خطاب شعبوي لبايدن يستهدف قاعدة الجمهوريين

11 فبراير 2023
بايدن في جامعة تامبا في فلوريدا، أول من أمس (جو رادل/Getty)
+ الخط -

على الرغم من عدم إعلانه ترشحّه رسمياً لولاية ثانية في البيت الأبيض، إلا أن الرئيس الأميركي جو بايدن، قد بدأ بالفعل، وفق كل المؤشرات، حملة رئاسية جديدة، مختلفة عن الأولى، التي وجد نفسه فيها في مواجهة في العام 2020، مع سلفه دونالد ترامب، واضطر فيها إلى اعتماد استراتيجية ارتكزت خصوصاً على مواجهة ترامب، في مسألتين طبعتا ولاية الأخير: كوفيد 19 والعنصرية.

ومع تراجع الاهتمام الأميركي بتداعيات الوباء، وتقدم قضايا معيشية ملحّة على مسألة حراك المواطنين من أصول أفريقية، لاسيما ضد عنف الشرطة، يجد الرئيس الأميركي الديمقراطي نفسه، إذا ما اتخذ قراراً حاسماً بالترشح، مضطراً إلى مخاطبة شرائح مجتمعية متعددة، تتخطى قاعدة الحزب الليبرالية، والتي ترفع شعارات نسوية وحقوقية وتحرّرية، إلى مخاطبة "أميركا العميقة" أكثر، والطبقات المتوسطة.

ويأتي ذلك، في ظلّ عدم رسو الجمهوريين بدورهم على مرشحهم للرئاسة، بانتظار انتخاباتهم التمهيدية العام المقبل، وهو ما قد يضع بايدن في مواجهة مرشح جمهوري غير ترامب الذي يعرفه.

يتهم بايدن الجمهوريين بمحاولة إلغاء امتيازات كبار السن

ولم تكن زيارة الرئيس الأميركي الخميس الماضي إلى ولاية فلوريدا، التي تصوّت تقليدياً للجمهوريين، موجهة فقط انتخابياً إلى الوجه السياسي الأكثر شهرة في الولاية، حاكمها الجمهوري رون ديسانتيس، الذي حقّق فوزاً كاسحاً في الولاية لإعادة تجديد منصبه، في الانتخابات النصفية للكونغرس التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويتقدم في استطلاعات الرأي بنوايا التصويت الرئاسية على ترامب، في حال أعلن ترشحه للرئاسة.

بايدن يصوّب على الجمهوريين

وبعد خطاب حال الاتحاد الثلاثاء الماضي، والذي اتهم فيه بايدن الجمهوريين بمحاولة إلغاء الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية "ميديكير"، وهما على التوالي برنامج مساعدة في مرحلة الشيخوخة وتأمين صحي لكبار السن، صوّب بايدن، من فلوريدا، على السيناتور الجمهوري من الولاية، ريك سكوت، الذي تحول إلى هدف لبايدن منذ وقت، حيث استغل الرئيس الديمقراطي اقتراحاً سابقاً لهذا السيناتور، كان قدّمه قبيل الانتخابات النصفية، ويقضي بالسماح بإلغاء البرامج الفيدرالية كل خمس سنوات، أو التجديد لها، لمراقبة وإدارة الإنفاق، لاتهام الجمهوريين بمحاولة إلغاء هذه التقديمات الصحية.

ووضع الرئيس الأميركي نفسه من فلوريدا، التي تضم نسبة كبيرة من المواطنين المتقاعدين (حوالي 20 في المائة)، وحزبه، كالحاميين الوحيدين للضمان الاجتماعي و"ميديكير"، متوعداً بأنه "سيكون كابوساً" للجمهوريين إذا ما مسّوا بالامتيازات الاجتماعية. وقال الرئيس الثمانيني متوجهاً للجمهوريين: "إذا كان ذلك حلمكم فأنا سأكون كابوسكم"، واعداً بعرقلة أي محاولة تشريعية في اتجاه إلغاء الضمان الاجتماعي و"ميديكير".

وكان بايدن قد اتهم الجمهوريين خلال إلقائه خطاب حال الاتحاد الثاني له أمام الكونغرس، الثلاثاء، بمحاولة إلغاء هذه الامتيازات الصحية، ما استدعى صراخ بعض الجمهوريين ونعتهم له بـ"الكاذب"، مباشرة خلال إلقائه الكلمة، ليعود بايدن ويؤكد أنه "قال بعض الجمهوريين، وليس كلّهم، بل عدداً قليلاً منهم". وسجّل هزّ رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن ماكارثي برأسه نفياً، خلال توجيه بايدن هذا الاتهام، علماً أنه كان يجلس خلف الرئيس الواقف خلال إلقائه كلمته.

جولة "انتخابية" للرئيس

لكن ذلك لم يمنع بايدن من استغلال هذه المسألة، خلال الجولة على الولايات التي أطلقها مباشرة الأربعاء، بعد الخطاب. ومن ويسكونسن، قال بايدن الذي التقى بنقابات عمالية في الولاية التي فاز بها بفارق بسيط جداً عن ترامب في 2020 (أقل من واحد في المائة)، إن "خطته الاقتصادية تقوم على الاستثمار في الناس"، في استكمال لخطاب حال الاتحاد الذي رآه متابعون كثر شعبوياً على الصعيد الاقتصادي.

وذكّر بايدن من الولاية باتهام نواب جمهوريين له بالكذب خلال الخطاب، ومنهم النائبة التي تمثل اليمين المتطرف مارجوري تايلور غرين، لكنه استعاد فيديو كان سرّب عن السيناتور سكوت، يؤكد فيه أمام حشد من الناس، أنه انتخب للتخلص من "ميديكير" والضمان الاجتماعي. وأعاد بايدن طرح ذات الموضوع من فلوريدا.

تحتدم معركة سقف الدين في الكونغرس، ورغبة الجمهوريين بتقليص الإنفاق

وكان سكوت بالفعل قد طالب بالتجديد أو إلغاء البرامج الفيدرالية، والضمان الاجتماعي و"ميديكير" منها، كل خمس سنوات، لكن الأكثرية الجمهورية في الكونغرس، تدرك أن هذا الطرح بمثابة "قنبلة سياسية"، وعارضه بشدّة زعيم الأقلية الحالية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي كان أكد في السابق أنه "وحده من يضع الأجندة السياسية للحزب في الشيوخ".

وفي الواقع، يعدّ السيناتور ريك سكوت عن فلوريدا، "جسماً لبّيساً"، بحسب العبارة المتداولة، يمكن استغلاله للتصويب على الجمهوريين، الذين يرفضون تقليدياً زيادة الضرائب على الأغنياء، من بوابة إلغاء الضمانات الصحية.

ومع احتدام معركة سقف الدين في الكونغرس، ورغبة الجمهوريين بتقليص الإنفاق، رأت شبكة "سي أن أن"، في تقرير على موقعها الإلكتروني أول من أمس، أن البيت الأبيض يحاول جعل سكوت، "وجه البوستر" لاتهامات بايدن للمحافظين بمحاولة الانقضاض على التقديمات الاجتماعية، مستفيداً من "سمعة" سكوت السابقة، حين أسّس في الثمانينيات شركة كولومبيا الاستشفائية (شركة خاصة مشغلّة للمستشفيات)، بشراء مستشفيين على وشك الإفلاس في تكساس (حقّقت الحكومة الفيدرالية في التسعينيات في ممارسات مالية لها). وقاد التحقيق إلى ما وصفته وزارة العدل الأميركية لاحقاً، أكبر عملية اختلاس بالقطاع الصحي في تاريخ أميركا.

ويقوم بايدن حالياً بجولة ستحمله ووزراء من حكومته إلى 20 ولاية أميركية على الأقل. وذكرت وكالة "رويترز"، أمس، أن مساعدين كبارا للرئيس ومخططين استراتيجيين للحزب، شكّكوا في مدى ضرورة أن يقود الرئيس حملات في فلوريدا، التي فاز فيها باراك أوباما في انتخابات الرئاسة في 2012، بينما خسرها كل من بايدن وهيلاري كلينتون قبله (2016).

لكن بايدن يرى بعكس وجهة النظر هذه، أن خطابه قد يجد له صدى في الولاية، حيث مواطن من كل 5 يتخطى الـ65 من عمره. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة كبيرة من الأميركيين يرون أن الحزب الديمقراطي هو الذي باستطاعته أكثر حماية برامج الضمان الاجتماعي و"ميديكير"، والتي تؤمن الحدّ الأدنى من الدخل والرعاية الصحية لكبار السن.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون