. ونوه إلى أنه لا يريد أن يبث الذعر في أوساط المواطنين، غير أن الوضع الأمني آخذ في التدهور. كما أكد أن التقارير الاستخبارات تشير إلى أن المسلحين ينوون استهداف كبار المسؤولين في البلاد، منهم هو نفسه وزعيم التحالف المعارض المولوي فضل الرحمن.

حذر وزير الداخلية الباكستاني من أن الوضع الأمني آخذ في التدهور

وفسر الكثير من المراقبين ما قاله رشيد على أنه محاولة لجلب انتباه الشعب والمهتمين بالوضع الأمني في البلاد مما يحدث في الساحة السياسية، خصوصاً أن موقف الحكومة في وجه المعارضة هش. لكن هناك من رأى أن تصريحات الوزير لها دلالات ومصداقية، خصوصاً أنها أتت في وقت تشهد فيه الساحة الباكستانية موجة من أعمال العنف، بالإضافة إلى أن الوزير معروف في الأوساط الباكستانية بالدقة في المعلومات وهو من المقربين للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية.

وتأتي اعتداءات "داعش" في باكستان بعدما كان المسؤولون وصنّاع القرار رفضوا في السابق الحديث عن وجود أي نوع من النشاط للتنظيم. لكن يبدو أن "داعش" بدأ يركز على باكستان أكثر، وهو ما تشير إليه إيحاءات القيادي السابق في التنظيم، مؤسس "فرع خراسان"، المولوي عبد الرحيم مسلم دوست، الذي استسلم إلى "طالبان" في ولاية ننغرهار الأسبوع الماضي.

وقال في أول تصريح له إن الاستخبارات الباكستانية تمارس أنواعاً من الظلم على المسلمين، متحدثاً عن قتل عدد من أفراد أسرته في سجون الاستخبارات الباكستانية. ومع أن الرجل استسلم إلى "طالبان" وترك السلاح، إلا أن كونه مؤسس "فرع خراسان" وله نفوذ كبير في أوساط عناصر وقيادات "داعش"، يشير إلى مدى الغضب الموجود في وسط التنظيم حيال باكستان.

وكانت لهجمات "داعش" آثار سلبية على اللاجئين الأفغان في باكستان. فبعد إعلان التنظيم أنّ منفذ الهجوم على مسجد بيشاور هو مواطن أفغاني، شنت إسلام أباد حملات مكثفة ضد اللاجئين في شمال غرب البلاد. وقال محمد أمين، أحد اللاجئين الأفغان، لـ"العربي الجديد" إن القوات الباكستانية اعتقلت عشرات اللاجئين، بينهم نساء وأطفال، بحجة أنهم يعيشون بطريقة غير قانونية، في حين أن جلّهم لديهم أوراق اللجوء، معتبراً أنّ السلطات تنتقم من اللاجئين.

"داعش" يتحاشى مواجهة "طالبان"

وحول نشاط "داعش" في باكستان، قال المحلل السياسي عرفان ختك، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التنظيم موجود في باكستان منذ فترة طويلة وهو ينشط بين الحين والآخر، ولكن نشاطه كان أكثر في أفغانستان قبل سيطرة "طالبان" على سدة الحكم.

وأضاف: بعد أغسطس/آب الماضي وسيطرة الحركة على كابول، بدأ "داعش" التركيز على المناطق الباكستانية، تحديداً التي تعيش فيها الأقلية الشيعية، لأنه ربما لا يريد مواجهة "طالبان".

وأشار إلى أن المعضلة الأساسية في وجه باكستان هي أن "طالبان" في كابول لا تتعاون مع إسلام أباد بالمستوى الذي تتطلع إليه الأخيرة، لافتاً إلى أن "داعش" ليس التنظيم المسلح الوحيد، بل أيضاً "طالبان" الباكستانية نشطة ضد المصالح الباكستانية، وهو ما يصعّب مهمة السلطات.

المعارضة تضغط لإطاحة الحكومة الباكستانية

ويتزامن تدهور الوضع الأمني المتدهور مع حالة احتقان سياسي في البلاد، تمثل بتقديم المعارضة قرار سحب الثقة من عمران خان إلى البرلمان، فيما تتباطأ الحكومة في عقد جلسة البرلمان للتصويت على القرار، في ظل تصدعات داخل الحزب الحاكم (حركة الإنصاف) من جهة، وبينه وبين الأحزاب المتحالفة معه، من جهة ثانية.

وكانت الحكومة الباكستانية في بداية الأمر واثقة بأن لديها عدداً كافياً من النواب للتصويت ضد قرار سحب الثقة، لكن المعارضة أكدت أن القرار قُدّم إلى البرلمان بعد دراسة دقيقة وأن أعداداً كبيرة من نواب الحزب الحاكم تتواصل مع المعارضة للتصويت ضد رئيس الوزراء.

وقال القيادي في حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز شريف، رئيس الوزراء السابق شاهد خاقان عباسي، في تصريح أخيراً، أن 22 من نواب الحزب الحاكم تواصلوا مع المعارضة للتصويت ضد عمران خان، ذلك علاوة على التواصل مع أحزاب متحالفة مع الحزب الحاكم، مشدداً على أن عملية سحب الثقة عن رئيس الوزراء ستنجح.

وخرجت الخلافات بين أعضاء الحزب الحاكم إلى العلن بعد أن أعلن القيادي فيه، النائب عليم خان، أنه يتشاور في القضية مع الفرع المنشق عن الحزب بقيادة جهانكير ترين خان. والتقى عليم خان، وهو كان من المقربين لعمران خان، بزعيم حزب الرابطة المعارض نواز شريف في لندن، ما أثار حفيظة الحكومة.

ولم يعلم حتى الآن عدد النواب التابعين لجهنكير ترين وعليم خان، ولكن من المؤكد أن التصدعات الداخلية خطر كبير على الحكومة. أما الحزبان المتحالفان مع الحكومة، الرابطة-جناح قائد أعظم، والحركة القومية الوطنية التي تسمى بحركة المهاجرين في السند، فهما يبحثان في القضية، في حين تشير تسريبات إلى أنهما أقرب إلى المعارضة من الحكومة.

تؤكد المعارضة قدرتها على سحب الثقة من خان، مستغلة الخلافات بين الحزب الحاكم وحلفائه

وأعلن القيادي في الحركة القومية خالد مقبول صديقي، أن الحركة تنظر إلى المصالح الوطنية وليس من الضروري الاستمرار في التحالف مع الحكومة. كما عقد حزب الرابطة-جناح قائد أعظم، مؤتمراً تشاورياً يومي 13 و14 الحالي للتشاور في القضية. وعقب المؤتمر، قال زعيم الحزب شودري شجاعت، إن تعامل الحكومة غير مناسب مع الأحزاب المتحالفة، داعياً إياها إلى تبني سياسة وطنية. بينما قال شقيقه، رئيس برلمان إقليم البنجاب شودري برويز إلهي، إن الحزب يراقب التطورات.

وتعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي منور عباس، لـ"العربي الجديد"، إن سير التطورات السياسية يشير إلى أن عملية سحب الثقة ستنجح في ظل التصدعات داخل الحزب الحاكم، وانسحاب الأحزاب المتحالفة عنها.

وأشار إلى أن الحكومة تبنّت استراتيجية غير بنّاءة، إذ أعلنت عدم دخول نوابها إلى مقر البرلمان يوم التصويت على القرار، كما طلبت من أنصارها التوجه نحو العاصمة للمشاركة في مهرجان شعبي بالقرب من مقر البرلمان قبل يوم التصويت، ما قد يجعلهم في مواجهة مع أنصار المعارضة، لأن الأخيرة أيضا أكدت إنزال أنصارها إلى الشارع في حال تجمّع مناصرو الحزب الحاكم.

المساهمون