للأسبوع الثاني على التوالي، يتواصل الخلاف بين رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ونائبه الأول، القيادي في "التيار الصدري"، حاكم الزاملي، حول صلاحيات رئاسة البرلمان. ويُصّر الزاملي على أن قرارات البرلمان يجب أن تكون من خلال ما يسميه هيئة رئاسة البرلمان، التي تتكون من رئيس البرلمان ونائبيه (النائب الثاني للحلبوسي هو النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبدالله)، فيما يؤكد الحلبوسي أن صلاحيات اتخاذ القرارات هي بيد رئيس البرلمان حصراً في حال وجوده على رأس عمله، وعلى أن لا مكان لشيء تحت مسمى هيئة رئاسة البرلمان.
خلاف الحلبوسي والزاملي يهدد تحالف "إنقاذ وطن"
وأثار الخلاف المحتدم بين الطرفين الجدل بشأن مستقبل تحالف "إنقاذ وطن"، الذي تشكل أخيراً من "التيار الصدري" وتحالف "السيادة" (المكون من تحالفي "تقدم" بزعامة الحلبوسي و"عزم" بقيادة خميس الخنجر)، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني". ويقدم تحالف "إنقاذ وطن" نفسه، كتحالف عابر للهويات في العراق، ويرفع مشروع حكومة الأغلبية الوطنية.
وكان النائب العراقي عن تحالف "السيادة"، مشعان الجبوري، قد حذّر الأسبوع الماضي، مما وصفه "تصدّع" تحالف "إنقاذ وطن" الذي يمثل حتى الآن الأغلبية في البرلمان بنحو 180 نائباً، قائلاً على "تويتر"، إن "تنازع الزاملي مع الحلبوسي وإصراره على أنه جزء من هيئة رئاسة وليس نائباً للرئيس، يهدد تحالف إنقاذ وطن بالتصدع إن لم يتدخل السيد الصدر (مقتدى الصدر)". وأضاف الجبوري أن "وصف هيئة الرئاسة لم يرد مطلقاً في الدستور، والمحكمة الاتحادية أكدت عدم وجود شيء اسمه هيئة رئاسة مجلس النواب، وإنما رئيس ونائباه".
أكدت المحكمة العليا أن لا صلاحيات لهيئة رئاسة البرلمان
وبحسب مسؤول في الدائرة القانونية بالبرلمان العراقي، فإن "الخلاف بين الحلبوسي والزاملي لا يزال مستمراً"، لافتاً إلى أن الزاملي "يرفض الانصياع لتوجيهات رئيس البرلمان المتعلقة بصلاحيات رئيس البرلمان ونوابه، رغم سعي أطراف إلى التسوية بين الطرفين".
رئاسة أم هيئة رئاسة للبرلمان العراقي؟
ولفت المسؤول إلى أن نائب رئيس البرلمان الأول "لا يزال يعمل ضمن مخاطبات رسمية تحمل عبارة هيئة رئاسة البرلمان، وليس بصفة نائب رئيس البرلمان". وأشار إلى وجود "جوانب لا ينبغي أن يتعامل معها نائب رئيس البرلمان بوجود رئيس البرلمان، لكن الزاملي يتجاوز ذلك قانوناً، وقد حاول أخيراً افتعال مشكلة مع بعض المسؤولين الإداريين في البرلمان بشأن ذلك".
وقال المصدر إن "هناك انطباعاً في البرلمان بوجود توجه من التيار الصدري يتعلق بالسيطرة على بعض القرارات المهمة ومفاصل البرلمان الرئيسية، فضلاً عن التحرك للقيام بدور رقابي ضاغط على وزارات ومؤسسات حكومية مختلفة من خلال الزاملي بصفته التي يصّر على استخدامها (هيئة رئاسة البرلمان)"، معرباً عن اعتقاده بأن سلوك الزاملي "يأتي بتوجه من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كون الأزمة مستمرة منذ نحو 3 أسابيع، وكون أخبارها قد وصلت للصدر ولم يتدخل".
واتهم نائب عراقي طلب عدم الكشف عن اسمه، "التيار الصدري"، بـ"الرغبة بالمشاركة في صلاحيات رئيس البرلمان والحدّ من صلاحيات الحلبوسي، وقد يكون ذلك مقدمة لاتخاذ قرارات منوطة برئاسة البرلمان وتحمل طابعاً سياسياً خلال الأيام المقبلة، يريد الصدريون تمريرها في البرلمان"، معتبراً أن هذه المشكلة "هي أول اختبار يواجه التحالف الثلاثي" الذي لم يكمل شهراً واحداً على تأسيسه.
وبدأ الخلاف بين الحلبوسي ونائبه الأول، عند إصدار الزاملي توجيهاً داخلياً يتعلق باعتماد عبارة "هيئة الرئاسة" في المخاطبات وإرسال المشاريع، بمعنى أنها لا ترسل لرئيس البرلمان فقط، إضافة إلى أن إصدار القرارات لا يكون من رئيس البرلمان فقط، بل من خلال ما يسميه الزاملي هيئة الرئاسة التي تتألف من رئيس البرلمان ونائبيه الأول والثاني.
يهدد الخلاف التحالف الثلاثي الذي شكله التيار الصدري
وكان الأسبوع الماضي قد شهد الكشف عن سلسلة مخاطبات رسمية بين الرجلين، موجهة إلى الأمانة العامة للبرلمان وأعضاء مجلس النواب، وتظهر مطالبة الحلبوسي اعتماد تفسيرات دستورية سابقة صادرة عن المحكمة الاتحادية، تؤكد عدم وجود مصطلح هيئة رئاسة البرلمان. ويؤكد الحلبوسي أن صدور القرارات القطعية محصورة برئيس البرلمان. وتكشف وثيقة أخرى صادرة عن الزاملي تأكيده على اعتماد مصطلح هيئة رئاسة البرلمان في الخطابات الصادرة عن مكتبه.
وتعليقاً على ذلك، رأى عضو ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، النائب عارف الحمامي، أن "الخلاف بين الحلبوسي والزاملي هو صراع على النفوذ والسيطرة على قرارات السلطة التشريعية"، لافتاً إلى أن مثل هذا الخلاف كانت قد شهدته أيضاً الدورة البرلمانية السابقة بين الحلبوسي ونائبه الأول عن التيار الصدري حينها، حسن الكعبي".
واعتبر الحمامي أن هذا الخلاف "يؤكد على أن تحالف إنقاذ وطن غير متماسك، ويفتقد للتنسيق في العمل البرلماني، وهو ما يؤشر إلى أنه مهدد بالانهيار في أي وقت"، بحسب اعتقاده.
دستورياً، شرح الخبير القانوني علي التميمي، أن تفسير المحكمة الاتحادية "كان واضحاً وصريحاً، وهو أن رئاسة البرلمان تكون متمثلة بشخص رئيس البرلمان، ولا يوجد شيء اسمه هيئة رئاسة البرلمان تتمتع بصلاحيات مماثلة لرئيس المجلس". وأوضح التميمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قرار المحكمة العليا، ملزم وبات لكل الشخصيات والجهات". وشدّد على أن "كل النواب والدوائر المتعلقة والمرتبطة بمجلس النواب، يتعاملون في الوقت الحالي وفق مصطلح رئاسة البرلمان، وليس هيئة رئاسة البرلمان"، مشيراً إلى أن "كل من يخالف قرار المحكمة الاتحادية، سيتعرض للمساءلة والمحاسبة القانونية".
من جهته، رأى الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المطبات التي تواجه تحالف "إنقاذ وطن" كثيرة، وتقع على قيادات التحالف العابر للهويات مسؤولية كبيرة في جعله ناجحاً، لأن انهياره سيكون نصراً للبيوتات الطائفية وإثبات وجهة نظرهم في إبقاء العراق تحت فخّ المحاصصة الذي ثبت فشله منذ عام 2005، على حدّ قوله. أما الواضح في الأزمة، بحسب الحمداني، فهو "ميل رئيس البرلمان إلى عدم التصعيد واحتواء الموقف، لكن تحركات الزاملي تعني أن الأزمة قد تعود لتطرق أبواب المحكمة الاتحادية مجدداً".