تبدو الخيارات أمام أهالي أحياء درعا البلد، في جنوب سورية، ضيّقة، في ظلّ ضغط روسي لفرض خريطة الحل التي وضعها الجنرالات الروس، للخروج من الأزمة المحتدمة منذ أكثر من 50 يوماً، والتي تضمنت بنوداً ينظر إليها كثيرون على أنها مجحفة ويمكن أن تكون مدخلاً واسعاً لقوات النظام والمليشيات الإيرانية للفتك بآلاف المحاصرين في درعا البلد. وأكدت مصادر مطلعة في درعا، لـ"العربي الجديد"، أن الوفد المخوّل بالتفاوض عن أهالي أحياء درعا البلد، عقد أمس الثلاثاء جلسة مفاوضات جديدة مع النظام والجانب الروسي حول خريطة الحل الروسي، التي تتضمن تسليم السلاح للنظام ونشر حواجز لقواته في أحياء درعا البلد وتسوية أوضاع مقاتلين يدافعون عن هذه الأحياء وتهجير من يرفض الاتفاق إلى الشمال السوري. وأكد عماد المسالمة، وهو أحد الوجهاء في درعا البلد، لـ"العربي الجديد"، أن هناك رفضاً شعبياً عارماً لخريطة الحل الروسي، مشيراً إلى أن المفاوضات لا تزال جارية مع الجانب الروسي. وقال المسالمة إنه "في حال الإصرار على فرض خريطة الحل هذه كما هي، فإن أمام أهالي درعا خيارين لا ثالث لهما: إما القتال، أو الهجرة الجماعية". وأشار إلى أنه لم يعد في يد أهالي أحياء درعا البلد، إلا ورقة واحدة، وهي المطالبة بالرحيل إلى الشمال السوري، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الأمر يضايق الجانب الروسي.
يستخدم أهالي درعا البلد مطلب الترحيل كورقة ضغط
وكان أهالي أحياء درعا البلد طالبوا أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، بترحيلهم إلى "مكان آمن، لتجنب الحرب التي ستكون ويلاً عليهم". وقد أربك هذا المطلب الجانب الروسي، ما دفعه لمنع قوات النظام من شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق على أحياء درعا البلد، قبل أن يقدم أخيراً ما سمّي بـ"خريطة الحل"، التي لم تقر بعد بشكل رسمي، بانتظار انتهاء المباحثات حولها بين وفد الأهالي من جهة، والجانب الروسي ووفد النظام من جهة أخرى، والذي يرأسه اللواء حسام لوقا، مدير إدارة الاستخبارات العامة (أمن الدولة) التابع للمنظومة الأمنية للنظام.
ومن المتوقع أن يستخدم الوفد المفاوض عن الأهالي هذه الورقة، في مسعى لدفع الجانب الروسي لتحسين شروط أي اتفاق، فالخروج الجماعي لأهالي أحياء درعا البلد، يعني فشل السياسة الروسية في جنوبي سورية، وربما ينعكس على دور موسكو في عموم البلاد. ومن الواضح أن أطرافاً إقليمية تخشى من نشوء أزمة إنسانية في حال أصّر أهالي درعا البلد على الخروج من منازلهم، وتسليمها خالية إلى قوات النظام، لذا تدفع باتجاه حل سياسي. ولا تبعد أحياء درعا البلد سوى كيلومترات عدة عن الحدود السورية - الأردنية.
إلى ذلك، طالب الشيخ أحمد صياصنة (أبرز علماء حوران، وهي التسمية المحلية والتاريخية لمحافظة درعا، وخطيب الجامع العمري في 2011)، الوفد المفاوض عن أهالي درعا البلد، بـ"عدم التخاذل والتراجع"، مضيفاً في تسجيل مرئي نشرته وكالة "نبأ" المحلية للأنباء، أول من أمس الإثنين: "لا تلدغوا من الجحر الذي لدغتم منه في عام 2018 مرة أخرى". واعتبر صياصنة أن الروس "أعداء"، مناشداً الوفد المفاوض عدم التوقيع على "اتفاق مذل". وقال: "نصبر على الجوع ولا نعيش بلا كرامة". وكان الجانب الروسي رعى اتفاقيات بين فصائل المعارضة السورية في جنوبي سورية، وبين النظام، في منتصف 2018، لم يلتزم النظام بها.
ويصّر النظام على دخول أحياء درعا البلد سلماً باتفاق تحت رعاية روسية، أو حرباً من خلال مليشيات طائفية تحاصر هذه الأحياء منذ 50 يوماً، ما تسبب بكارثة إنسانية لآلاف المدنيين، لم تسمح لهم قوات النظام بالخروج إلى مناطق أخرى داخل محافظة درعا، وخصوصاً في الريف الشرقي الذي يوجد فيه اللواء الثامن التابع للروس، والذي يضم مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة السورية، يقودهم أحمد العودة، وهو قيادي سابق في تلك الفصائل.
ورأى المحلل العسكري، العميد أسعد الزعبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك خيارين أمام الأهالي في محافظة درعا، الأول هو الإصرار على شروط أبناء درعا مهما كانت النتيجة، واستغلال الموقف الدولي، أما الخيار الثاني، فهو تهجير كل أبناء محافظة درعا ليتحمل المجتمع الدولي تبعات ما يجري في سورية". وأضاف الزعبي أن "أهالي حوران رفضوا انتخابات المجرم بشار الأسد الرئاسية (جرت في مايو/أيار الماضي)، وأعلنوا عدم القبول برئيس لسورية يقود الإرهاب ويبيع البلد للغرباء، وهذا يعني أن لا مكان له في حوران".
تجددت الاشتباكات فجر أمس بين النظام ومسلحين من الأهالي
ميدانياً، تجددت الاشتباكات فجر أمس الثلاثاء، بين قوات النظام ومسلحين من أهالي درعا البلد، فيما دارت اشتباكات وقصف متبادل بين الطرفين في مناطق عدة من ريف محافظة درعا. وقال الناشط محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن اشتباكات وقعت بين مجموعات من مدينة درعا وقوات النظام على محوري القبة والكازية في درعا البلد، جراء محاولة تقدم (فجر أمس) للنظام، تزامنت مع استهداف مكثف بالرشاشات الثقيلة للمنطقة. وأوضح الحوراني أن الهدوء الحذر عاد للمنطقة صباحاً وخلال فترة بعد الظهر (أمس)، بانتظار ما ستؤول إليه نتائج المفاوضات، مع عدم تسجيل خسائر بشرية منذ مساء أول من أمس الإثنين.
ولا يقتصر التصعيد من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها، على أحياء درعا البلد، بل يشمل العديد من المدن والبلدات في عموم محافظة درعا. وفي هذا الصدد، ذكر "تجمع أحرار حوران"، أمس، أن قوات النظام متمثلة بمليشيات من "الفرقة الرابعة"، تدفع بتعزيزات عسكرية على تخوم مدينة طفس في ريف درعا الغربي، مشيراً إلى أن هذه القوات أغلقت صباح أمس، الطريق الواصل بين مدينة طفس وقرية الطيرة، بالتزامن مع إخلاء بعض المزارع وسرقتها من محتوياتها، إضافة إلى إغلاق الطريق الفرعي الواصل بين طفس وبلدة عتمان.
وكانت مجموعات محلية مقاتلة حاولت خلال الأيام القليلة الماضية، التخفيف من الضغط على أحياء درعا البلد، من خلال مهاجمة حواجز ونقاط عسكرية لقوات النظام والأجهزة الأمنية في مناطق عدة داخل محافظة درعا. ومن الواضح أن النظام السوري يضع في أولوياته خلال العام الحالي، السيطرة الكاملة على محافظة درعا، حيث لا تزال العديد من المدن والبلدات في الريفين الشرقي والغربي للمحافظة، خارج سيطرته.