خلاف الصومال وكينيا على أعلى مستوى: قطع العلاقات مجرد بداية؟

16 ديسمبر 2020
انعكاسات متوقعة لتدهور العلاقات على الصعيدين الأمني والاقتصادي (فرانس برس)
+ الخط -

بلغ التوتر المتجدد بين الصومال وكينيا، أمس الثلاثاء مرحلة جديدة، وصلت إلى حدود إعلان القطيعة الدبلوماسية، من جانب مقديشو، واستدعاء موظفي الخدمة الخارجية التابعين لها من نيروبي، على خلفية ما تصفه بـ"التدخل المتكرر" في شؤون الصومال الداخلية، في وقت يستعد هذا البلد لإجراء انتخابات طال انتظارها. ويأتي قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب الصومال، مع ازدياد ما يصفه بالتدخل الكيني، والذي بلغ أوجّه مع استضافة نيروبي أخيراً قادة صومالاند (أرض الصومال) الانفصالية، التي لا تعترف بها الحكومة المركزية في مقديشو. ويخشى مراقبون من تحول الخلاف إلى مواجهة عسكرية، تزيد الأمور تعقيداً في منطقة القرن الأفريقي.

أكدت مقديشو على ضمان سيادة ووحدة الشعب الصومالي

وأبلغ وزير الإعلام الصومالي عثمان أبوبكر دوبي، أمس، الصحافيين أنه تمّ منح الدبلوماسيين الكينيين في مقديشو مهلة 7 أيام للمغادرة، وأنه سيتم استدعاء ممثلي الصومال لدى نيروبي. وقال دوبي إن "الحكومة الصومالية تعتبر الشعب الكيني مجتمَعاً محباً للسلام يرغب بالعيش بانسجام مع باقي المجتمعات في المنطقة. لكن القيادة الكينية الحالية تعمل على خلق فجوة بين الطرفين". وأضاف أن حكومته "اتّخذت هذا القرار، رداً على الانتهاكات السياسية الصريحة المتكررة والتدخل من جانب كينيا في سيادة بلدنا". وجاء في بيان الوزير، أن "الحكومة الفيدرالية تؤكد ضمان استقلال وسيادة ووحدة الشعب الصومالي وفقاً للدستور الوطني والقوانين الدولية، ولن تتنازل عن حرية واستقلال وسيادة الشعب الصومالي". وكان الصومال قد طرد أواخر الشهر الماضي السفير الكيني في مقديشو، لوكاس تومبو، كما استدعى سفيره من نيروبي، محمود أحمد ترسن، بعدما اتهم كينيا بالتدخل في العملية الانتخابية في ولاية جوبا لاند، إحدى الولايات الصومالية الخمس شبه المستقلة. وتتجه الأنظار نحو خطوات جديدة قد يتخذها أحد البلدين، تصعب أي جهود مبذولة لحصول تسوية إقليمية ودولية تهدف إلى حل النزاع القائم بينهما، والذي يفاقمه استمرار تبادل التهم، أو ممارسة سياسات لا تخدم العلاقات المشتركة.

وارتفع منسوب الغضب الصومالي، أول من أمس، حين استضاف الرئيس الكيني أهورو كينياتا موسى بيحي عبدي، رئيس صومالاند (أرض الصومال)، الجمهورية المعلنة ذاتياً إثر الانفصال عن مقديشو عام 1991، في أول زيارة للأخير إلى نيروبي منذ توليه الرئاسة عام 2017. واحتجاجاً على "التدخلات الكينية بالشأن الصومالي"، رفعت مقديشو شكوى ضد نيروبي إلى الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، وهي منظمة شبه إقليمية في أفريقيا مقرّها جيبوتي، والتي من المرتقب أن تعقد مؤتمراً طارئاً في 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
ويرجح محللون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن تشهد العلاقات الصومالية الكينية انحداراً حاداً نحو الأسوأ، ما لم تتدخل أطراف خارجية لنزع فتيل التوتر الدبلوماسي الراهن. وفي هذا الإطار، يشرح أستاذ الإعلام في جامعة هرمود، أحمد جيسود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن زيارة عبدي إلى نيروبي "جاءت في وقت حرج للغاية"، معتبراً أن الأخير "يسعى من خلال هذه الزيارة، إلى تحقيق جملة أهداف اقتصادية وسياسية، كما أنه يبحث عن اعتراف إقليمي لصومالاند، وهي إحدى الأولويات الكبرى لزيارته، في وقت تسعى فيه الحكومة الكينية للضغط على مقديشو، إلى جانب إمكانية تسويق صادراتها من نبتة القات نحو مناطق صومالاند، التي يستهلك سكانها القات الإثيوبي". وحول تأثير تدهور العلاقات بين الطرفين على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية، يرى جيسود أن "تدهور العلاقات له تأثير سلبي على هذه الصعد كافة، والتي تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، كما أن ما يجري سيؤثر سلباً على الروابط العرقية للصوماليين في كينيا، وخصوصاً في المحافظتين الشمالية والشرقية، إلى جانب التنقلات والتحركات الاقتصادية على الحدود بين الدولتين". ويرى جيسود أن من نتائج تصاعد التوتر أيضاً، احتمال أن تطالب الحكومة الصومالية منظمة الأمم المتحدة بسحب القوات الكينية المتواجدة في الصومال، أو أن يكون من خيارات الحكومة الكينية دعم المعارضة في جوبا لاند. ويستبعد جيسود أن يكون لاجتماع "إيغاد" دور كبير في حل الأزمة، لأن معظم الدول الأعضاء فيها لديها ما يكفي من أزمات داخلية، وخصوصاً السودان وإثيوبيا، بالإضافة إلى أن عامل الزمن قد لا يكون في صالح الحكومة الفيدرالية الصومالية، والتي تعيش آخر أيامها، وفي فترة رئاسية محدودة الزمن.
من جهته، يتوقع الصحافي الصومالي عدنان عبدي أن تدفع زيارة بيحي إلى نيروبي، الصومال، لأخذ قرارات حاسمة، ومنها ما حصل أمس من قطع كامل للعلاقات الدبلوماسية وسحب جميع دبلوماسييه من كينيا.

تبحث منظمة إيغاد في 20 ديسمبر شكوى صومالية على كينيا

ويتخوف الكثير من الباحثين من أن يتحول النزاع الدبلوماسي بين الصومال وكينيا، إلى حرب عسكرية على الحدود، نظراً لتواجد قوات كينية في جنوب الصومال، تحت مظلة قوات حفظ السلام الأفريقية. ولا يستبعد عبدي، في هذا الصدد، أن يتطور التوتر إلى اشتباك مسلح، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، عن وجود "مؤشرات لمثل هذا التوجه، حيث عزّز الصومال وحدات الجيش الوطني على الحدود المشتركة مع كينيا، كما وقعت اشتباكات خلال العام الحالي مرتين على الأقل وسط تعتيم رسمي من الجانبين".
وحول قمة "إيغاد" المرتقبة، يعتقد عبدي أن بإمكان المنظمة أداء دور فعلي لنزع فتيل الأزمة بين كينيا والصومال، وذلك بسبب سياسات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المنفتحة، على حدّ قوله. ويشغل آبي حالياً منصب المدير التنفيذي للمنظمة، إلى جانب رئاستها من طرف رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك. ويعتبر عبدي أن آبي وحمدوك "سياسيان بارعان يمكنهما أن يؤديا دوراً مهماً في كبح جماح الأزمة الدبلوماسية الراهنة بين مقديشو ونيروبي، ما يتطلب أيضاً تنسيقاً وجدّية مشتركة بينهما، إذا ما توفرت، مع إجراء الانتخابات الصومالية المرتقبة (التشريعية والرئاسية)، فمن الممكن الحديث حينها عن نجاح منظمة إيغاد في مهمتها، التي ستؤدي إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلى طبيعتها".

وبحسب خبراء أيضاً، فإن التصعيد الكيني والصومالي لا يصب في مصلحة الدولتين، اللتين تخوضان حرباً ضد حركة "الشباب"، فضلاً عن ارتداداته الاقتصادية، حيث يعمل كثير من الصوماليين في نيروبي، ما يجعل مستقبلهم على المحك، ويدفعهم للتفكير نحو الهجرة إلى إثيوبيا مثلاً أو تركيا.

المساهمون