هذا الهدوء الذي يعيشه مطار الطبقة العسكري، الذي يعتبر آخر معاقل النظام في الرقة ويحاصره "داعش" تمهيداً لاقتحامه، يشبه الهدوء الذي سبق تمدّده في ريف حلب الشمالي أمس، عبر السيطرة على بلدتي اخترين وتركمان بارح، وقرية الغوز. وإن دلّ هذا على شيء، إنما يدلّ على أنّ التنظيم يتبع إستراتيجية الحرب على النظام والمعارضة كل على حدا، ويتجنّب خوض معركتين في آن واحد، في سبيل التوطيد المكاني لـ"الخلافة الإسلامية"، التي أعلن عنها نهاية شهر يونيو/حزيران، ونصب أبو بكر البغدادي أميراً عليها.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه "الائتلاف الوطني" المعارض بإصدار بيان تلو الآخر، مؤكداً على تواطؤ النظام مع "داعش"، ينشغل الأخير في التحضيرات لاقتحام المطار العسكري، وهو ما قد يمنحه فضلاً عن القوة المكانية، القوة الإعلامية، والتي بدأ يركز عليها من خلال الإصدارات المطبوعة، والتقارير الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تسبق بدء أي معركة.
وبحسب مكتب الرقة الإعلامي، فإنّ التنظيم قد استهدف بالمدفعية الثقيلة مطار الطبقة بعد يوم من سيطرته على اللواء 93، في حين أفاد ناشطون بسقوط عشرات الصواريخ داخل المطار، مشيرين في الوقت نفسه، إلى أنّ المعركة تقتصر حتى الآن على القصف المدفعي والصاروخي.
وفي هذا الإطار، يشير مدير شبكة "سوريا مباشر" علي باز لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ أرتالاً عسكرية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" توجهت إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة، وشوهدت قوات تابعة للتنظيم تتجول في المدينة، فيما يبدو أنها استعدادات لاقتحام المطار العسكري.
ويقول باز إنه لوحظت حركة غير طبيعية لطائرة من طراز "إليوشن"، كانت تستخدم لأغراض الشحن، فيما يرجح أنّها لنقل بعض الضباط والذخيرة من المطار. وتؤكّد معلومات مدير الشبكة المعارضة مصادر مقربة من التنظيم تحدثت عن قصف مقاتلات النظام لمستودع الذخيرة في المطار، خوفاً من وقوعه في يد "الدولة الإسلامية".
من جهة ثانية، بررت وسائل إعلام مقربة من النظام تزايد حركة الطيران في مطار الطبقة، بأنها دعم بالعتاد والذخيرة للجيش السوري، ليتمكن من "الصمود في وجه الهجمة الإرهابية الشرسة".
وإضافة إلى هذه التحركات المحدودة للنظام، لم يقم حتى الآن سوى بزرع الألغام من ثلاث جهات، في حين أبقى على الجهة الجنوبية خالية من الألغام، كي تكون طريقا له إلى حمص، في حال قرر الانسحاب، بالإضافة إلى عمليات الانتقام من المدنيين بالقصف الجوي بالصواريخ، على مدينتي الرقة والطبقة.
التأثير السياسي لسقوط المطار
ورأى عضو "الائتلاف الوطني" لقوى الثورة عقاب يحيى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه في "حال سيطرة "داعش" على مطار الطبقة، فإن ذلك سيكون له تأثير سياسي كبير، لأن أمراً واقعاً سيفرض، وبالتالي بات على المعارضة أن تقاتل على جبهتين شرستين"، مشيراً إلى "أن الائتلاف يعاني أصلاً من مجموعة أوضاع منها واقع الجيش الحر وهيئة الأركان".
واستدرك يحيى بأن "هذه الخطوة لن تكون نهاية الائتلاف، بل يمكن أن يكون ذلك فرصة لجهات متعددة إقليمية وخارجية بتقديم الدعم للجيش الحر باعتباره الجهة التي يجب أن تواجه طغيان داعش".
وعلّق يحيى على توسّع "تنظيم الدولة" في ريف حلب الشمالي أمس، بالقول إنه "صار واضحاً أن داعش يملك مشروعاً متناميا لبسط سيطرته على مناطق جغرافية كبيرة يأمل أن تكون قاعدة دولته المنشودة؛ وحلب هدف مركزي لما لها من أهمية تاريخية واقتصادية ورمزية، وهي توازن الموصل بالنسبة للعراق".
وأضاف عضو الائتلاف أنّ "داعش يتوسّع بوجود مناخ يساعده إن كان من جهة ضعف "الجيش الحر" وتشتت قواه، وعدم وجود قيادة مشتركة أو غرفة عمليات موحدة، أو من جهة النظام الذي تواطأ معه طويلاً، ثم بدا عاجزاً عن مواجهته حين اقترب منه"، محذراً في الوقت نفسه، من أنّ "حلب ومناطق أخرى معرّضة لسيطرة (داعش)، وهناك من يتحدث عن مخاطر تحيط بحمص، فيما تسيطر على مواقع هامة في الريف الشرقي لحماة".
تجدر الإشارة إلى أنّ مطار الطبقة يقع على بعد سبعة كيلومترات جنوبي مدينة الطبقة (الثورة)، المجاورة لسدّ الفرات، بينما يبعد عن مدينة الرقة خمسين كليومتراً جنوب غرب المدينة، ويمتد على مساحة تقدّر بأربعة وعشرين هكتاراً. ويضم المطار مدرجاً رئيسياً وآخر فرعياً، يمكن من خلاله الإقلاع، وهو المطار الرئيسي في المنطقة الشمالية، وقادر على تقديم الدعم اللوجستي للطائرات الكبيرة المدرج بطول ثلاثة كيلومترات.
ويحتوي المطار العسكري على أكثر من 1400 عنصر، وسربين للطائرات الحربية ميغ (21)، وميغ (23)، إضافة إلى مروحيات ميغ (17)، وميغ (25)، وعدد من دبابات (تي 72)، (تي 82)، وعدد من المدرعات، بالإضافة إلى 16 مدفع 130 ميداني، ومدافع من أنواع مختلفة، ورشاشات ثقيلة.
وتعتبر الرقة أبرز معاقل "الدولة الإسلامية" في سورية، وبعد سيطرتها على الفرقة 17 واللواء 93، لم يعد سوى مطار الطبقة الخاضع لسيطرة قوات النظام، خارج عن سيطرتها في أرجاء المحافظة.